هذا ما همسه تميم في أذن محمد بن سلمان
[جمال حسن]
* جمال حسن
بعد كل المذلة والمهانة التي تحملها ولي عهد سلمان مرغماً باستقباله أمير دولة قطر الشيخ تميم في الأحضان عند سلم الطائرة، الرياض تتلقى صفعة مؤلمة أخرى من الدوحة تذهب بأسباب قمة العلا أدراج الرياح.
فقد إعلنت الدوحة وعلى لسان وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأن علاقاتها مع ايران وتركيا لن تتأثر بالمصالحة مع السعودية وحلفاءها؛ صفعة أخرى لمخرجات قمة العلا الخليجية التي ولدت ميتة من الأساس خاصة وأن الرياض وأخواتها كانت قد استشهدت بهذه العلاقة كأحد الأسباب الجوهرية لقرارهم الاستثنائي في عام 2017 بقطع العلاقات الدبلوماسية وروابط النقل مع قطر.
وسعى "بن سلمان" جاهداً لجعل "قمة العلا" لأن تكون آخر هدية يقدمها الى راعي البقر الأمريكي البلطجي دونالد ترامب على غرار قمة المنامة رداً لجميله على الوقوف الى جانبه ودعمه حتى هذه الساعة من قضية جريمة تقطيع جمال خاشقجي بالمنشار بأوامره في القنصلية السعودية بإسطنبول في تشرين الأول 2018.
لكن الحقيقة أن الدوحة تمكنت من فرض شروطها على الرياض والعواصم الحليفة لها ودفعتهم الى القبول بما أملته عليهم حيث فتح الحدود البرية والمجال الجوي أمام المواصلات الجوية والبرية من قطر وإليها، دون أن تقدم أي تنازل وفق ما اعلنه وزير خارجيتها لصحيفة فاينانشيال تايمز يوم الخميس.
إذا ماذا كان سبب العناق اللطيف والحميم بين تميم ومحمد بن سلمان عند سلم طائرة الأول حيث احتضنه الثاني برحابة غيرمعهودة أثارت شكوك البعض خاصة وأن الضيف القطري همس طويلاً في أذن المضيف السعودي وأسرع لركوب سيارته، ما عكر مزاج الأخير؟.
لقد ولد هذا الأمر شكوك كبيرة لدي ما دفعني الى استقراء الأمر من أحد أقرب المقربين للشيخ تميم من الذين كانوا معه في زيارته هذه الى العلا، ليخبرني الكثير الكثير عما همسه أمير دولة قطر والذي أثار حفيظة منشار آل سعود ودفعه لطأطأة الرأس والتفكير ملياً بالكلام.
الصديق القطري نقل ما سمعه من أمير دولته بالحرف الواحد لكنني وللأمانة لا أنقل إلا شيء واحد وهو أن الشيخ تميم همس في أذن نجل سلمان قائلا: "ها أنا هنا دون تنازل وأنت من أجبرت على تغيير الموقف رغم السنوات الثلاث، أنصحك بعدم تكرارها..".
وكان محمد بن سلمان يعول كثيراً على مماشاة البوفالو المفلوك له طيلة سنوات الحصار دون أن يفقه أنها لعبة الكبار ليس للجرذان محلاً فيها، ما أن طلب منه الصهر والمستشار جاريد كوشنر القيام بذلك حتى رضخ صاغراً ملبياً الأمر على قدم وساق باحتضان وعناق وتمجيد اعلامي قل نظيره.
فقد علقت فضائية الأخبارية وهي تبث لقطات وصول أمير دولة قطر واستقباله من قبل ولي عهد سلمان بالقول"في استقباله أخوه صاحب السمو وعناق معبر عن عميق العلاقة التي ما تفتأ تعالج نفسها وتعود أخوية صادقة ترنو الى القيام بدورها الرئيسي الأساسي في صيانة منظومة مجلس التعاون الخليجي وتحقيق أماني وتطلعات شعوبها...".
وكأن حتى الاعلام السلطوي السعودي قد تجاهل وتناسى دوره الخبيث القذر الإجرامي في الحصار الظالم على شعب قطر الشقيق حتى حرمانه من إقامة فريضة العمرة والحج الى البيت الحرام طيلة أكثر من ثلاث سنوات مضت .
يقولون أن "الناس على دين ملوكهم" نعم من قال ذلك صورة طبق الأصل تنطبق على غالبية شعوبنا الخليجية إلا قليلاً من الأحرار فيها حيث يقبع عشرات الآلاف منهم في معتقلات آل سعود وآل زايد وآل خليفة وكذا آل ثاني دون إستثناء، يتعرضون لأبشع وأقذر أنواع التعذيب الجسدي والروحي، لا لشيء سوى مناداتهم بحرية الرأي والتعبير والمطالبة بالعدالة والمساواة".
وتوضيحات صديقنا القطري كشفت لي الكثير مما يعانيه محمد بن سلمان من مخاوف كبيرة من داخل القصور الملكية ما دفعه للقيام بتشديد الخناق على أعمامه وأبناء أعمامه في إقاماتهم الجبرية، ناهيك عن أولئك الذين تم احتجازهم في قصور بمدينة نيوم وآخرين يقبعون في معتقلات لا يعرف عنهم شيء.
وكشفت مصادر سعودية موثوقة أن قمة العلا لم تجلب للمملكة وحلفائها في الحظر على الدوحة أي مكسب فلا زالت الأخيرة متمسكة بشدة في علاقاتها مع طهران وأنقرة، وقناة "الجزيرة" لم يتم إغلاقها، ودعاوى قطر بتعويضات تبلغ خمسة مليارات دولار ضد الدول المقاطعة بسبب الأضرار التي لحقت بها، لم يعرف مصيره بعد.
كما أن مراقبين أكدوا أن القمة التي حملت رقم 41 خرجت ببيان ختامي لم يوضح على سبيل المثال ما يتعلق بمصير المطالب الـ13 التي حددتها الدول الأربع منذ بداية الأزمة كشرط لإعادة العلاقات مع قطر. ولم يشمل سوى بضع كلمات تدعو دول المقاطعة وقطر الى لطي صفحة الماضي وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات فيما بينها!!.
ثم أن مستوى المشاركة هو فشل آخر للقمة التي ولدت ميتة منذ لحظة الإعلان عن إنعقادها، حيث تخلف عنها سلطان عمان والرئيس المصري وملك البحرين وأمير دولة الأمارات وحتى سلمان نفسه، ما يعني أن الاتفاق الذي نتج عنها هو اتفاق بين السعودية وقطر برعاية كويتية.
وكتبت القمة هذه فشل آخر في سجل مسلسل الفشل المتوالي لنجل سلمان منذ توليه ولاية العهد وإعلانه الحرب على اليمن الشقيق وتصعيده ضد الجارة ايران ثم مقاطعة قطر التي تلتها إنهيار العلاقة مع الحليف العثماني إثر جريمة تنشير جمال خاشقجي على الأرض التركية بكل وقاحة.
ويقول المثل "جاك الموت يا تارك الصلاة" هو ربما يكون همس قطري آخر في أذن سعودية أربكت أوراق المنشار ظهر بوضوح جلي في عجزه الخطابي وحال دون قدرته على تركيب جملة مفيدة كأبيه "ملك الاستخراء"، ما يشير أنه أستورث الزهايمر وجنون العظمة من أبيه وهو في عنفوان شبابه.
مخاوف محمد بن سلمان تزداد يوماً بعد آخر كلما أقترب يوم رحيل الداعم الرئيس المخبول ترامب من البيت الأبيض وجلوس الرئيس المنتخب جو بايدن حول الطاولة البيضاوية الذي قد تقتضي مصالحه أن يصدر أوامره لإدارته بإعادة تقييم العلاقة مع آل سعود ومحاسبتهم على كل جرائمهم بدءً من الحرب على اليمن حتى إمتلاء سجون البلاد بالأحرار من خيرة شبابنا وعلمائنا ومثقفينا واعلاميينا وناشطينا.
أن العقاب قادم لا محالة وسيزلزل ذلك العرش من تحت إقدام محمد بن سلمان وربما يزج به الى السجن والمحاكمة وتسليمه الى سيف الحرابة ونكرر ان اقتضت المصلحة الامريكية ذلك بأسم الخروج على الولي، ووالده مستعد للتضحية به كي يبقى في مسند السلطة.. وكما قال هارون الرشيد لولده المأمون أن "الملك عقيم وأني لأخذ الذي فيه عينيك أن نازعتني عليه".
لقد تحولت السعودية في السنوات الثلاث من فترة ولاية ولي عهد آل سعود، الى دولة غير مرغوب فيها لدى الكثيرين، وأطلق على محمد بن سلمان بأنه "شخصية وحشية وخطيرة"، حتى باتت السعودية الدولة المهددة بفرض عقوبات دولية عليها رغم إخراجها بمال الرشاوى من قائمة "قتلة الأطفال".
أما الدوحة فقد وافقت على التعاون في مكافحة الإرهاب والأمن العابر لحدودها مع كل من السعودية والبحرين والأمارات والكويت والذي كان قائماً حتى خلال فترة القطيعة، خوفاً من تسلل الأرهابيين التكفيريين الى الأراضي القطرية والقيام بعمل إجرامي ما.
ارسال التعليق