
"بن سلمان" و"عاصفة الكذب".. اغتيالات بالجملة
[جمال حسن]
* جمال حسن
أستلذ بها وطابت له عمليات الاغتيالات التي تطال معارضيه في داخل بلاد الجزیرة وخارجها، من أمراء الى عسكريين كبار وعلماء وإعلاميين وأكاديميين، ومن لم يقدر على اغتيالهم يتم اعتقالهم وزجهم في سجون غير معروفة.
سياسة الانتقام والإقصاء الجبري لمعارضيه تتواصل منذ دخوله قصر اليمامة في الرياض وحتى يومنا هذا ودعاة الدفاع عن حرية الرأي والتعبير وحقوق الانسان تلتزم الصمت كأن لم يحدث أي شئ.
في غضون أسبوع واحد تعلن السلطات السعودية عن "وفاة" أثنين من كبار القادة العسكريين في ظروف غامضة، ادعت أنها جاءت بسبب "تسلق الجبال" لأحدهم فيما مات الآخر "غرقاً في البحر" أثناء رحلة بحرية!!.
فقد تناقلت وسائل إعلام سعودية يوم الأحد 7/3/2021 اخبار غير دقيقة وغامضة بشأن سبب وفاة اللواء "علي ظافر الشهري" قائد قاعدة خالد الجوية، حيث تحدثت بعض المصادر ان خبر وفاة الشهري "غير دقيق" وغامض، في ظل تعتيم سعودي رسمي.
وسرعان ما تداول النشطاء على مواقع التواصل اخبار متناقضة عن سبب الوفاة، أشار البعض انها بسبب سقوط اثناء تسلق الجبال فيما أشار الآخر الى انه توفي اثر عارضة صحية في مستشفى خاص بالقوات المسلحة في جدة.
أما المراقبون فقد شددوا أنه قتل بأمر من محمد بن سلمان تزامنا مع استهداف قاعدة خالد الجوية من قبل سلاح الطيران اليمني المسير، وذلك لمدة تزيد عن 42 عاماً قضاها في خدمة جيش آل سعود؛ خاصة وأن المعارضة لسلطة ولي العهد أخذت تتزايد في صفوف كبار العسكريين وأمراء "الأسرة القابضة".
ويوم الخميس الماضي نشرت وسائل اعلام السلطة الحاكمة خبر وفاة اللواء إبراهيم بن عبدالعزيز المنيع أحد أبرز رجالات الأمن العام في مدينة جدة عن عمر ٥٦ عاماً، "غرقا" خلال رحلة بحرية بجدة!!- وفق مصادر أمنية سعودية.
لتتجه أصابع الاتهام فوراً نحو نجل سلمان حيث اللواء إبراهيم كان هو الآخر ضمن قائمة القادة العسكريين الذي بايعوا أحمد بن عبد العزيز ومن قبله محمد بن نايف اللذان لا يزال مصيرهما مجهولاً الى جانب عدد آخر من أبناء القصور الملكية.
كيان سلط على رقاب شعب بلاد الحرمين الشريفين بقوة السلاح وأكذوبة الدين طيلة القرون الثلاثة الماضية، ليست له الجرأة على بيان حقيقة ما يدور في كواليس نظامه القمعي الدموي الإجرامي والذي بات عبئاً كبيراً على المجتمع البشري بطوله وعرضه.. ربما سيعلن عما قريب عن موت قائد عسكري كبير آخر لممارسته "مبارة كرة القدم" - كما قال أحدهم.
وعلى وقع سياسة أجداده يواصل محمد بن سلمان نهج الغدر وقتل كل من يقف في طريقه بكل بساطة مستغلاً بذلك المؤسسة الدينية الذراع المساعد في القبض على العرش تلك التي بدأت باتفاق الدرعية واستمرت حتى يومنا هذا، فتاوى برسم طلب صاحب العرش.
ففي "مقاتل من الصحراء"، الموسوعة الشهيرة للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، نقل في أحد فصولها أسطرا اقتبسها من كتاب "ملوك العرب" للأديب والمؤرخ اللبناني أمين الريحاني عندما كان في نجد، قال فيها: "لقد كان الإخوان رسل الهول ورسل الموت"، في إشارة الى استغلال عبدالعزيز لإخوان من اطاع الله..
الحظوظ لم تحالف اللواء الشهري وزميله المنيع كما حالفت ضابط الاستخبارات السابق ومستودع الأسرار سعد الجبري الذي أقيل من منصبه خلال صراع المحمدين على العرش منتصف عام 2015.
لقد تمكن الجبري إستخلاص الدرس والعبرة من تاريخ آل سعود وغدرهم بأقرب المقربين لهم، فما كان منه إلا أن هرب من بلاد الحجاز متنقلاً بين تركيا والمانيا وامريكا ليستقر الأمر به في كندا، من يد بطش "بن سلمان" التي تبطش دون رحمة بكل من تصلها من خصوم ومعارضين.
وخلال تلك الفترة تعرض الجبري لخمس محاولات اعتقال أو اغتيال على يد "فرقة النمر" الخاصة لإدارة نجل سلمان، وفق مقال للصحفي "ديفيد هيرست" حمل عنوان "السعودي الذي يستطيع إسقاط محمد بن سلمان"، على موقع "ميدل إيست آي" البريطاني (Middle East Eye) .
يذكر أن عبد العزيز بن سعود أوصى أبنائه بالتناوب على السلطة بسلمية، لكن الأمر لم يدم كثيراً ليتناحر أمراء المناطق على العرش المركزي وسلب الثروة بكاملها، فكان أغتيال فيصل بن عبد العزيز على يد الأمير فيصل بن مساعد أحد أفراد العائلة الحاكمة، أحد أبرز الاغتيالات العائلية.
وقد سبق هذه الحادثة اغتيال منصور أصغر ابناء عبد العزيز وأكثرهم قرباً واعتماداً لدى والده ووزير دفاعه وأحد أقوى المرشحين لخلافة والده، على يد أخيه الأكبر ناصر حاكم الرياض آنذاك بدس السم اليه عبر الكحول خلال استضافة بقصره عام 1951، ما دفع بعبد العزيز الى اعتقال ناصر وإيداعه السجن.
الخيانة ذاتها تتكرر مرة اخرى داخل "الأسرة القابضة" حيث حاكم الرياض سلمان ضد أشقائه وابناء أخوته منتزعاً منهم حق توارث العرش الذي أوصى به المؤسس لدويلتهم الثالثة عبد العزيز ويعلن أن السلطة ستكون عمودية في أسرته وليست أفقية في القصور الملكية.
ثم بالتزامن مع حملة الاعتقالات التي شنها "بن سلمان" على الأمراء ورجال المال والأعمال، أُعلن مقتل نائب أمير منطقة عسير منصور بن مقرن ومسؤولين آخرين، إثر تحطم مروحية كانت تقلهم في محافظة عسير؛ أكدت معلومات وثيقة أن الحادثة فبركها نجل سلمان بغية الاستيلاء على كل أجزاء الحكم والتخلص من أي تهديد، ووصفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية ما جرى بأنه "اغتيال في الهواء".
آل سعود تمعنوا في كيفية اغتيال معارضيهم وطرق تنفيذ ذلك ليكون الكاتب والناشط السياسي ناصر السعيد أول الغيث ليرمى من طائرة ملكية تابعة للملك فهد بعد أن تم اختطافه من قبل عملاء فلسطينيين وتسليمه الى السفارة السعودية ببيروت في ديسمبر/كانون الأول عام 1979.
ومنذ العقد الثامن للقرن الماضي وحتى العقد الثاني من القرن الحالي تعرض مئات المعارضين آل سعود ونظامهم القمعي الجائر الى محاولات اغتيال داخل البلاد وخارجها بقيت مسكوت عليها حتى قضية تقطيع وتنشير الكاتب والصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018 بأمر مباشر من محمد بن سلمان بعد أن كانت الضحية أحد أبرز المنابر الإعلامية الداعمة للعهد السلماني.
قائمة إجرام آل سعود ضد المعارضة التي تملك ثقلاً في الوسط السعودي طويلة وعريضة لا يمكن ذكرها في مقال واحد، منها ما تعرض له سعد الفقيه رئيس حركة الإصلاح الإسلامي لمحاولة اغتيال في بريطانيا عام 2003، ثم الفبركة ضد ماجد المسعري ابن محمد المسعري في الولايات المتحدة عام 2004 بتهمة حيازة مخدرات، ليختفي من الوجود منذ ساعة ترحيله وتعرض المسعري الأب لضغوط الرياض تسليم نفسه مقابل معرفة مصير ابنه.
ثم حادثة الاعتداء على الناشط السعودي المعارض غانم الدوسري في سبتمبر/أيلول 2018 بأحد شوارع لندن، لتمتد نحو أمراء معارضين ولاجئين في أوروبا وسط صمت الأجهزة الأمنية هناك - بحسب وثائقي سابق أعدته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بعنوان "أمراء آل سعود المخطوفون"، بينهم سلطان بن تركي، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر، ثم موت ثلاثة آخرين داخل المملكة في ظروف غامضة العام الماضي؛ ناهيك عن عمليات الاغتيال في شوارع المنطقة الشرقية بجنح الليل الدامس لكل من يعارض سياسة نجل سلمان سلمياً.
ارسال التعليق