جولة بن سلمان الخارجية تفضح "هيئة كبار العلماء"
من المؤسف حقّاً أن تُشيد ما تسمى "هيئة كبار العلماء" في المملكة بجولة ولي العهد "محمد بن سلمان" الخارجية التي ابتدأها بمصر وبريطانيا وسيواصلها في فرنسا وأمريكا والتي قوبلت بتظاهرات احتجاجية واسعة وباستنكار وتنديد شديدين من قبل المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان.
هذه الاشادة تعكس بوضوح تملق "هيئة كبار العلماء" للأسرة الحاكمة ولشخص بن سلمان، وإلّا كان الأجدر بها أن تخجل وتصمت على اقل تقدير لأنها متهمة بالسكوت عن انتهاكات هذه الأسرة والمشاركة بالكوارث التي ألمّت بالبلاد نتيجة السياسات المتهورة في شتى الميادين وعلى المستويين الداخلي والخارجي.
الأنكى من ذلك أن الهيئة سعت لذر الرماد في العيون من خلال وصفها لزيارات بن سلمان الخارجية بالايجابية وبأنها تحمل قيم الدين الحنيف ووسطيته واعتداله وسماحته وهي تعلم جيداً بأن هذه الصفات لاتنطبق على سلوك الابن المدلل للملك الذي أوصل البلاد إلى جرفٍ هار وأدخلها في نفقٍ مظلم لاتُرى في نهايته نقطة ضوء، ما ينذر بوقوع ما هو أسوأ إن لم يوضع حدّ لهذه الحماقات.
من القضايا الرئيسية التي دعت أحرار العالم إلى شجب تحركات بن سلمان هي الحرب العبثية والكارثية التي يديرها ضد الاشقاء في اللغة والدين والجيران اليمنيين والتي أودت بحياة الآلاف من الأبرياء ودمّرت البنى التحتية لهذا البلد في جميع المجالات والتي يتحمل العلماء بسكوتهم عن الحرب المشاركة في الجريرة .
والانتفاضة التي حصلت داخل مجلس العموم البريطاني ضد رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" بسبب دعوتها لابن سلمان لإجراء محادثات في لندن كافية للتدليل على أن هذه الزيارة فضحت آل سعود وكشفت حقيقتهم الدموية للعالم، إذ طالب الكثير من النوّاب البريطانيين بوقف تسليح نظام آل سعود والضغط عليه لوقف حربه المدمرة ضد الشعب اليمني.
في هذا الصدد كتبت صحيفة "التايمز" البريطانية مقالاً أكدت فيه أن السعودية تواجه مشكلات في مجال العلاقات الدولية بعد أن أصبحت في عيون العالم بلداً غنيّاً بشكل خيالي يشنّ حرباً على بلدٍ بائسٍ فقير هو اليمن.
وشددت الصحيفة على أن جرائم آل سعود في اليمن أصبحت مشكلة دولية لا يمكن التغاضي عنها، منوّهة إلى أن هذه الجرائم تسببت بازهاق أرواح أكثر من عشرة آلاف مدني نسبة كبيرة منهم من النساء والأطفال، وبات اليمن يواجه صعوبات جمّة لاسيّما في مجال تأمين الغذاء ومياه الشرب، فضلاً عن انتشار الأمراض والأوبئة.
صحيفة "الغارديان" البريطانية دعت من جانبها "تيريزا ماي" لوقف التملق المخجل لابن سلمان واصفة إيّاه بالدكتاتور، في حين أكدت منظمات حقوق الإنسان البريطانية في رسالة مشتركة إلى مكتب رئيسة الوزراء أن بن سلمان مسؤول عن الجرائم ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك السجن والاحتجاز والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام.
صحف بريطانية أخرى نشرت افتتاحيات ومقالات منتقدة سياسات بن سلمان وسجله الحقوقي وتضييقاته على الحريات السياسية ومساعيه لاحتكار السلطة، وتسببه بتدهور الأوضاع في السجون كـ "الحاير" في الرياض، و"ذهبان" في جدة.
وبالتزامن مع زيارة بن سلمان لبريطانيا، جابت شوارع لندن شاحنات وحافلات تحمل لافتات تندد بانتهاكاته لحقوق الإنسان في داخل البلاد وخارجها، فيما نشرت منظمات حقوقية صوراً خطّ عليها "بن سلمان مجرم حرب غير مرحب به" و"بن سلمان إرهابي"، في إطار حملة لفضح الجرائم التي يرتكبها ضد شعبنا عبر الاعتقالات والتعذيب والتغييب القسري، وضد الكثير من شعوب المنطقة والعالم بدعمه للجماعات الإرهابية بالمال والسلاح.
وطالب المشاركون في الاحتجاجات بمحاسبة آل سعود والضغط عليهم لفك ارتباطاتهم بالكيان الصهيوني وفضح مؤامراتهم ضد القضية الفلسطينية.
ووصفت أكثر من 13 منظمه دولية بن سلمان بأنه مستبد ومجرم حرب بينها منظمة أوقفوا الحرب، والحملة الدولية للعدالة، ومؤسسة العدالة العالمية الآن، واتحاد السلم، ومؤسسة الحقوق المدنية، ومركز ملاحقة الجرائم الكبرى.
وتجدر الإشارة إلى أن شرطة لندن قامت باعتقال متظاهر بعد رشقه لسيارة بن سلمان بالبيض أثناء خروجه من مقر رئاسة الوزراء البريطانية، في وقت أكدت فيه حملة "أوقفوا الحرب" خلال مؤتمر صحفي أن سلطات آل سعود وصلت إلى مستوى غير مسبوق بانتهاك حقوق الإنسان. واعتبر عضو الحملة "ستيف بيل" وجود بن سلمان في لندن بأنه يمثل دعماً لأكبر نظام قمعي في الشرق الأوسط، داعياً حكومة "تيريزا ماي" لمراجعة موقفها من هذا النظام.
والسؤال المطروح: في ظل هذه الوقائع والحقائق الدامغة؛ هل يحق لـ "هيئة كبار العلماء" أن تمجد بن سلمان وتشيد بزياراته الخارجية وهي ترى الاحتجاجات والتظاهرات الواسعة التي تعرّي قسما بسيطا من فضائح آل سعود الموثقة بالأدلة التي لا يدانيها شك والتي يفترض ان كبار العلماء كمواطنين قد علموا بها وعرفوها ؟
ألم يكن الأحرى بالهيئة أن تتصدى لابن سلمان ومن معه أو تقوم بتقديم النصح لهم - على الأقل - كي لا يتمادَوْا بسلوكياتهم المنافية للدين والأخلاق والقيم الإنسانية ويكفّوا عن ارتكاب الجرائم بحق الأبرياء ويضعوا حدّاً لتبذير أموال الشعب على نزواتهم وملذاتهم الهابطة في وقت يطالبون فيه بالتقشف بحجّة العجز في الميزانية، وفي غير هذه الحالة فإنّ ما حصل ويحصل كافٍ لفضح "هيئة كبار العلماء" التي ينبغي أن تضطلع بمسؤوليات دينية وأخلاقية لاحصر لها في مقدمتها (إنّ الله أخذ على العلماء أن لايقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم)، والحديث النبويّ الشريف لازال مدويّاً (مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيِّر عليه بقول ولا فعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله).
ارسال التعليق