حوادث وكوارث
سياسات بن سلمان ومستقبل المملكة في مرآة المحللين الأمريكيين والبريطانيين
بقلم: عبد العزيز المكي
إلى ما قبل مجيء الملك سلمان وابنه محمد ولي العهد إلى سدة الحكم في المملكة، كان الأعلام الغربي لا يجرأ على تناول الأوضاع الداخلية للملكة السعودية، الّا لماماً، وقيل أن آل سعود توافقوا مع هذا الأعلام، على أن يبتعد على التطرق إلى الأوضاع الداخلية، ويحصر قدر المستطاع اهتمامه بالإطراء على هذا النظام وعلى إمتداح سياساته والنفخ فيها، ذلك مقابل عطاءات مالية كبيرة يسديها النظام لهذا الأعلام... غير أن الصورة تغيّرت بعد مجيء الملك سلمان ووليعهده أبنه محمد، وما يقوم به هذا الأخير من سياسات طائشة وغير حكيمة، حيث بدأ الأعلام الغربي أكثر جرأة وتعاطياً مع تطورات المملكة السعودية المتسارعة في ظل السياسات والقرارات الطائشة لولي العهد بن سلمان، وإذ ظلت وسائل الإعلام تلك تتناول الوضع الداخلي السعودي بحذر، وبشكل يظهر فيه الحرص على أن لا يكون الكلام مزعجاً للنظام السعودي، في بداية عهد سلمان وأبنه، فأن هذا الأعلام، ومنذ إقدام بن سلمان على اعتقال أكثر من عشرة أمراء، والمئات من رجال الأعمال، وأصحاب الشركات والإمبراطوريات الإعلامية العملاقة، بدأ أي هذا الأعلام يتحدث بلا حرج، وبات يؤشر إلى خطورة سياسات بن سلمان على مستقبل آل سعود ومستقبل المملكة، بشكل صريح، سيما بعض الأعلام الأمريكي والبريطاني، ودعونا نضع بين أيديكم نماذج لكتاب ومحللين بريطانيين وأمريكيين، حول سياسات بن سلمان، وما يمكن أن تؤول إليه هذه السياسات، من أخطار وتحديات، يمكن أن تهدد السعودية على صعيد المديات القصيرة والطويلة...
1ـ الكاتب الأمريكي سيمون هندرسون، مدير برنامج سياسات الطاقة والخليج في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، كتب مقالاً لصحيفة (ذي هيل) ألأمريكية، في25/1/2018، تحدث فيه عن فشلالسعودية في عدوانها على اليمن، قال فيه، ينظر الأمريكيون في واشنطن الى أن حرب السعودية على اليمن وحصارها، قد تسبب في اكبر مجاعة وكارثة إنسانية في العالم...وأضاف لقد فشلت السعودية في إعادة هادي المنفي في الرياض إلى سدة الحكم في صنعاء، والانجاز الوحيد لقوات التحالف بقيادة السعودية هو السيطرة الهشة على بقعة أراضي صغيرة على البحر الأحمر، كما أن الإمارات تقوي جيشها الضعيف بمرتزقة كولومبيين، وأكد الكاتب أن الحوثيين أحرزوا إنجازاً أكبر وهو السيطرة الكبيرة والكاملة والقوية على الشريط الحدودي للسعودية، بل وتمكنوا من السيطرة على أراضي جديدة داخل المدن السعودية الحدودية (جيزان ونجران وعسير). ويضيف الكاتبالأمريكي.. أن الحوثيين يسيطرون على 100كم2 داخل العمق السعودي من مدينة جيزان شرقاً الى نجران، بل ربما قد بسط الحوثيون سيطرتهم الآن إلى أكثر من 100كيلومتر مربع. وقال الكاتب أيضاً، بأن تقديرات الدبلوماسيين الأمريكيين لأداء الجيش السعودي ضعيفة جداً وممقوتة ومروعة ومخيبة للآمال. وأضاف...إن الولايات المتحدة مستاءة جداً ومنزعجة من وضع الأداء العسكري للجيش السعودي الهزيل، وإن البيت الأبيض يسعى لإنهاء هذا المأزق السياسي السعودي نتيجة تورط آل سعود في حرب اليمن...ذلك، وكأن الكاتب يقول وبشكل صريح أن النظام السعودي خسر الحرب على اليمن بعد ثلاث سنوات من فرضها على الشعب اليمني المظلوم، ولا طائل منها، على العكس تماماً، فأنها كلما طالت، كلما تعرض آلسعود لخسائر أكثر.
2ـ الكاتب الأمريكي (برنارد هيكل)، أستاذ دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز الدراسات في جامعة برنستون، كتب مقالاً نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في19/1/2018، حذر فيها من أن قرارات وسياسات بن سلمان تنذر بحدوث كارثة كبرى وفي المستقبل القريب في السعودية، وقد ينتج عنها حسب هيكل انتفاضة شعبية غاضبة ضد حكم آل سعود، وذلك في أعقاب الفقر غير المسبوق والبطالة وارتفاع الأسعار الناتجة عن قرارات بن سلمان الأخيرة. ويقول هيكل في مقاله، أن السعودية تحكمها عشيرة ما تزال متخلفة، كما انه لا يوجد أي منافس لها، كما ولا يوجد أي فرد يستطيع محاسبة الأسرة الحاكمة على البذخ الذي تقوم به. ويرى الكاتبالأمريكي، أن مليارات الدولارات التي أنفقتها السعودية على عملية شراء الأسلحة لن يكون بمقدورها حماية المملكة أو الدفاع عنها، ناهيك عن أن المؤسسة الدينية ذات السلطات الكبيرة في البلاد، منعت أي عمليات تغيير اجتماعي وذلك بهدف الحفاظ على سيطرتها وامتيازاتها التي تعيشها خلال هذا الحكم. وفي تعرضه الى أخطار سياسات بن سلمان على المملكة وعلى حكم آل سعود، قال هيكل، دمّر بن سلمان الدائرة الداخلية للحكم، كما يسعى الآن إلى إلغاء الحصانات القانونية والمالية لأعضاء أسرة آل سعود الحاكمة، وفي هذا السياق يأتي إلقاء القبض على عدد من الأمراء السعوديين، وأضاف هيكل: "بن سلمان سعى أيضاً للسيطرة على دور المؤسسة الدينية السعودية وقمع أي معارضة لسياساته من خلال التهديد أو الإخفاء أو السجن". ويختتم هيكل مقالته بالإشارة إلى..." أن هزيمة بن سلمان وسياساته وخططه ستكون مصدراً لغضب الشعب السعودي وعدم رضاه بالإضافة لانخفاض شعبيته، خاصة وان العديد من السعوديين يأملون بتحقيق الوعود التي قدمها بن سلمان".
3ـ توقع كل من الكاتب البريطاني (بيتر أوبورن) و(عاموس يدلين) الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في مقالين منفصلين، بأن نهاية وليالعهدالسعودي محمد بن سلمان باتت قريبة جداً بسبب سياسته المتهورة، التي أحدثت شرخاً داخل الأسرة المالكة، وأثارت بلبلة وأزمة كبيرة بقصر الحكم. وتوقع أوبورن في مقاله في27/1/2018... "أن بن سلمان سيسقط تحت وطأة انقلاب يتم تدبيره داخل القصر" مشبهاً نهايته بأنها ستكون كنهاية شاه إيران. وارجع الكاتب البريطاني سبب توقعاته بالقول إن "بن سلمان أنهى توازناً للقوى في داخل البيت السعودي تم الحفاظ عليه بعناية على مدى عقود، مشيراً إلى انه يريد أن يكون المصدر الوحيد للسلطة وللنفوذ والمحسوبية داخل المملكة". وأوضح الكاتب البريطاني أن " بن سلمان ليس بإمكانه أن يبقى طويلاً، فقد أهان عائلته وأهان النخبة الدينية، وكان اختياره لحلفائه غاية في السوء. فلا رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيبقيان طويلاً في الحكم. والأغلب أن محمد بن سلمان سيسقط تحت وطأة انقلاب يتم تدبيره داخل القصر".وذهب عاموس يدلين...إلى نفس هذا الرأي في دراسة أعدها لمركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني نشرت في 27/1/2018 أيضاً، حيث توقع أن يتهاوى نظام الحكم في الرياض جراء فشل بن سلمان في تطبيق برنامجه الاقتصادي الاجتماعي (( روية2030))، ولعدم تمكنه من احتواء الغضب داخل العائلة المالكة بسبب إجراءاته الأخيرة، وإمكانية أن تندلع هبة جماهيرية مدنية، احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية في المملكة. وأشار يدلين إلى أن سقوط بن سلمان يمكن أن يتم بأحد السيناريوهات الثلاثة التالية، هي إما بانقلاب صامت يقوم به أحد أجنحة آل سعود، وأما بانقلاب عسكري، أو بثورة جماهيرية، ولفت عاموس إلى أن " أكثر التداعيات خطورة لتهاوي استقرار نظام الحكم في الرياض، تتمثل في ان هذا السيناريو يمكن أن يفضي إلى وقوع السعودية تحت نظام حكم معادٍ لإسرائيل بشكل يسمح باستخدام منظومة السلاح المتقدمة التي تملكها الرياض ضد إسرائيل".
4ـ الكاتب والمحلل الأمريكي (جيسون ستيفنسون)، أكد في مقال له نشره موقع (ماركتس أند موني الاقتصادي) في 17/1/2018، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يلعب بالنار، من خلال إجراءاته وقراراته، في ظل الصراع الدائر بين الأمراء. وبعد أن رسم صورة متشائمة للوضع في السعودية على الصعيدين السياسي والاقتصادي قال "يبدو أن ساعة الانفجار قد اقتربت، لكن لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يحدث لدولة بها واحدة من أكبر حقول النفط في العالم، وتمتلك احتياطيات تعد ضمن الأكبر في العالم".
5ـ وما ذهب إليه المحلل الاقتصادي والسياسي الأمريكي جيسون، ذهبت إليه صحيفة ((ليزيكو)) الفرنسية في عددها ليوم 29/1/2018، حيث تحدثت الصحيفة عن سياسات بن سلمان الطائشة والمتهورة داخلياً وخارجياً، وشددت على أن" ما يقوم به بن سلمان الطائشة والمتهورة داخلياً وخارجياً، وشددت على أن " ما يقوم به بن سلمان لعب بالنار في منطقة متوترة" ونقلت الصحيفة عن مسؤول سابق في شركة توتال الفرنسية بالسعودية قوله انه "لا يمكن أن ينمو النبات عن طريق سحبه إلى الأعلى، وقطار الإصلاحات الذي ينفذه بن سلمان وحشي للغاية ومن شأنه أن يولد انفجاراً".
ويعني هذا التواتر في التقارير وفي الدراسات وفي آراء المحللين الغربيين حول مصير سياسات بن سلمان ومآلاتها، جملة أمور نشير إلى بعض منها بما يلي :
1ـ إن تواتر هذه التحليلات للأوضاع في السعودية، يؤشر إلى حرص المحللين الغربيين على إنذار الحكومات الغربية من أن الأمور تتجه في السعودية إلى التدهور والى احتمال الفوضى، وبالتالي فأن تدارك الأمور هناك بات ضرورة ملحة على عاتق هذه الحكومات، للقيام بإجراءات استباقية، إما بالتخلص من هذا الشاب الأحمق، وإما بالسيطرة على تصرفاته وضبط إيقاعاتها بشكل يجنب الوضع السعودي الانهيار والفوضى، لأن حصول ذلك، ينطوي بنظر هؤلاء المحللين على أمرين خطيرين جداً، وهما:
أولاً: إن انهيار المملكة يمكن أن يرفع سعر النفط الى 200دولار أو حتى أكثر من ذلك، للبرميل الواحد، وهذا مالا يتحمله الغرب، كما من الصعوبة الاستعاضة عن النفط السعودي، لأن السعودية اكبر بلد نفطي في العالم من ناحية الإنتاج "تنتج 11 مليون برميل يومياً "، ومن ناحية الاحتياطي، وإذا ارتفعت الأسعار إلى المعدلات المشار إليها، فأن الدول الغربية سوف تصاب بالشلل الاقتصادي بدون شك.
وثانياً: الخوف كل الخوف من وقوع ترسانة الأسلحة الأمريكية المتطورة بيد نظام معادٍ للغرب ولإسرائيل، وهذا الاحتمال ركزت عليه بشكل خاص دراسة عاموس يدلين التي أشرنا إليها.
2ـ إن التحليلات المتواترة هي دعوات غير مباشرة إلى الحكومات الغربية والى الحكومة الأمريكية، للتحرك لترتيب البيت السعودي، وإنهاء التوتر الذي أوجدته سياسات بن سلمان الطائشة، والذي مازال هذا الأخير يرفع مناسيب هذا التوتر، مما بات ينذر بالانفجار داخل العائلة الحاكمة، بحسب هؤلاء المحللين، وإذا حصل الانفجار، فأن من الصعوبة حينذاك السيطرة على الأوضاع في السعودية، لأنها سوف تتدحرج بسرعة إلى حرب أهلية بين الأمراء، وتتشظى المملكة إلى كانتونات كثيرة متحاربة ومتصارعة تتوزع ولاءاتها على الأمراء والمشايخ، وبالتالي أن ذلك يهدد تزويد الغرب بالنفط، ويشكل خطراً على الاستقرار في المنطقة.
3ـ أيضاً إن هذه التحليلات، هي بمثابة تحذير غير مباشر إلى المستثمرين الغربيين في ساحة المملكة السعودية، من أن الأخيرة تتجه نحو مصير خطير في ظل وجود بن سلمان وفي ظل سياساته، والتي وصفت من كثير من هؤلاء المحللين، باللعب في النار، ذلك لأن أي عملية استثمار من قبل رجال الأعمال الغربيين، وكذلك الشركات الغربية، تبقى محفوفة بالمخاطر، نظراً للوضع المضطرب في المملكة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وبالتالي فأن هؤلاء المستثمرين، يمكن أن يمنوا بخسائر فادحة، ويمكن أن يكون إقدامهم على الاستثمار في السعودية مجازفة تنطوي على مخاطر جمة، إذا لم يأخذ هؤلاء المستثمرين هذه التحذيرات بجدية.
والى ذلك، فأن تواتر تحليلات الكتاب والمحللين الغربيين والأمريكيين، تؤكد صوابية رؤيتنا في ما قلناه في مقالتنا السابقة، أن بن سلمان يقود المملكة إلى المهلكة، وان كل سياساته فاشلة ولا تؤدي إلا إلى هذه النتيجة المحتومة.
ارسال التعليق