مدفوعة بالصلح.. هل تطرح دول الخليج مبادرة جديدة لحل أزمة اليمن؟
التغيير
يعد اليمن بمنزلة البوابة الجنوبية الغربية لمجلس التعاون الخليجي، فيما تُعد دول الخليج العمق الاستراتيجي لليمن والضامن للاستقرار والاستمرار الاقتصادي، وهو ما جعل تدخلاتها في اليمن حاضرة منذ ستينيات القرن الماضي.
ولعل موقع اليمن الاستراتيجي الحيوي، وتجاوره مع منطقة الخليج من جهة، وتدهور الأوضاع الداخلية من جهة أخرى، يجعل الأزمات والنزاعات اليمنية الداخلية تؤثر مباشرة في الأوضاع في الجوار الخليجي، والعكس صحيح.
ودفعت أحداث 2011 المرتبطة بثورة الشباب السلمية التي جاءت ضمن ثورات شهدها الوطن العربي، دول الخليج للتدخل بمبادرة أنهت بموجبها حكم الرئيس السابق، وجاءت بالرئيس الحالي، إلا أن بنودها توقفت عقب طرد هادي من صنعاء، وصولاً إلى تدخل التحالف بقيادة المملكة وما تلاه من أزمة خليجية كبيرة.
مبادرة 2011
مثلت المبادرة الخليجية التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي عام 2011 عقب اندلاع الثورة الشعبية وسقوط نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، طريقاً لإنهاء الصراع والتوتر في اليمن.
المبادرة حظيت بتأييد من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وتشكل لأجلها العديد من الجهات المشرفة على تنفيذها؛ أبرزها ما عرف لاحقاً بالدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، كما أن تخصيص مبعوث أممي إلى اليمن جاء في البداية للإشراف على تنفيذ تلك المبادرة.
كانت المبادرة الخليجية عندما طرحت حلاً مناسباً في نظر البعض، إذ إنها تلبي مطلب الثوار المطالبين بتغيير النظام، وتحفظ القوى اليمنية من الانخراط في الصراع الدموي، كما تضمن وجود عملية انتقال سلس للسلطة برضا مختلف الأطراف اليمنية.
تضمنت المبادرة تفاصيل عديدة لعملية التنفيذ، وألحقت بها آلية لتنفيذها، ورغم التباطؤ في التوقيع عليها من قبل الرئيس الراحل فإنه وقع عليها أخيراً في العاصمة الرياض، في 23 نوفمبر 2011، وكانت أولى مراحل تنفيذها تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في الثالث من يناير 2012، برئاسة محمد سالم باسندوة، ثم أعقبها انتخابات توافقية فاز بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، في الـ21 من فبراير 2012.
وبموجب المبادرة خاض اليمنيون ماراثوناً لمدة عام فيما عرف بمؤتمر الحوار الوطني، خلال العام 2013، والذي خرج بوثيقة متكاملة للوضع في اليمن، وجرى الانقلاب عليها لاحقاً.
المصالحة الخليجية
يعتقد اليمنيون أن الخلاف الخليجي ربما ساهم في إطالة أمد الحرب، وأثر على الحياة السياسية والأمنية في البلاد، في وقتٍ يُعد فيه ملف الاقتصاد والإغاثة هو التحدي الأكبر أمام الحكومة اليمنية الجديدة المنهكة بالحرب.
وتسببت الأزمة الخليجية في تجميد قطر للكثير من تدخلاتها الإغاثية والإيوائية والإعمارية، بعدما انضم اليمن في حينها إلى الدول المقاطعة لقطر، بعدما كانت الدوحة ضمن التحالف الذي تقوده المملكة قبل خروجها منه بسبب تلك الأزمة.
وكانت علاقة اليمن بدولة قطر قد شهدت عقب رحيل نظام صالح من الحكم انتعاشاً ملحوظاً، ودعمت الدوحة اليمن بمشاريع تنموية، كما دعمت الاقتصاد الوطني من خلال العديد من المشاريع الإنمائية والصحية، في البلد الذي يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وربما يلقي إعلان المصالحة الخليجية بظلاله على الأوضاع في اليمن، ولا سيما أن نار الخلاف امتدت إليه، كونه حلبة الصراع في سلسلة الأزمات التي تشهدها دول الخليج ، وهو ما يدفع للتفاؤل لدى اليمنيين بتحرك خليجي لإنهاء الحرب.
ومساء 11 يناير 2020، بحث نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث، مستجدات الشأن اليمني، في إطار تحركاته لحل الأزمة الراهنة وإيقاف الحرب.
وقال خالد بن سلمان في تغريدة عبر حسابه على "تويتر": "حرص المملكة على التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن وفق المرجعيات الثلاث يحقق الأمن والاستقرار لليمن وشعبه ويحافظ على أمن المنطقة".
والمرجعيات الثلاث هي مخرجات كل من مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، والمبادرة الخليجية، وقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن.
دور فاعل باليمن
يقول أستاذ الإعلام في جامعة قطر، د. عبد الرحمن الشامي، إن دول الخليج لها دور فاعل ومؤثر في اليمن طوال العقود السابقة، وذلك على الصعيد التنموي والسياسي وغيره، "وإن تم ذلك على نحو متفاوت بين هذه الدول لاعتبارات عديدة".
وتطرق الشامي إلى المبادرة الخليجية في عام 2011، التي قال: إنها تعد "من أهم الأنشطة الدبلوماسية التي قامت بها دول الخليج في أعقد الصراعات التي عرفتها اليمن في تاريخها المعاصر".
وفي حديثه لـ"التغيير" يرى "الشامي" أن التئام البيت الخليجي مؤخراً، بعد قطيعة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، "يجدد الآمال في أن تؤدي دول الخليج مجتمعة دوراً فاعلاً في إنهاء الحرب المدمرة في اليمن والدائرة منذ أكثر من ست سنوات".
وأضاف: "هذا التدخل يمكن أن يتم من خلال الدفع بالمبادرة الخليجية السابقة وآليتها التنفيذية، أو من خلال إجراء تعديل على هذه الاتفاقية بما يتناسب والمستجدات التي رافقت هذا الصراع، وبما يفضي إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة للإنسان والبنيان في اليمن".
ويؤكد أن المبادرة الخليجية "هي إحدى المرجعيات الأساسية التي يعترف بها العالم لحل الصراع الدائر في اليمن، وبعد كل هذه السنوات تدرك القوى المتصارعة اليمنية استحالة الحسم العسكري لهذه الحرب".
وأردف قائلاً: "كل القوى ترغب في الوصول إلى تسوية سلمية، لكن السؤال هو: أي نوع من التسويات؟".
وتابع: "هنا يأتي دور دول الخليج في الدفع نحو تسوية تجبر جميع الأطراف اليمنية على قبولها، ومن المؤكد أن أي مبادرة من هذا النوع ستلقى دعماً من المجتمع الدولي الذي يرغب في إنهاء الحرب، ولكنه لا يبدو قادراً على الإمساك بخيوط الحل".
وخلص إلى أن "هذه الخيوط بيد القوى الإقليمية، ودول الخليج مجتمعة هي أبرز هذه القوى".
الدور الخليجي
لا يمكن الحديث عن دور دولي في اليمن بمعزل عن دول الخليج، وفي الوقت ذاته لا يمكن أيضاً الحديث عن وساطة خليجية في اليمن بمعزل عن دور الفاعلين الدوليين، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ويصر الغرب على محورية الدور الخليجي في اليمن، حيث إن اليمن يمثل بالنسبة لدول الخليج، وخصوصاً للمملكة، الحديقة الخلفية، كما يرون أن الخليجيين وحدهم من يملك الموارد المطلوبة لمنع اليمن من الانزلاق إلى سيناريوهات غير مرغوب فيها، وهم وحدهم من سيتحمل فاتورة التكاليف في حال خرجت الأمور عن السيطرة.
كما يعكس الفراغ الأمني في اليمن مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من فقد السيطرة على مضيق هرمز وخليج عدن ومضيق باب المندب، وتحولها لمخاطر العمليات الإرهابية من القرصنة البحرية، وهو ما لجأت للسيطرة عليه منذ بدء الحرب، في مارس 2015.
وكان للحرب الدائرة في اليمن، ومشاركة جميع دول الخليج خلال انطلاق الحرب، بقيادة المملكة، الأثر الأكبر على اقتصاد الرياض بشكل خاص، واقتصاد دول مجلس التعاون الخمس الأخرى.
ارسال التعليق