
السعودية تتجه لتصبح على مقاس ابن سلمان
[هادي الاحسائي]
يبدو أن المجتمع الدولي لايريد أن يقف في وجه بطش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ونحن لا نعمد إلى التجني عليه، فجميع الحقائق تقول ذلك. لم يحاسبه أحد على قتل الصحافي جمال خاشقجي، ولم يحاسبه احد على اعتقال النشطاء والأمراء ورجال الدين والدعاة، ولم يحاسبه أحد على الجرائم التي ارتكبها في اليمن، وها هو اليوم يتجه نحو تبرئة نفسه من محاولة اغتيال سعد الجبري المقيم في كندا، ويبدو أن إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تدخلت من جديد لانقاذه ومنحه الحصانة أمام القضاء.
خبر الحصانة نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت، إن منح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحصانة من الوقوف أمام المحاكم الأمريكية في محاولة اغتيال مزعومة ضد مسؤول أمني سابق يعني أن القضية الأخرى المرفوعة ضده بالضلوع في مقتل الصحافي جمال خاشقجي ستنهار.
ويقول خبراء القانون إن القانون الدولي يمنح قادة الدول والدبلوماسيين في الكثير من الحالات حصانة بناء على موقعهم أو سلوكهم وهم في مناصبهم. ولا يعرف ما هو المبرر الذي أقام فيه السعوديون طلب الحصانة لولي العهد. ويرى أفراد على معرفة بالقضية أن السعوديين ربما أكدوا أن ولي العهد هو الحاكم الفعلي للبلاد ولهذا يجب منحه الحصانة، لكن الخبراء ليسوا متأكدين من صحة هذا الجدال.
في الحقيقة محمد بن سلمان لم يصبح ملك السعودية حتى اللحظة لكي توفر له الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحصانة، ولكن أموال الشعب هي الحل لشراء الصمت الأمريكي، وهناك تساؤلات إن كانت قضية الجبري ستبقى مفتوحة حتى وصول الرئيس الامريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض. لتبقى مفتوحة، لا نعتقد انه سيغير في الامر شيء. تتغير الاسماء في الولايات المتحدة الامريكية ولكن السياسة تبقى نفسها، فجميع الرؤساء يدعمون الديكتاتوريات في الشرق الاوسط، ويحافظون عليها لكي تبقى شعوب المنطقة تعيش في الظلمات، والجهل يسيطر عليها.
ابن سلمان ليس بعيد عن هذا الامر، فهو يتجه ليكون الحاكم الوحيد للسعودية وهو بالفعل كذلك في هذه المرحلة، فجميع القرارات تصدر بناءا على أوامره، مع العلم ان البروباغندا السعودية تقول انها تصدر عن الملك سلمان بن عبد العزيز، رغم تقدمه بالسن، وحديث المتابعين للشأن السعودي بشكل متكرر عن وضعه الصحي.
المملكة اليوم تتشكل من جديد على مقاس ابن سلمان، وهي في طريقها نحو "الدولة الرابعة"، فولي العهد السعودي أنشأ منظومة جديدة داخل البلاد تعمل تحت ادارته، تمارس قمع أكبر من القمع الذي كان موجودا داخل المملكة أيام الملوك السابقين، ولكنه اعتمد اسلوب جديد، يحاول من خلاله اظهار المملكة أنها منفتحة على الجميع وأنها أصبحت تملك مساحة أكبر من الحريات والتسامح الديني.
هذا ما حاول ابن سلمان اظهاره، ولكن لان اصلاحاته كانت وهمية وغير حقيقية، لم تمر فترة طويلة حتى ظهرت حقيقية هذه الاصلاحات، فهو عمد إلى توظيف السلطة الدينية لصالح السياسية بتغيير منحى الفتاوى وإجازة ما كان ممنوعا بالأمس، والاتجاه نحو تطبيع العلاقات بشكل علني مع اسرائيل، على أمل أن تسعفه في تحقيق قفزة اقتصادية جديدة بعد أن فشلت خطته "رؤية 2030" ولم يتمكن من تنويع مصادر الدخل للبلاد، ولن يتمكن من ذلك، خاصة وان اسرائيل لن تقدم له اي خدمة تجعل من المملكة اقوى، الامر الذي قد يشكل خطرا على امنها القومي. وبالتالي التطبيع في حال حصل سيكون بمثابة نصر مجاني جديد لاسرائيل على حساب ال سعود، وغرق اكثر في فوضى القرارات الحمقاء.
شباب المملكة كانوا معجبين ربما بقدوم محمد بن سلمان في البداية، على اعتبار انه شاب ويفهم طموحاتهم وتطلعاتهم، ولكن في الحقيقة كان بعيد كل البعد عن هموم الشباب، حيث عمل على قمعهم وقتل طموحاتهم، وكذلك المرأة لم تكن احسن حالا في عهده، حيث اعتقل الكثير من الناشطات والمطالبات بالمزيد من الحريات، وآخر هذه الاعتقالات كان اعتقال الكاتبة اشتياق محمد آل سيف، وقالت مصادر حقوقية لـ"ويكليكس السعودية" إن سلطات آل سعود اعتقلت الكاتبة اشتياق قبل ثلاثة شهور. وقد تكتمت السلطات على مصيرها ومكان تواجدها لتصبح تعتقل عائلة كاملة في السجون.
هذه هي اصلاحات ابن سلمان، وتطبيعه مع اسرائل لن يزيد الأمر الا سوءاً والقادم سيوضح ما نتحدث عنه.
ارسال التعليق