مؤتمر وارسو: تناقضات وأبعاد
بقلم: شفيق ناظم الغبرا
مؤتمر وارسو، المنعقد في 13 و14 شباط/فبراير 2019، والذي جمع دولاً عربية شتى مع إسرائيل والولايات المتحدة، لم يكن سوى استمرار لنمط من المؤتمرات التي لا تؤدي لحلول ولا توصل لنتائج، فالبيئة الدولية التي ترتبط بهذا المؤتمر متخمة بصراع الأقطاب المختلفة. وبينما كان مؤتمر وارسو ينعقد كانت روسيا تعقد لقاء آخر على مستوى القمة بين الرئيس الروسي والتركي والإيراني.
لم يشهد مؤتمر وارسو مشاركة الفلسطينيين ولا الأوروبيين ولا الصين وروسيا، وطبعاً بغياب إيران وتركيا كان مفرغاً من الزخم والقيمة. ويمكن القول بأن أكبر إساءة لمؤتمر وارسو في أعين الشعوب العربية والإسلامية هو ذلك التعظيم الذي شهده المؤتمر لمكانة نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم يغير حتى اليوم أياً من سياسات الاستيطان والتهويد في فلسطين والقدس، وهو مستمر بسياسة الاحتلال، وهو لم يغير أياً من سياساته تجاه العالم العربي. وبطبيعة الحال مؤتمر وارسو لم يكن بالتالي بين أطراف متساوية، فقد فرض هذا المؤتمر على إقليم يعاني من الحروب والخوف من الآخر.
الإدارة الأمريكية الداعية لهذا المؤتمر هي واحدة من أكثر الإدارات الأمريكية تطرفاً. فهذه إدارة متطرفة في العلاقة مع المكسيك حول الجدار، ومتطرفة مع كندا وأوروبا والناتو حول السياسة والمال، ومتطرفة في انسحابها من اليونسكو بفضل عضوية فلسطين في 2018، ومتطرفة بسبب قوة اليمين المسيحي وممثلها نائب الرئيس، ومتطرفة بسبب جاريد كوشنر الملتزم بالصهيونية على أرضية دينية، إنها إدارة متطرفة بسبب عدائها العنصري للعالم الإسلامي والعربي، ونقلها للسفارة الأمريكية للقدس، وتجاوزها للشرعية الدولية التي تعبر عنها الأمم المتحدة.
إن تطرف هذه الإدارة جعلها تعين أليوت أبرامز، المتهم بالتغطية على جرائم حرب في السلفادور 1981، ضمن فريقها كمبعوث البيت الأبيض للسلفادور. لم تعرف إدارة أمريكية في السابق هذا الحشد من الشخصيات المستقيلة والشخصيات الملاحقة قضائياً.
هناك فرضيتان للقاء وارسو. الأولى مرتبطة بالتطبيع وما سمي بصفقة القرن. لكن الواضح أنه لا يوجد صفقة قرن، فالهدف الحقيقي استغلال ثروات المنطقة وإسقاط الدول العربية بنمط التحكم من خلال الوكيل الإسرائيلي وخدماته الأمنية.
ولا يخفى أن الولايات المتحدة تبحث عن مزيد من العقود وبيع السلاح وحروب جديدة لا تتورط فيها بشكل مباشر. ليس غريباً أو سراً أن مؤتمر الرياض مع ترامب انتهى بحصار قطر، وأن مؤتمر وارسو قد ينتهي بمزيد من التوتر مع إيران.
في تعامل إدارة ترامب تحقير مقصود. هذا التحقير واضح عبر تصريحات ترامب حول الأموال العربية واستعادتها وحول إسرائيل وعظمتها. في سياسات ترامب يملك العرب كنوزاً يمكن مصادرتها ومالاً يمكن نقله، وتبعية تسمح بجرهم لمحاربة أنفسهم عبر حروب عبثية ونزاعات مفتوحة.
إن الفرضية الثانية تنطلق من أن المؤتمر عقد من أجل حصار إيران. إن واحدة من أسوأ الفرضيات الأمريكية الراهنة هي تلك التي تنطلق من أن حصار إيران سيغير من سلوكها. لكن بالتحليل يمكن التأكيد بأن حصار إيران من قبل الولايات المتحدة وفرض العقوبات عليها لن يغير من سياساتها في العراق ولبنان واليمن، لكنه سيؤذي الشعب الإيراني، إن الحصار سيقوي التيار الأكثر تشدداً في ايران، ويدفع إيران لتعميق التحالف مع الصين وروسيا إضافة لتركيا. بسبب الدور الأمريكي والإسرائيلي، ستكبر المشكلة مع إيران دون توفر حلول لها.
والواضح بنفس الوقت أن الخليج الذي حضر لقاء وارسو ليس متفقاً على حصار إيران والتصعيد معها تحت قيادة أمريكية إسرائيلية؛ فالكويت- على سبيل المثال- لديها تصور مختلف يتقاطع مع تصورات كل من الدوحة وعُمان حول عدم التصعيد مع إيران، والكويت لديها موقف مختلف تجاه التطبيع أعلنته مراراً قبل المؤتمر وبعده.
وقطر والكويت لديهما مواقف واضحة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني. بل وحتى الوثيقة الإسرائيلية المسربة عن التطبيع أوضحت بأن أغلب هذه الدول الحاضرة لم تغير رسمياً ثوابتها من ضرورة تنازلات جوهرية للفلسطينيين قبل الإقدام على التطبيع.
وهذا يعني وجود تناقضات جمة فيما يسعى إليه ترامب وبينس. إن الخطر على الدول العربية، خاصة تلك التي نسجت علاقات أمنية وتجارية خارج الأطر المعلنة مع إسرائيل، أنها ستؤدي لوقوع أجهزتها ومؤسساتها في قبضة الاختراقات الإسرائيلية.
الكثير من قادة العرب المتورطين بقوة مع نتنياهو بالتحديد قلما يعون مدى تأثير القضية الفلسطينية على شعوبهم، وقلما يعون مدى خطورة التحالف مع نتنياهو من أجل التصدي لإيران.
وعندما يتفاخر نائب الرئيس الأمريكي بينس، في كلمته في المؤتمر، بأن دولاً عربية تكسر الخبز مع نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي لا ينتبه بينس بأن هذا يقدم لإيران هدايا سياسية، وعندما تسرب إسرائيل كلمات لوزير عربي يعرب عن تفهمه لقيام إسرائيل بتوجيه ضربات جوية في سوريا بصفته دفاعاً عن النفس. إن الوضع العربي نفسه متفجر وفيه الكثير من التناقضات الداخلية والذاتية وهذا السياسات تضيف على تناقضاته وتدفعه للحافة.
في مرحلة غزو صدام للكويت عام 1990، سعت الدبلوماسية الأمريكية لعزل أي مشاركة إسرائيلية في الحرب؛ وذلك تلبية لمواقف العرب وحساسية الشعوب. في ذلك الزمن احترمت الإدارة الأمريكية بعضاً من الثوابت العربية وجانباً من القانون الدولي، وقد طبقت الولايات المتحدة نفس الأمر عندما قامت بالدعوة لمؤتمر مدريد في خريف 1991، فقد وجهت الدعوة لكل الأطراف بلا استثناء، وعندما جاء ممثلو العرب لمؤتمر مدريد تحدثوا بلغتهم، في حينها اتهم فاروق الشرع رئيس الوزراء الإسرائيلي شامير بالإرهاب، وأوضح الوفد الفلسطيني حقائق الاحتلال في فلسطين، وأصر على الحق في إقامة دولة فلسطينية.
في تعامل إدارة ترامب تحقير مقصود. هذا التحقير واضح عبر تصريحات ترامب حول الأموال العربية واستعادتها وحول إسرائيل وعظمتها. في سياسات ترامب يملك العرب كنوزاً يمكن مصادرتها ومالاً يمكن نقله، وتبعية تسمح بجرهم لمحاربة أنفسهم عبر حروب عبثية ونزاعات مفتوحة.
إن المقاومة الحقيقية لهذه الحالة هو بالامتناع عن التورط فيها وعدم مسايرتها. هذه ظروف كاشفة للوضع العربي وهزالته ستؤسس لمقاومة الشعوب لحالة التهميش والتحكم.
ارسال التعليق