السعودية تدعم المتشوقين لإعادة ديكتاتورية زين العابدين لتونس
قبل أيام قليلة من احتفال التونسيين بالذكرى الثامنة للثورة التونسية، ظهر الرئيس التونسي الهارب، زين العابدين بن علي، في مجموعة من الصور توثّق احتفاله وعائلته بعقد قران ابنته نسرين، على مغنّي الراب التونسي «كا دو ريم». الصور التي نشرها الزوجان، وتداولتها وسائل الإعلام ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، كشفت التأثير الواضح لتقدّم السن على بن علي، كما أعادت إحياء جراح لم تلتئم بعد إلى اليوم، تسبّب بها «نظام السابع من نوفمبر» (ذكرى وصول ابن علي إلى الحكم عام 1987)، لملايين التونسيين الذين رفعوا ذات شتاء شعار «خبز وماء وبن علي لا» للتعبير عن رفضهم لاستمرار الأخير في حكم البلاد. وفي 17 من ديسمبر 2010، أضرم شاب تونسي يُدعى محمد البوعزيزي النار في جسده؛ احتجاجاً على مصادرة جهاز الشرطة عربة الخضر والغلال التي كان يقتات منها، وسط مدينة سيدي بوزيد (وسط)، ما تسبّب في اندلاع احتجاجات شعبية في عدد من مناطق البلاد، سرعان ما وصل لهيبها إلى العاصمة، التي شهدت خروج أكبر مظاهرة رافضة لحكم ابن علي، في 14 من يناير 2011، أمام وزارة الداخلية التونسية.
الجميع رفضه والسعوديون استقبلوه
وقبل ساعات من حلول ليل 14 من يناير 2011، ارتأى الرئيس الهروب من البلاد برفقة أفراد عائلته، لتمكث طائرته ساعات طوالاً محلّقة في أجواء عدد من الدول العربية التي رفضت استقباله، قبل أن يجد في المملكة العربية السعودية ضالّته، مستقبلة إياه رغم تسبّبه بمقتل وإصابة مئات التونسيين المحتجّين على ديكتاتوريته. ومنذ ذلك الحين ظلّ ابن علي متخفّياً عن الأنظار، بعد أن رفض الوزير الأول في ذلك الوقت، محمد الغنوشي، عودته؛ خوفاً من إسالة مزيد من الدماء، في وقت نظّم عدد كبير من التونسيين وقفات احتجاجية أمام السفارة السعودية بالعاصمة للمطالبة بتسليم ابن علي. ورغم تلك الوقفات الاحتجاجية ومذكّرات الجلب الدولية التي أصدرها القضاء التونسي، بموجب أحكام بالسجن صادرة بحقه، ظلّ ابن علي متمتّعاً بحياته العادية في السعودية، وسط حماية ملكية على أعلى مستوى، تمنع أيّاً كان من الاقتراب منه أو إزعاجه هو وعائلته. ولم تكتفِ المملكة باستضافة ابن علي وتوفير الحماية له فحسب، بل بذلت مساعي متواصلة لم تنقطع إلى يومنا هذا لدعم الثورة المضادّة وإفشال الانتقال الديمقراطي في البلاد؛ من خلال دعمها عدداً من الأحزاب المتشوّقة لإعادة أمجاد الديكتاتورية، بقيادة عدد من رموز التجمّع الدستوري الديمقراطي (الحزب الحاكم في عهد ابن علي).
ابن علي ليس الوحيد
ولم يكن ابن علي الرئيس العربي الوحيد الذي استضافته السعودية مع انطلاق ثورات الربيع العربي، فالرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، ونائبه عبد ربه منصور هادي، الذي حلّ مكانه، كانا هما الآخران ضيوفاً على القيادة السعودية، التي وفّرت لهما المكان والأمان بعد هروبهما من بلادهما. وخلال العقود الأخيرة استضافت المملكة عدداً من المسؤولين والرؤساء الذين انتهت أدوارهم السياسية؛ على غرار الإمام اليمني محمد البدر (1926-1996)، الذي أطاح به انقلاب عسكري عام 1962. كما استضافت الرئيس الأوغندي، عيدي أمين (1971-1979)، الذي توّج نفسه رئيساً مدى الحياة، قبل أن يطيح به انقلاب عسكري عام 1979، أجبره على الفرار والإقامة في جدة، حتى وفاته عام 2003، إضافة إلى رئيسة وزراء بنجلاديش، خالدة ضياء (من 1991 إلى 1996 ومن 2001 إلى 2006)، ورئيس وزراء باكستان، نواز شريف، بعد ساعات من انقلاب عسكري قاده الجنرال برويز مشرف، الذي استضافته المملكة هو الآخر بعد الإطاحة به. ولقي مشرف المعاملة نفسها التي لقيها نواز شريف، الذي يكاد يكون السياسي الوحيد الذي خرج حياً من المملكة إلى بلده، عام 2007، ليعود إلى السلطة، خلافاً لآخرين قضوا ما تبقى من أعمارهم في المملكة ودفنوا فيها.
ارسال التعليق