مُستشرِق إسرائيليّ: نتنياهو أكبر مُدافعٍ عن السعوديّة
أعدّت صحيفة (هآرتس) العبريّة ملّفًا خاصًّا عن العلاقات الإسرائيليّة مع الدول العربيّة، أوْ بكلماتٍ أخرى عن التطبيع الجاريّ بين عددٍ من هذه الدول وبين كيان الاحتلال، مُشدّدّة في تحليلاتها، التي شارك فيها إعدادها كوكبة من المُحللّين الذي يُعتبرون مُتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، وبطبيعة الحال، كان التركيز في المّف الذكور على العلاقات الثنائيّة بين الدولة العبريّة وبين السعوديّة، التي اعتبرتها الصحيفة زعيمة العالم العربيّ وقائدة العالم الإسلاميّ السُنيّ، بحسب تعبيرها.
وبحسب المُستشرِق د. تسفي بارئيل، الذي قام بالإشراف على الملّف، بصفته مُحلّل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة العبريّة، فإنّ تلاقي وتماشي المصالح، المعروفة بالعلاقات الإسرائيليّة السعوديّة يُعتبر أحد أهّم المحاوِر في الشرق الأوسط، حتى لو كان أقلّها أهمية، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ هذه علاقة حساسّة: من جهة، فإنّ العدوّ المُشترك، إيران، يجمع الطرفين معًا، ولكن من الناحية الأخرى، تُقدِّم السعوديّة نفسها كزعيمةٍ للوطن العربيّ، مؤكّدًا أيضًا على أنّ الحالة الصعبة للفلسطينيين لا تسمح لها، أيْ للسعوديّة، بعرض موقفٍ وُديٍّ تجاه إسرائيل علانية، على حدّ قوله.
ورأى بارئيل أنّ العلاقة بين البلدين تعتمِد على المصالح الأمنيّة والتجاريّة المتشابكة، مُشيرًا إلى أنّه بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، يُقدِّم السعوديون مرساة مهمة في تحركّات الولايات المتحدة لعزل النظام في طهران، بحيث أصبح نتنياهو أحد القادة القلائل الذين يُدافِعون عن السعودية علانيّةً في قضية اغتيال الصحافيّ جمال خاشقجي.
وأردف أنّه في سياق قضية خاشقجي، هناك سبب آخر لموقف نتنياهو، مُوضحًا أنّ إسرائيل مثل أمريكا، تشعر بالقلق لأنّ إزالة ولي العهد، محمد بن سلمان، في أعقاب الاغتيال سيؤدّي إلى سقوط النظام، مُضيفًا أنّه في العام 1991، غمر انهيار نظام القذافي في ليبيا الشرق الأوسط بكمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحة التي نُهبت من مستودعات الدكتاتور، وحصلت السعوديّة على أنظمة أسلحةٍ متطورّةٍ من واشنطن لسنواتٍ عديدةٍ، وبأيدٍ خاطئة، وستُهدد هذه الأنظمة إسرائيل أيضًا.
ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأجنبيّة، تنعكس العلاقات أيضًا في بعض التنسيق الاستخباراتي، إذْ ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) أنّ رئيس الموساد يوسي كوهين التقى عدّة مرّات مسؤولين سعوديين، وأنّ الكيان والسعودية والإمارات تتقاسم حاليًا معلومات استخباراتيّة حول التهديدات الأمنيّة المتعلقة بإيران، وفي بعض الحالات، هناك أيضًا تنسيق سياسيّ، كما ورد فيما يتعلّق بتبادل السيطرة المصريّة على جزيرتي صنافير وطيران في البحر الأحمر.
وكشف بارئيل النقاب عن أنّه في العام 2002، أصاب هجوم قراصنة 30000 جهاز كمبيوتر تابع لشركة النفط الوطنية التابعة لشركة “أرامكو” السعوديّة، حيثُ نُسِب الهجوم لإيران، وعقب هذا الحادث، اتصلّت السعوديّة بشركات الإنترنت الإسرائيليّة، مُوضحًا أنّه منذ ذلك الحين، كانت هناك تقارير عن وجود علاقاتٍ إلكترونيّةٍ بين البلدين، خاصّةً وأنّ بن سلمان أصبح أقوى رجل في المملكة، كما أنّه وفقًا لوسائل الإعلام الأجنبيّة، بدأت السعودية مؤخرًا في إصدار تصاريح دخول خاصّةٍ لرجال الأعمال الإسرائيليين بدخول أراضيها دون تقديم جواز سفر وتشجيع مثل هذه الاتصالات بين البلدين، كما أكّد بارئيل.
وشدّدّ بارئيل على أنّ صحيفة (وول ستريت جورنال) شدّدّت على أنّ اثنين من المسؤولين السعوديين اللذين لعبا أدوارًا رئيسية في علاقات المملكة مع إسرائيل فقدا وظائفهما بشكلٍ غيرُ متوقّعٍ، حيثُ طالب المجتمع الدوليّ بتقديم المسؤولين عن مقتل خاشقجي إلى العدالة، وكان من بين أوّل مَنْ تمّ التعرف عليهم: مستشار ولي العهد السعوديّ سعود القحطاني ونائب رئيس الاستخبارات أحمد العسيري.
ورأى المُستشرِق الإسرائيليّ في سياق تحليله على أنّه كان لقضية الصحافي خاشقجي تأثير آخر، ونقلت الصحيفة عن مسؤولٍ سعوديٍّ بارزٍ قوله إنّ الموقف بارد تمامًا بعد مقتل خاشقجي، وأوضح المسؤول نفسه أنّ المملكة تخشى مِنْ أنْ تؤدّي تقارير التقارب بين البلدين، أيْ إسرائيل والسعوديّة، إلى ردّ فعلٍ عنيفٍ وحادٍّ في الوطن العربيّ، وأنّه في الديوان الملكيّ السعوديّ يُريدون تجنّب أزمةً أخرى، كما قال د. بارئيل.
وخلُص المُستشرِق الإسرائيليّ إلى القول إنّه في هذه الفترة بالذات، يعتمد مستقبل العلاقات بين إسرائيل والسعودية إلى حدٍّ كبيرٍ على قدرة بن سلمان في الحفاظ على سلطته، وإذا نجح وليّ العهد في استعادة منصبه، فمن المُرجَّح أنْ يُشجِّع الإصلاحات والتحركّات المثيرة للجدل في المملكة، بما في ذلك الاتصالات مع إسرائيل، على حدّ تعبيره.
ارسال التعليق