قالوا وقلنا
رعب آل سعود...ورهاناتهم على حماية إسرائيل، القوة الهشة!
بقلم: عبد العزيز المكي
أن تتطابق المواقف التي أعلنها وزيرالخارجية السعودي عادل جبير مع تلك التي أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمر ميونخ للأمن الذي أنهى أعماله يوم الأحد الموافق 18/2/2018، من إيران وحلفائها في المنطقة...أن تتطابق مواقف الرجلين بالشأن المذكور، فذلك بات أمراً عادياً في ظل الهرولة السعودية المتسارعة نحو التطبيع مع العدو، والزيارات المتبادلة بين الطرفين، علاوة على التنسيق الأمني والعسكري بينهما العلني منه والسري، وكذلك التعاون المشترك في تلك المجالات، ومجالات أخرى.
وبالطبع أن التماهي السعودي مع الصهاينة، يجري في إطار الثمن الذي يدفعه آل سعود لهم لقاء الحماية والمحافظة على هؤلاء ونظامهم من السقوط. ذلك أن الولايات المتحدة ومنذ عهد أوباما أناطت حماية أنظمة الخليج العربية سيما النظامان السعودي، والإماراتي إلى الكيان الصهيوني، في ظل استراتيجيتها الأخيرة، والمتمثلة بعدم خوض المزيد من الحروب عبر قواتها العسكرية، وإنما الاعتماد على أدواتها وعملائها في المنطقة. على أن الذي يثير التساؤل، ويستوقف المراقبين والمحللين وحتى الخبراء، هو أن يركن آل سعود لحماية كيان صهيوني، رغم أنه يتظاهر بالقوة، إلا إنه عاجز على توفير هذه الحماية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا الكلام، ليس مجرد كلاماً تحليلياً كما يراه البعض، أو يراه آل سعود أنفسهم، إنما هو كلام يعتمد على معطيات ميدانية، فبين الحين والآخر يؤكد العدو هذه الحقيقة، دعونا نشير إلى الموقفين الأخيرين للعدو..هما خطاب رئيس الوزراء الصهيوني في مؤتمر ميونخ للأمن الأخير،وحالة العدو واضطرابه بعد سقوط طائرته الأف16 (السوفا) بالمضادات السورية. ففيما يخص خطاب نتنياهو أمام600مشارك في المؤتمر، فقد ظهر الرجل مرعوباً وخائفاً وبوضع نفسي يخفي قلقاً أكبر على مصير كيانه بسبب قوة شوكة المحور الإيراني...ففي هذا السياق قال نتنياهو "إسرائيل لن تسمح للنظام الإيراني بلف حبل الإرهاب حول عنقها"، وهذا يؤشر إلى معطيات كثيرة عبر عن بعضها الاميركان والإسرائيليين في مناسبات أخرى ومنها :
1. نجاح إيران وحلفائها في دحر الإرهابيين في سوريا، جعل العدو، محاطاً بقوى لا تهدد أمن كيانه وحسب وإنما تهدد وجوده بشكل جدي، وهذا يفسر دعوة مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال اتش آرامكمستر في خطابه في مؤتمر ميونخ نفسه إلى " اتخاذ إجراءات أكثر قوة لوقف تطوير إيران لما سّماه شبكة جيوش بالوكالة، يتزايد نفوذها في لبنان وسورية واليمن والعراق على غرار نموذج حزب الله اللبناني" على حد زعمه. وهذا التصريح يكشف بدوره خوف وقلق الأمريكان على مصير إسرائيل من وجود حلفاء إيران في المنطقة ومراكمتها الخبرات القتالية واللوجستية التي اكتسبتها من حروبها مع أدوات الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي دحرت فيها هذه الأدوات، واللافت أن ما يقلق الأمريكان والصهاينة هو أن الخبرات التي راكمها هذا الحلف شملت كل أنواع الحروب وفي ظروف قاسية جداً وانتصرت فيها، ابتداء من الحروب التقليدية أو الكلاسيكية التي تجيدها الجيوش النظامية ومروراً بحرب المدن والشوارع، وحرب العصابات وحرب الظروف الجغرافية الوعرة من جبال ووديان و.. وانتهاءاً بحرب الإنفاق وما إليها، وهذا مما لا يقدر عليه لا الجيش الإسرائيلي ولا حتى الجيش الأمريكي الذي هزم في العراق شر هزيمة.
2. تآكل القوة الصهيونية وتفوق العدو العسكري، وفي الحقيقة أن هذه القوة وهذا التفوق كان مصطنعاً، صُنع بشيئين، الأول، هزيمة لجيوش الأنظمة العربية في الحروب التي حصلت في عقود الخمسينات والسبعينات، والثاني بالإعلام عن طريق التضخيم والمبالغة في القوة الإسرائيلية ووصفها بالقوة التي لا تقهر هكذا ذهب الإعلام الغربي والإسرائيلي لإخافة الأنظمة والشعوب العربية ولإدخال الهلع والخوف في قلوبهم، وإلحاق الهزيمة النفسية بها، وإلا إن هذه القوة التي لا تقهر" قهرها اللبنانيون وهم أقلة وأخرجوها ذليلة مهزومة من جنوب لبنان عام2000م، ثم تكررت هذه الهزيمة عام 2006م.. وما تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بين ألحين والآخر، حول أن حزب الله بات يهدد ويشكل خطراً وجودياً على الكيان الصهيوني، إلا مصاديق عن تآكل القوة الإسرائيلية التي يخدع بها قيادات الصهيونية لاستقطاب وإقناع يهود العالم بالتوجه إلى أرض الميعاد والأجداد.
صحيح أن نتنياهو وبعض المسؤولين يتحججون بالقوة ويهددون، ونتنياهو هدد بضرب إيران في خطابه في مؤتمر ميونخ إلا أن العالم بات يعرف أن هذه التهديدات لم تكن سوى بالونات فارغة الهدف من إطلاقها هو طمأنة المستوطنين أولاً، وخداع الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام السعودي، والتي تتطلع اليوم للحماية من الكيان الصهيوني. ذلك لأن نتنياهو يطلق تهديداته ضد إيران منذ أكثر من ست سنوات، غير انه لم يستطيع تنفيذها لأنه يعرف أن الثمن باهظ جداً، مثلما اعترف بذلك ديفيد بتريوس يوم كان رئيساً لأركان الجيوش الأمريكية.
3. أن يلوح نتنياهو بقطعة حديدية يزعم أنها بقايا من طائرة درونز إيرانية أسقطتها الطائرات الصهيونية، خلال خطابه في مؤتمر ميونخ، إضافة إلى كل هذا الضجيج اليهودي حول المحول الإيراني، فذلك صحيح انه يهدف إلى تحريض القوى الغربية والولايات المتحدة لشن حرب ضد هذه القوى التي يعتبرها العدو، تهديداً وجوديا له، لكن هذا الضجيج يعكس بشكل واضح شعوراً لدى العدو بعجز وشلل أمام مواجهة هذه القوى، لأنه يدرك تمام الإدراك أنه إذا حارب تلك القوى لوحده فستكون الهزيمة محققة لا محالة، بل أكثر من ذلك أن بعض المسؤولين الصهاينة أقروّا بأن أي حرب يخوضوها مع المحور الإيراني فستكون كارثة بالنسبة لهم، إذا لم تشترك أمريكا والدول الغربية في مثل هذه الحرب.
أما بالنسبة لسقوط الطائرة الاف16 المتطورة، وبالدفاعات الجوية السورية فقد شكلت إرباكا للصهاينة واختباراً حقيقياً لهم على صعيد الميدان العسكري. وشكل نكسة كارثية للعدو ولإتباعه في المنطقة وعلى رأسهم النظام السعودي. وذلك لأسباب عديدة منها:
1- إن سلاح الطيران الصهيوني هو عنصر التفوق على جيوش المنطقة بحسب الزعم الإسرائيلي، وإذا كانت المقاومة في جنوب لبنان قد ألحقت الهزيمة بالجيش الصهيوني وكسرت هيبته، كما كشفت زيف الهالة التي نُسجت حول قوته الاسطورية المزعومة، فأنها لم تنل من سلاح طيرانه صحيح أنها نجحت في توقي ضرباته وقصفه وحماية نفسها منه وبالتالي تحييد دوره، إلا أنها ما كانت تملك سلاحاً يسقط هذه الطائرات ويلحق الهزيمة العسكرية بهذه القوة، ولذلك ظن العدو أن هذه القوة ستكون اليد الضاربة له للنيل من أعدائه، ولذلك فأن سقوط هذه الطائرة جرد العدو من القوة التي يتبجح بالتلويح بها ضد أعدائه وإخافتهم بها، وثم لطمأنة الصهاينة بها.
2- إن سقوط هذه الطائرة بصاروخ سام 5 أس200 المطور، فهذا يعني أن السوريين وحلفائهم بدأوا يطورون مضاداتهم القديمة، لينالوا بها سلاحاً جوياً متطوراً كطائر الاف16، وهذا مؤشر على تقدم المحور الإيراني ليس عسكرياً عبر مراكمة الخبرات في الحرب مع الأعداء وفي كل الظروف كما أشرنا، بل وأنهم يراكمون خبرة علمية وتكنولوجية جعلتهم يكسرون بأس القوة الإسرائيلية الجوية، بل وستجعلهم ينالون من كل سلاح متطور للعدو في المستقبل، وبالتالي إن هذه التطورات تشكل تهديداً للعدو ولعملائه، تهديداً جدياً حاضراً ومستقبلاً.
3- إن إسقاط الطائرة الإسرائيلية في سماء الأرض المحتلة، يشكل ضربة معنوية كارثية لإسرائيل نظراً لآثارها وانعكاساتها النفسية على شذاذ الآفاق وعلى جيشهم في الأرض المحتلة ثم إن ذلك يشكل نوعاً من التحدي واستعراض القوة من الجانب السوري وحلفائه، ورسالة واضحة أننا مستعدون لنقل المعركة في عقر داركم، ما يعني ذلك تهشيماً لإستراتيجية إيغال آلون القائمة على نقل المعركة إلى أرض العدو، وكذلك الركون إلى عنصر المفاجأة أو المباغتة في العدوان، أو الضربة الاستباقية التي تفقد العدو توازنه معتمدة على الحركة السريعة المفاجئة، ولذلك فأن الصواريخ المضادة للطائرات الإسرائيلية أربكت العدو وبثت الهلع في صفوف المستوطنين، إذ سارع إلى إغلاق مطار بن غوريون، كما بدأت قوافل نقل المستوطنين من الشمال إلى الجنوب خوفاً من تطور الوضع إلى حرب مع سوريا وحزب الله.
4- وبدلاً من أن يستغل العدو هذا الحادث وهذه المواجهة مع سوريا وحلفائها بشن الحرب مع محور المقاومة، حرب كان نتنياهو والمسؤولون الصهاينة يلوحون بها ويصعدون عسكرياً هم والأمريكان لإيجاد المبررات والأجواء لشنها، بدلاً من ذلك هرع نتنياهو الى الكرملين والبيت الأبيض طالباً منهما النجدة والضغط على سوريا وإيران بعدم شن الحرب وإنهاء هذه المواجهة عند هذه الحدود. وفعلاً توقفت المواجهة ولم تنجر إلى حرب شاملة، إلا أن الصهاينة خرجوا بنتيجة من شقين بحسب اعترافهم، الشق الأول، يتمثل بحصول كارثة لأن سوريا وحلفائها كسروا المعادلة، وبات الطيران الصهيوني في خطر، بمعنى أن غطاء الأمان الذي يوفره سلاح الجو للمستوطنين انتهى.
أما الشق الثاني، فقد تمثل بإدراك اليهود، أن أي حرب يخوضونها مع المحور الإيراني، أو مع أحد مكوناته، سيخسرونها وسيهزمون فيها لا محالة، ولذلك طالب العديد من الوزراء بمنع وقوع حرب مع لبنان، وفي هذا السياق اعتبر وزير التعليم الصهيوني نفتالي بينت أن " معركة مقبلة مع لبنان ستشهد إطلاق أعداد كبيرة من الصواريخ على شمال (إسرائيل) ووسطها". وأضاف أن معركة أخرى في لبنان ستؤدي إلى أضرار بالجبهة الداخلية لم يحدث مثلها في السابق" مشدداً على ضرورة "القيام بكل شيء لمنع أي معركة مقبلة مع لبنان". والى ذلك فأن هناك العشرات من التصريحات لمسؤولين صهاينة بارزين حذروا فيها من الحرب مع لبنان أو سوريا أو حتى إيران، لأن ليس باستطاعة الكيان الصمود فيها بسبب تغيّر المعادلات العسكرية في المنطقة لغير صالح العدو. وبالتالي فأن كياناً لا يستطيع حماية نفسه، فكيف يستطيع حماية النظام السعودي وكذلك نظام الإمارات ما يعني ذلك، أن آل سعود وآل نهيان يراهنون على حصان خاسر، على العكس تماماً، أن هذا الرهان ورّطهم في كثير من الأزمات، وسيورطهم في المستقبل بالمزيد من هذه الأزمات أيضاً، والتي قد يتسبب بعضها في الإطاحة بعروشهم، فهل يرعوي هؤلاء، ويعودوا إلى رشدهم ويعيدوا النظر في هذه الرهانات الخاسرة؟ نأمل ذلك.
ارسال التعليق