حوادث وكوارث
شر البلية ما يضحك.. هذه حقيقة التغييرات العسكرية الأخيرة في المملكة
بقلم: حسن العمري
تبريراً وتلميعاً لما تشهده المملكة من إضطرابات داخلية وصراع دموي على العرش بين الصقور الملكية وسماع أصوات اطلاق النار في قصر اليمامة في الرياض، إدعى ولي العهد محمد بن سلمان خلال حديثه مع صحيفة "واشنطن بوست" قبل أيام إن "ما أفعله في السعودية تطبيقاً لممارسات كانت وقت النبي محمد (ص)!!.. إنَّها محاولة ترمي لإدخال أشخاص ذوي "طاقاتٍ عالية" يمكنهم تحقيق أهداف عملية التحديث. وقال: "نريد العمل مع المؤمنين بتلك الأهداف"!!.
وسائل الاعلام السعودية مهدت لمثل هذه الأباطيل مدعية أن الهدف تسونامي التغييرات الكبيرة التي طرأت على المؤسسة العسكرية في المملكة يوم 27 فبراير الماضي تستند الى "خطة وثيقة" تطوير وزارة الدفاع كان قد رفعها سلمان تم بموجبها تشكيل لجنة لدراسة أوضاع واحتياجات وزارة الدفاع، تمخض عنها أمانة عامة، حيث اختار الملك السابق عبد الله الأمير محمد بن سلمان ليكون أمينها العام بصفته مشرفا عاماً على مكتب وزير الدفاع آنذاك، كانت الحصيلة التغييرات الأخيرة لتحديث وتطوير وزارة الدفاع وتعزيزاً لرؤية 2030.
إقالات سلمان الملكية بالجملة في الوسط العسكري والأميري والقبلي، سابقة غير مألوفة تثير المخاوف من أسبابها وتوقيتها خاصة وانها شملت رئيس الأركان وقائد القوات الجوية وقائد القوات البرية ومئات الضباط والمراتب العسكرية وبعض الأمراء من حُكّام المناطق القريبة من خطوط القتال مع اليمن وبعض رؤساء القبائل في المناطق ذاتها، يستدعي سؤالاً مشروعاً حول سبب أو أسباب هذا التغيير الذي طرأ خلال الحرب المُستعِرة والمستمرة على اليمن في وقت تدعي فيه الرياض أنها تمكنت من تحقيق الأهداف وكبح جماح الحوثيين والجيش اليمني واللجان الشعبية الموالية لها.
مراقبون أكدوا أن الأمير الشاب نصت لنصائح مستشاريه الأجانب خاصة جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأمريكي "ترامب" السابق بغية تقويض البنية العائلية والقبلية والاعتماد على مستشارين وقوى "محترفة" لحمايته ووضعها على رأس الأجهزة التابعة حيث بدأ ولي العهد حملته التي تنم عن حالة من الفزع والخوف والرعب التي يعيشها والأحباط الكبير المستولي عليه من فشله إعتلاء العرش لذا قرر تجريد أمراء المناطق والمراكز والمحافظات وأفواج القبائل من جميع أسلحتهم، في خطوة تلت تلك التي أتخذها في سبتمبر/أيلول الماضي حينما أمر بنقل 7000 ضابط وجندي من الجيش السعودي الى الحرس الملكي، لبسط نفوذه وسيطرته الكاملة على مختلف مناحي القوة العسكرية خوفاً من أي انقلاب عسكري يطيح به وباحلامه البنفسجية وهو ما حذره منه كوشنر ومستشاريه الاسرائيليين خلال آخر لقاء سري جمعه بهم في الرياض قبل أسابيع من القرار الملكي الأخير.
صحيفة "التايمز" اللندنية كشفت في تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر، أن التغييرات التي أجراها ولي العهد السعودي في قيادات الجيش السعودي ليست بسبب الفشل المتوالي للقوات السعودية والحلفاء في الحرب على اليمن فحسب بل تشير الى المخاوف التي تنتاب محمد بن سلمان من هذه المؤسسة التي عرفت بولائها القديم والكبير لأبن عمه محمد بن نايف ولي العهد السابق وبعض الأمراء بينهم متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، وهو شددت عليه شبكة "سي إن بي سي" الأمريكية في تقرير لها يوم الثلاثاء 27 فبراير/ شباط الماضي، مشيرة فيه الى أهمية إقالة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش وقادة الدفاع الجوي والقوتين الجوية والبرية. وذلك قبل الكشف عن اعتقال مدير شرطة العاصمة الرياض وعدد من كبار مساعديه بتهمة الفساد تلك التي أطلقت في حملة اعتقالات الأمراء والوزراء ورجال الأعمال حيث لايزال 56 منهم معتقلاً - حسب تصريحات "بن سلمان" الأخيرة للواشنطن بوست.
لفهم أسباب وأهداف تلك التغييرات، يجب وضعها في إطارها الزمني والموضوعي، فبحسب نص الأوامر الملكية فإن تلك التغييرات جاءت "بناء على ما عرضه على الملك سلمان وزير الدفاع ( ولي العهد الأمير محمد بن سلمان)"، أي أنها جاءت من اختيار ابن سلمان.
مصادر استخباراتية غربية كشفت النقاب "إن محاولة انقلاب عسكري فاشلة في السعودية خلال الأيام الماضية هي السبب الأساسي وراء التغييرات الكبيرة التي طرأت على المؤسسة العسكرية السعودية بكل صنوفها"، وقال " فروايديفاو" الضابط في دائرة الإستخبارات الاتحادية الألمانية خلال لقاء مع وكالة "بليك" الالمانية.. "إن انقلاب عسكري موالي لأمراء معارضين لإعتلاء محمد بن سلمان العرش لم تكتمل فصوله إثر تسريب معلومات عنه داخل القصور الملكية وكشفه ضباط في السي آي إيه مقربون من جاريد خيوطه قبل فترة، الى جانب تدهور كبير في صحة الملك سلمان دفع بالأخير الى الإسراع في إتخاذ هكذا قرار وتنصيب آخرين على عجالة".
مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي كان قد حذر قبل ذلك باشهر من "انقلاب آخر" داخل العائلة الحاكمة في السعودية منعناً لوصول ولي العهد الطائش والمحتكر لجميع أركان السلطة العرش، وقد كرس التقرير الذي أعده مسؤول قسم الخليج في المركز "يوئيل جوزينسكي" حالة من عدم اليقين والضبابية بشأن سياسات "ابن سلمان" المستقبلية يرمي بظلال من الشك حول قدرته على مواجهة التحديات التي تتعرض لها خاصة داخل الأسرة الملكية الحاكمة، مشدداً رغم أن ولي العهد الشاب حظي بتأييد 31 من أصل 34 من أعضاء "هيئة البيعة"، إلا أن هذا التأييد ليس مطلقاً داخل العائلة المالكة. فإنبثاق المعارضة من داخل الأسرة المالكة نفسها - أولئك الذين ليسوا راضين عن صعوده، ومؤهلاته، وأسلوبه الإداري - وارد بشكل كبير رغم حرص الملك سلمان بن عبدالعزيز على منح نجله صلاحيات كبيرة لتمهيد الظروف أمام توليه مقاليد الحكم، لكنه أفضى إلى ظهور عدد غير قليل من الخصوم له داخل الأسرة الحاكمة ما يدلل على عدم ثقتهم بالملك ونجله".
أما "تشارلز شويبردج" ضابط الإستخبارات البريطانية في جهاز مكافحة الإرهاب فقد كشف النقاب عن إن وكالة المخابرات الأميركية " سي اي آيه" والاستخبارات البريطانية سعيا جاهدين خلال الأشهر الماضية الى رأب الصدع الكبير الذي طرأ داخل الأسرة السعودية الحاكمة بسبب ألاعيب وأعمال محمد بن سلمان الطفولية تحت مسمى " مكافحة الفساد" وأعتقاله لعشرات الأمراء والوزراء وضباط كبار وصادر أموالهم وممتلكاتهم، ليدفعوه الى تلطيف الأجواء عبر الدفع لهم مجدداً وهو كان السبب وراء دفعه الرشى من جديد (تسويات مالية) وزيادة مخصصاتهم بنسبة أكثر من 50% بغية الحصول على ولائهم السياسي- حسب وكالة "بلومبرغ" الأمريكية نقلاً عن عدة مسؤولين سعودين مقربين ومطّلعين رفضوا الكشف عن هويّتهم مضيفة أن هذه المكافآت الباهظة امتدت حتى الى ما بعد أحفاد عبدالعزيز، لتشمل فروعاً أبعد للأسرة!!.
تصريحات الأمير المنشق خالد بن فرحان آل سعود الأخير لمجلة نمساوية بوجود تنسيق بين ما أسماهم "الأمراء الصامتين" وبعض القيادات العسكرية في المملكة للحد من تمادي محمد بن سلمان في سياسته الفاشلة التي أرتهن خلالها ماء وجه المملكة على الصعد السياسية والاقتصادية، وإستحواذه للثروة الوطنية والقرارات الحكومية ومنعه من إعتلاء العرش مهما كلف ذلك ثمناً، دفع بالملك المصاب بالزهايمر العضال إتخاذ قرارته الأخيرة التي طالت أعمدة القوات المسلحة ومن حولها، سعياً منه لإستدراك العبث والفوضى التي أوجدها نجله الطائش داخل الأسرة الحاكمة وإرضاء الخصوم والحد من إتساع نطاق المعارضة العائلية لولي العهد، موعزاً بتنصيب بعض اللذين طالهم إذى حملة فندق "ريتز كارلتون" في الرياض ومن حولهم من أمثال الوليد بن طلال وكذلك الأمير مقرن ولى العهد الأسبق الذي ذهب ضحية سيف سلمان ذاته في عشاء الأربعاء العائلي بمنزله في جدة، ليتم تعيين حفيده فيصل بن فهد نائباً لأمير حائل، وتركي بن طلال شقيق الوليد أميراً لمنطقة عسير وغيرهم.
ارسال التعليق