وقف في وجه سرّاق المال العام وناهبي ثروات البلاد فعوقب بالسجن.. إذا كان ابن سلمان يحارب الفساد فلماذا يعتقل محارباً شرساً كالدكتور عبدالعزيز الدخيل؟؟
التغيير
بينما يسعى ابن سلمان لتحسين صورته بكل ما أوتي من أدوات إعلامية ودبلوماسية وسياسية، في محاولة لكسب رضا الرئيس الأمريكي الجديد الذي توعده بالنبذ، فإن العشرات من النشطاء والمعارضين ومنتقدي أداء الحكومة وسياساتها التي وضعها ابن سلمان, والمفكرين والمدافعين عن حقوق الإنسان، يتعرضون للاحتجاز التعسفي والمحاكمة، بسبب مواقف بسيطة للغاية أو حتى تعبيرات مازحة على منصات التواصل الاجتماعي.
الدكتور عبد العزيز الدخيل، وكيل وزارة المالية السابق والذي لا يزال رهن الاعتقال التعسفي منذ ما يقارب الـ 9 أشهر كان احد منتقدي الحكومة وفسادها ولأن انتقاده ومحاربته للفساد اقترب من الرأس المدبرة في أعلى هرم الحكم في المملكة فقد نزل عليه الغضب.
يقول نجله عبدالحكيم أن أعظم وأخطر صور الفساد في المملكة يقوم بها محمد بن سلمان والمجموعة المحيطة به، حيث أعطى لنفسه الحق في أن يحوّل ما يشاء من دخل الدولة لحسابات تابعة له، وأن يُصادر ما يشاء من أراضي المواطنين وأموالهم وشركاتهم، وأن ينفذ مشاريع بعشرات المليارات لا يعلم أحد عن تفاصيلها أي شيء إلا هو".
يُذكر أن سلطات المملكة قامت باعتقال عبد الحكيم لمدة 6 أشهر عندما كان مسافرا إلى لندن عام 2010، وذلك للضغط على والده. وعقب خروجه من محبسه بفترة قصيرة تم اعتقال والده، ثم تم اعتقال عبد الحكيم مرة أخرى لمدة عام، وعقب خروجهما من السجن سافر الابن لفرنسا، إلا أنه تم اعتقال الأب للمرة الثانية في 2019 بذريعة تغريدة تعزية كتبها عن الشهيد د. عبدالله الحامد، في ظروف يصفها نجله بالقاسية رغم تمتعه بمكانة اجتماعية وحصانة دبلوماسية.
السيرة الذاتية
الدكتور عبد العزيز الدخيل من أوائل المواطنين الذين حصلوا على الدكتوراه في الاقتصاد وأعطته جامعتي جورج تاون والجامعة الأمريكية في بيروت لقب أستاذ زائر وعينته جامعة اكسفورد باحثا زائرا لدراسات الطاقة فضلا عن تأليف عدة كتب تعتبر مرجعا في الاقتصاد.
بعد استقالته انخرط في العمل الخاص واستعانت به مؤسسات مالية وجامعات ومراكز بحثية وأكاديمية وغالبا ما كان يدعى لإلقاء محاضرات في داخل المملكة وخارجها و يستكتب في المجلات المتخصصة في الاقتصاد والتنمية.
كان الدخيل كما أوضح نجله عبدالحكيم متحمساً لخدمة البلد حين التحق بوزارة المالية، وحين صدم بكمية الأموال التي تختفي من خزينة الدولة كان يظن أنه يستطيع أن يعالج المشكلة بالطرق النظامية داخل الوزارة وحين عجز عن ذلك لجأ للملك مباشرة ولم يدرك أن هذه الخطوة ستكون سببا في تجريده من صلاحياته فقدم استقالته... يعني أنه أدخل ثروه مالية ضخمة في الاستثمارات الدولية للوطن وكان يشهد بها جميع القائمين على مشروع الاستثمار في التجارة الدولية من الملك الي أصغر موظفيه في وزارة المالية.
بعد حصوله على الدكتوراه في منتصف السبعينات عين في وزارة المالية وترقى في مناصبها حتى وصل إلى وكيل الوزارة لشؤون الاستثمار حيث نجح في إحداث ثورة في الاستثمار للمملكة وتكوين فريق متميز لإدارة الاستثمار لكن الجو العام الفاسد كان أقوى منه ولم يتحمل هذا الجو فاستقال سنة 1980.
بعد استقالته أدرك الدخيل أن المشكلة أكبر مما كان يظن فتحاشى الدخول مع أصحاب القرار في صدام إلى أن صارت الأزمة المالية في نهاية الثمانينات واختفاء الفائض المالي وبداية ظاهرة اقتراض الدولة فكتب رسالة طويلة للملك فهد على شكل نصيحة تسربت بعدها بسنوات وتعرض للمضايقة بسبب ذلك.
حين أدرك الدخيل أن تقديم النصائح نفخ في رماد قرر التوقف عن ذلك لكنه لم يتوقف عن انتقاد الأوضاع في كل فرصة تتوفر له في ندوة أو كتابة أو حتى في المجالس العادية وبدلا من أن يؤخذ بانتقاداته ونصائحه دائما يوجه له اللوم والتقريع.
استمر الوضع هكذا إلى أن انتشرت وسائل التواصل وتشجع الناس على مستوى أكبر من النقد خاصة بعد "الربيع العربي" فدعي إلى ديوانية الدغيلبي وتكلم في محاضرة طويلة عن التنمية والاقتصاد وهذه المرة لم يكن الحديث موجها للملك بل كان موجها لكل من يمكن أن يصله كلامه.
لم تكن محاضرته في ديوانية الدغيلبي مقبولة من قبل "ولي الأمر" فتمت مداهمة المنزل واعتقاله واعتقال نجله عبدالحكيم معه ومصادرة جميع وثائقه وأوراقه وأجهزته وبعدها بأيام أطلق سراح نجله عبدالحكيم وبقي د. عبدالعزيز الدخيل في السجن سنتين كاملتين.
بعد خروج الدخيل من السجن صدر أمر بمنعه من السفر وتجميد كل حساباته وأرصدته ومنعه من التصرف بممتلكاته غير المنقولة ومع مصادرة الوثائق والأجهزة يكون حرم من استخدام ممتلكاته وحساباته في الخارج ولكن ذلك لم يُثنيه واستمر على مواقفه لكنه تحاشى الصدام المباشر إلى أن توفي الدكتور عبد الله الحامد رحمه الله فكتب يعزيه في تغريدة فاعتقلوه بسببها لكن هذه المرة جاءت في عهد ابن سلمان المعروف بسوء معاملة السجناء.
ويذكر نجله عبدالحكيم قائلاً: الاعتقال الأول صحيح أنه ظلم في ظلم وطغيان لكن على الأقل لم يتعرض لأذى جسدي ولم يمنع من الزيارة وكان على اتصال منتظم بنا، أما في الاعتقال الثاني فقد غيب تماما ولا ندري ماذا يجري له، بل تعرض الأقارب للضغط وتم التحكم ببعض حساباتهم في التويتر.
وأضاف: هنا لا أقصد تمييز الوالد عن غيره من معتقلي الرأي لكن أردت أن أعطي نموذجا في تحرك الأقارب لصالح معتقليهم، وأتمنى من أقارب المعتقلين الذين في الخارج أن يخدموا قضية قريبهم المعتقل ومن كان في الداخل على الأقل يتواصل مع الجهات التي تخدم قضايا المعتقلين وانصح بترك أسلوب التكتم مراهنة على أن السلطة ستعامل الأمر بالحسنى إذا سعى ذوي المعتقل في تهوين الأمر وتجربتنا في الاعتقال الأول ماثلة حيث تكتمنا جميعا عليه وكان ثقافة العائلة أن الحديث عن اعتقاله يكاد يكون جريمة مع الأسف الشديد.
وتابع: لا أرى نفسي مؤهلا لممارسة المعارضة لكن اعتقال الوالد للمرة الثانية جعلني اخجل من نفسي أن أقصر في حقه وأكرر نصيحتي لأقارب المعتقلين إما الحديث بأنفسهم أو إخبار الجهات الحقوقية عن وضع ذويهم المعتقلين فقضية المعتقلين واحدة للوالد وغيره.
أن المشكلة ليست في اعتقال شخص واحد وهو الوالد فك الله أسره، بل هي في اعتقال عشرات الآلاف معظمهم من النخب الذين لا يقلون عن الوالد شأنا في علمهم وفضلهم وتأثيرهم في المجتمع ونفعهم للأمة,, وما دام هذا العدد الضخم بهذا الفضل والخيرية والخدمة للبلد، و لم يرتكب أحد منهم جريمة أو مخالفة تستدعي الاستجواب البسيط فضلا عن السجن، فلماذا يعتقلون ويسجنون ثم يحكم عليهم بمدد طويلة؟ ولماذا يستخدم إعلام السلطة وقضاتها وأمنها في تشويه سمعتهم؟
وأضاف أن المنطق معكوس في بلادنا فالداعية للخير والساعي في محاربة الفساد والظلم مصيره الطبيعي هو السجن والتغييب والأذى،لأنه خطر على السلطة الظالمة الفاسدة ولأن الفاسد المخطيء يشعر دائما بالخطر أمام الصادق المخلص, فهذه السلطة الفاسدة الظالمة التي تمتلك الإعلام ووسائل التواصل وتتحكم بالقضاء وبيدها هذا الجهاز الأمني الضخم لن تتهاون في تشغيل كل ذلك ضدهم وضد من يدافع عنهم، وقد رأيت بنفسي أنهم شككوا حتى في هويتي بدلا من أن يكذبوني بإطلاق سراح الوالد.
واستكمل: أن اعتقال هذا العدد الضخم أمر متفرع لما أهم منه، وهو أن هذه السلطة تحرم الشعب ليس فقط من حقوقه المادية مثل نصيبه من المال العام وحقه في السكن والخدمات، بل تحرمه من حقوقه الإنسانية الأهم وهي الحرية والعدل وحقه في اختيار حاكمه وحقه في محاسبته, وأنني حين قلت ما أريد في مكان ليس فيه ملاحقة ولا مسائلة أحسست بلذة الحرية ونشوة الانطلاق وتمنيت أن يعجل الله بالفرج على بلادنا الحبيبه حتى نؤدي حق الله في قول كلمة الحق لا نقلق من أمن الدولة ولا نخاف جواسيس ودبابيس المباحث
وأضاف: أن شعوري بالحرية نقلي إلى حالة تضخم المسؤولية فوجدت أن من الواجب علي أن لا أكتفي بالحديث عن الوالد رغم حقه الكبير علي، بل أهتم بكل ما يجب أن أهتم به من بيان الفساد والظلم والمساهمة في دعوة الشعب للخلاص من كل ذلك و حين تضايقت من انزعاجي بسبب الحملة التي شنها الذباب للتشكيك بهويتي تذكرت التضحية التي قدمها من سبقنا من المعارضين ممن عانوا لسنين عديدة من الحملات الضخمة في تشويه سمعتهم واتهام نياتهم والتشكيك بأخلاقهم ومحاولة تسليط القوى العالمية عليهم.
دفعني اعتقال الوالد عبد العزيز الدخيل بصفته متميزا في تخصصه وخبرته إلى أن أرصد عدد المعتقلين المتميزين في تخصصاتهم وخبراتهم فتبين لي أنهم بالمئات من الذين حُرمت الأمة من عقولهم وقدراتهم وتميزهم وحل محلهم المتردية والنطيحة من الجهلة علميا والفاشلين إداريا والخائنين أمانة ومسؤولية.
رى أليس البلد مؤهلا لأن يكون في وضع مثالي لو تصدى للمناصب هؤلاء المخلصون في أداء الأمانة والمتقنون في تنفيذ المهمة؟ ترى كيف يكون حال الاقتصاد والأمن والجيش والسياسة الخارجية والتنمية والخدمات والقضاء والانسجام الاجتماعي لو كان هؤلاء في موقعهم الحقيقي؟
وحين أقول أن المتميزين بالمئات فإني لا أغفل عشرات الآلاف من المعتقلين الذين لم يتميزوا بتخصص أو خبرة ألا أنهم من أفضل أبناء الشعب أمانة وخلقا ومسؤولية وممن لو أدوا دورهم المجتمعي والوطني لساهموا في صناعة جو مبني على الأمانة والمسؤولية خالية من الفساد والظلم والأنانية والنفاق وهذا يدفعني لأن أتخيل كم هو جميل حال بلادنا لو عمت الحرية واطمأن كل فرد أنه لن يلاحق ولا يعتقل إلا بمبرر شرعي صادر من قضاء مستقل، وكم كانت العقول والمواهب والقدرات ستنتج لو كان المنطلق هو كرامة الإنسان التي ضمنتها الشريعة والعدالة التي ترتفع بها الأمم.
إذا أردنا أن نحول هذه الأماني والخيالات الجميلة إلى واقع فعلينا أن لا نكسل عن السعي لإطلاق المعتقلين بكل وسيلة مشروعة وأعتقد أن هذا سيكون من أهم أسباب إنقاذ الأمة من المخاطر ودفعها لنهضة كبيرة وتنمية ناجحة وتفوق بين الأمم.
وهذه أراء المعتقل د. عبدالعزيز الدخيل في مقابلات عدة يوجه فيها انتقادات في اداء الجهات المختلفة في الحكومة:
باختصار, لا يمكن ان يكون ابن سلمان يحارب الفساد في البلاد ويعتقل رجلاً يحارب الفساد بشراسة كما كان يفعل د. عبدالعزيز الدخيل إلا اذا كان ابن سلمان نفسه شيخ الفاسدين ويروّج لحملته ضد الفساد للتغطية على فساده و نهبه لثروات البلاد وإلا فإن رجلاً مثل د. الدخيل عند أصحاب الحكم الرشيد و قطعاً ليس من بينهم حكّام آل سعود ما كان ليزج به في السجن وكان رئيساً للوزراء يوجههم ويقودهم لما فيه خير البلاد والعباد و لكن ماذا نفعل مع سلسلة قذرة من الملوك تعاقبت على حكم الجزيرة العربية كان همها الأوحد سرقة ونهب الثروات بينما شريحة واسعة الشعب لا يدخل ضمنها المتملقون والفاسدون يعانون الأمرّين ويرزحون تحت معاناة وثقل الفقر في بلد ينبع الذهب الاسود في أرضه أكثر من الماء .
ارسال التعليق