السعودية في ظل ابن سلمان.. من يخاف من الأميرة بسمة
التغيير
في مقال له بصحيفة "taz" الألمانية قال المحلل السياسي الألماني "يانيس هاجمان" أن محمد بن سلمان فقد أهم المدافعين عنه حين خسر ترامب الرئاسة الأمريكية، فاستفاد معارضوه من الوضع الجديد لتشكيل جبهة ضد حكام الرياض، وها هو محمد بن سلمان قد بات مهدَّدًا بتجدد تفاقم الغضب العالمي منه إذا تبيَّن أن الأميرة بسمة وابنتها معتقلتان سياسيتان.
كانت الأوضاع تسير بشكل أفضل بالنسبة لمحمد بن سلمان. فمنذ تغيير الرئيس الأمريكي ترامب، صار لا يمضي أسبوعٌ واحدٌ تقريبًا من دون نشر عناوين إعلامية سلبية حول محمد بن سلمان، الذي يبلغ عمره خمسة وثلاثين عامًا "2021" ويُدير شؤون الحكم في الرياض. فقد نشر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن بمجرَّد توليه منصبه تقريرًا استخباراتيًا يُحمِّل محمد بن سلمان المسؤولية عن قتل المعارض جمال خاشقجي. وبعد أيَّام فقط، قدَّم فرع منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية في ألمانيا شكوى جنائية إلى المدَّعي العام الاتِّحادي الألماني ضدَّ محمد بن سلمان بتهمة ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية.
وها هو محمد بن سلمان قد أصبح مهدَّدًا بتجدد تفاقم الغضب في حال تبيَّن أنَّ الأميرة بسمة وابنتها محتجزتان. لقد شجَّع سقوط ترامب في الانتخابات مساندي الأميرة وابنتها على التوجُّه إلى الرأي العام. وتثير قضية اختفاء الأميرة وابنتها الاهتمام خاصة في بريطانيا. يقول المستشار القانوني والسياسي للأميرة بسمة وابنتها، هنري إسترامانت، الذي يطالب الآن لندن وواشنطن بالتدخُّل: "تم اختطافهما بجدة في شهر آذار/مارس 2019. وهما محتجزتان منذ ذلك الحين بشكل تعسُّفي في سجن شديد الحراسة مخصَّص للإرهابيين". ويضيف أنَّ الأميرة "معتقلة سياسية".
وبسمة بنت سعود بن عبد العزيز آل سعود هي واحدة من بين أكثر من مائة من أبناء وبنات الملك سعود، الذي حكم المملكة حتى عام 1964. والأميرة البالغ عمرها اليوم "2021" ثمانية وخمسين عامًا، كانت قد عادت قبل فترة من احتجازها إلى المملكة قادمةً من لندن، ولكنها كانت قد استمرت أيضًا في قضاء الكثير من الوقت في الخارج.
ويصف هنري إسترامانت موقفها السياسي بقوله: "الأميرة بسمة كانت تُعبِّر عن رأيها بكلِّ صراحة. هي ليست ضدَّ نظام الحكم في المملكة، ولكنها انتقدت أشياء محدَّدة تتجاوز بحسب رأيها حدود الكرامة الإنسانية".
ويوجد مثلًا حوار أجرته قناة بي بي سي مع الأميرة بسمة ويعود إلى فترة وجودها في لندن. وقد دعت الأميرة في هذا الحوار إلى تحويل المملكة إلى ملكية دستورية وإرساء حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة في الدستور. وهي تنظر أيضًا بانتقاد إلى حرب المملكة في اليمن، مثلما يقول هنري إسترامانت.
لقد شاع خبر اعتقال بسمة في العام الماضي 2020. ومنذ ذلك الحين تتبَّعت وسائل الإعلام البريطانية ما حدث في شهر شباط/فبراير 2019 - بعد أشهر قليلة من تقطيع جثة خاشقجي في إسطنبول. ويظهر حتى في مقطع فيديو مراقبة مُسرَّب كيف كان ينتظر الأميرةَ رجالٌ مسلحون في الڤيلا -التي تسكن فيها- قبل اعتقالها. كانت الأميرة بسمة تريد في الواقع السفر إلى سويسرا من أجل العلاج، ولكن بدلًا من ذلك انتهى بها المطاف مع ابنتها سهود الشريف في سجن الحائر بالرياض.
صراع داخلي على السلطة
وبسمة ليست الفرد الوحيد الذي يقبع في السجن من أفراد الأسرة المالكة ذات الفروع المتشعِّبة. وحول ذلك يقول آدم كوغل من منظمة العفو الدولية إنَّه لا يملك رقمًا دقيقًا، ولكنه يُقدِّر عددهم بما لا يقل عن اثني عشر شخصًا. والأمير الأبرز الموجود وراء القضبان هو محمد بن نايف، الذي كان من المفترض أن يصبح هو نفسه في منصب ولاية العهد قبل أن يجعل محمدٌ بن سلمانَ والده يضعه في عام 2017 في المرتبة الأولى من ترتيب ولاية العرش.
وليس سرًّا أنَّ الكثيرين في واشنطن ما زالوا يُفضِّلون حتى يومنا هذا رؤية الأمير محمد بن نايف على عرش السلطة في الرياض. ولكن الوضع لا يبدو كذلك: فقد أمر محمد بن سلمان العام الماضي 2020 باعتقال محمد بن نايف بتهمة الانقلاب والخيانة. بينما تم الإفراج عن أمراء آخرين كان محمد بن سلمان احتجزهم في فندق ريتز كارلتون بالرياض عام 2017، ولكن منذ ذلك الحين لم يَعُد يُسمع أي شيء من كثيرين منهم.
من الواضح أنَّ هذا الصراع على السلطة يلعب دورًا في حالة الأميرة بسمة أيضًا. فقد قال شخص مقرَّب من الأميرة لموقع قنطرة وطلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية: "تجتمع هنا أشياء مختلفة"، بسمة لديها "اتِّصال وثيق وعلاقة جيِّدة مع محمد بن نايف". وأضاف المصدر أنَّ محمد بن سلمان وأتباعه كانوا "ينظرون إليها بوضوح على أنَّها تهديد". وبالإضافة إلى ذلك كان يوجد خلاف -بحسب تعبيره- على وِرْثة والدها؛ وأخيرًا فهي غير مُريحة، كونها تنحدر من فرع آخر من أسرة آل سعود وتُعَبِّر عن رأيها بانتقاد ولها اتِّصالات دولية.
وترى أيضًا المعارضة مضاوي الرشيد، وهي أستاذة لعلم الإنثروبولوجيا الاجتماعي في كلية لندن للاقتصاد، أنَّ السبب الأخير هو الدافع الرئيسي لاعتقال الأميرة بسمة. وتقول: "هذه معركة بين أمراء وأميرات. فبعض الأميرات غير المشكوك في ولائهن لمحمد بن سلمان، تتم ترقيتهن وجعلهن سفيرات، بينما يتم استهداف الأميرات الأخريات اللواتي لا تتَّفق آراؤهن مع الخط الرسمي". وبالنسبة لمضاوي الرشيد، فإنَّ هذا دليل يشير إلى انهيار النظام؛ وبحسب تعبيرها فقد بدأت الدائرة الداخلية في القضاء على نفسها.
لم يُسمع أي شيء عن بسمة منذ العام الماضي 2020. في حين نفت ممثلية المملكة لدى الأمم المتَّحدة في الماضي اختطاف بسمة وسهود واحتجازهما من دون اتِّهام وزعمت أنَّهما معتقلتان بسبب أعمال إجرامية، مضيفةً أنَّ بسمة قد حاولت مغادرة البلاد بشكل غير قانوني، وأنَّ سهود قد هاجمت موظفًا حكوميًا - وهذه اتِّهامات لا يريد هنري إسترامانت تركها من دون أن يدحضها بقوله: لا يمكن بموجب القانون احتجاز أي شخص لمدة تزيد عن مائة وثمانين يومًا من دون اتهام، لهذا السبب وحده يجب أن يكون قد تم إطلاق سراحهما منذ وقت طويل.
والآن، يُراهن الشخص المُقرَّب من الأميرة بسمة -الذي لا يريد الكشف عن هويته- على أن تستعيد مسألة حقوق الإنسان أهميَّتها في عهد بايدن. ويقول إنَّ مؤيِّدي الأميرة بسمة أجروا اتِّصالات مع واشنطن حتى في عهد ترامب، ولكن لم يتغيَّر أي شيء: "آمل الآن أن يكون قد تم إخلاء سبيلهما بحلول شهر رمضان". علمًا بأنَّ شهر الصيام يبدأ هذا العام في منتصف شهر نيسان/أبريل 2021.
رواية مضادة قوية
وفي حال بقاء الأميرة وابنتها خلف القضبان، فقد يكون هذا مزعجًا بالنسبة لمحمد بن سلمان. تتطابق هذه القضية جيِّدًا مع الرواية المضادة، التي يواجه بها المعارضون والمنظمات غير الحكومية في الخارج رواية القيادة في المملكة، مثلما يقول سيباستيان زونس من مركز الأبحاث التطبيقية بالشراكة مع المشرق (كاربو) في مدينة بون الألمانية.
وبالنسبة للمعارضين فإنَّ محمد بن سلمان والأسرة المالكة يُعتبرون في أحسن الأحوال دعاةَ تحديث، ولكنهم ليسوا مصلحين مثلما يُروِّجون أنفسهم. "هذه الجماعات المعارضة للحكومة نظَّمت نفسها تنظيمًا جيِّدًا للغاية في العامين الماضيين وأصبحت ملحوظة جدًا في بريطانيا والولايات المتَّحدة الأمريكية، وفي دول أخرى أيضاً.
يبيِّن مثال الناشطة الحقوقية النسوية لجين الهذلول إلى أي مدى يمكن أن تتفاقم الحالة الفردية. فبعد بقائها أكثر من ألف يوم رهن الاعتقال، تم الإفراج عنها في شهر شباط/فبراير 2021 بعد حملة من مسانديها امتدَّت طيلة سنوات. وعلى الرغم من أنَّها اتَّخذت إجراءات قانونية ضدَّ الحكم الصادر بحقِّها مع وقف التنفيذ ومنعها خمس سنوات من السفر، لكنها فشلت أمام المحكمة يوم الأربعاء العاشر من آذار/مارس 2021. "قضية بسمة تسير في الاتجاه نفسه، حتى وإن كان التعامل معها مختلفًا بسبب انتماء بسمة إلى الأسرة المالكة".
ويحاول في ألمانيا أيضًا الناشطون إسماع صوتهم. إذ التقت في بداية شهر آذار/مارس 2021 -بدعوة من منظمة حقوق الإنسان المستقلة "القسط" ومقرها لندن- لينا شقيقة لجين الهذلول مع نوَّاب من جميع الكتل النيابية تقريبًا في البوندستاغ (البرلمان الألماني). وقد دعا مؤخرًا عشرات البرلمانيين من ألمانيا وبريطانيا وإيرلندا القيادة في المملكة إلى الإفراج عن جميع الناشطين المعتقلين.
من المحتمل أنَّ هذا وحده لن يُزعج أي شخص في الرياض ويقضّ مضجعه، ولكن: "لقد نشأت هنا في هذه الأثناء جبهةٌ قوية لم يعد بالإمكان السيطرة عليها من خلال تكميم أفواه الجميع، لأنَّ التجمُّع (المعارض) أكبر من أن تستطيع الرياض إسكاته".
وكذلك يرى سيباستيان زونس في الشكوى الجنائية المقدَّمة من قبل منظمة مراسلون بلا حدود إلى المدَّعي العام الاتِّحادي الألماني وسيلةً من أجل جذب الانتباه. وجدت هذه الخطوة اهتمامًا دوليًا لأنَّ ألمانيا تستضيف حاليًا محاكمةً لعناصر من النظام السوري تُعتبر الوحيدة من نوعها على مستوى العالم وتفتح مجالًا جديدًا في قضايا القانون الجنائي الدولي. ولكن من المستبعد أن يفتح المدَّعي العام الاتِّحادي الألماني في الواقع قضية ضدَّ محمد بن سلمان. "على الأرجح أنَّ ذلك يتعلق أكثر بإرسال إشارة سياسية إلى الحكومة الألمانية الاتِّحادية، ولكن أيضًا إلى حلفاء آخرين للمملكة ".
يُراهن حاليًا هنري إسترامانت في المقام الأوَّل على الضغط على لندن وواشنطن من أجل الإفراج عن الأميرة بسمة. ففي رسالة إلى وزير الخارجية البريطاني، طلب التدخُّل.
ومرخراً أبلغ أيضًا الإدارةَ الأمريكية بأنَّ بسمة قد تم نقلها إلى عيادة، وذلك على ما يبدو بسبب مشكلات في الهضم. وجاء في رسالته أنَّ "الأميرة هي ناشطة سلمية وأمٌّ وسيِّدة أعمال متواضعة. (…) نحن نستنتج من ذلك أنَّها اعتُقلت بسبب علاقاتها الوثيقة بولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف".
وكتب كريستيان مير في تغريدة على موقع تويتر: أنهينا الآن عامًا كاملًا من العمل الجماعي! رفعت منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية (في ألمانيا) شكوى جنائية ضدَّ محمد بن سلمان بتهمة ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية. وقمتُ أمس بتسليم الشكوى إلى المدعي العام الاتِّحادي الألماني.
لا توجد عقوبات ضدَّ محمد بن سلمان
وليس من المستبعد أن يجد مساندو بسمة آذانًا صاغية في الولايات المتَّحدة الأمريكية. فقد أوضح بايدن أنَّ تذكرة واشنطن المجانية الممنوحة للشاب السلطوي في الرياض قد انتهت في عهده. غير أنَّ بايدن لم يعمل منذ توليه منصبه بحزم تام مثلما قدَّم نفسه في حملته الانتخابية. صحيح أنَّه أمر بنشر التقرير الآنف الذكر، الذي تم حجبه في عهد ترامب -والذي أفاد بأنَّ محمد بن سلمان كان "على الأرجح" متورِّطًا بشكل شخصي في قتل خاشقجي- ولكن بايدن أيضًا ليس في منظوره فرض عقوبات مباشرة على محمد بن سلمان.
وبدلًا من ذلك فقد فرضت واشنطن فيما يُعرف باسم "حظر خاشقجي" قيودًا على دخول ستة وسبعين شخصًا آخر إلى أراضيها. وحول ذلك تقول مضاوي الرشيد: "بايدن مضى نصف ميل وتوقَّف هناك. فهو يُحْدِث ضجة كافية لإخافة محمد بن سلمان، ولكن يجب عليه أن يأخذ المَصالح الوطنية الذاتية بعين الاعتبار".
يُذكِّر سيباستيان زونس بأنَّ محمد بن سلمان هو أيضًا رئيس صندوق الاستثمارات العامة العملاق، الذي من المقرَّر أن يتم توسيعه حتى عام 2030 ليصبح أكبر صندوق سيادي في العالم. هذا الصندوق يستثمر بكثافة في الولايات المتَّحدة الأمريكية، ولهذا السبب يستبعد سيباستيان زونس فرض عقوبات شخصية ضدَّ محمد بن سلمان.
ومع ذلك فإنَّ محمد بن سلمان بات يجد نفسه تحت ضغط متزايد لينظِّف ساحته على الأقل من الفضائح، التي تحظى باهتمام دولي. لقد استفادت من ذلك لجين الهذلول - على العكس من الكثير من الناشطات والناشطين المعتقلين. ومن الممكن أن تكون الأميرة بسمة هي التالية. والإفراج عنها سيمثِّل بالنسبة لمحمد بن سلمان فرصةً على الأقل لإصلاح بعض الأضرار التي لحقت بسمعته من خلال مذبحة خاشقجي.
ارسال التعليق