
هل عادت ثقة بن سلمان الى نفسه بعد الجولة العربية والعالمي
[فيصل التويجري]
بقلم: فيصل التويجري
هي جولة لزيادة الثقة بالنفس لا أكثر، جولة قام به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى مصر وتونس وموريتانيا والجزائر أراد منها إعادة الحياة الى داخله أكثر من تبييض وجهه المشؤوم على نفسه وعلى السعودية، قبل أن يذهب إلى الأرجنتين للمشاركة في قمّة مجموعة الـ 20. هدف من خلالها أيضاً أن يتعلم كيف يرد على السؤال الذي باتت اجابته معروفة وهو "من أمر بقتل خاشقجي؟" لأنه لا يعرف كيف يرّد على مَن يُقابلهم من رؤساء دول وحكومات ان سألوه هكذا سؤال. فمثلاً هو لم يعرف حتى الساعة ماذا يقول للرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو الرئيس التركي "رجب أردوغان" خاصة أن الأخير لديه كل المعطيات والفيديوهات التي توثق عملية تقطيع وتذويب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده منذ أكثر منذ شهرين. أردوغان هدد ولي العهد بنشر فيديوهات تقطيع خاشقجي على وسائل التواصل الاجتماعي في العالم بأسره. ولو حدث لا يسقط بن سلمان، بل ربما تسقط كل الأسرة السعودية.
النجاح الذي يمكن أن يحسب لبن سلمان في هذه الجولات وخاصة في الأرجنتين وقمة العشرين هو لقاؤه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي على ما يبدو بدأ يعتمد البروباغندا الأمريكية من أجل توسيع النفوذ الروسي في المنطقة، على حساب النفوذ الأميركي. رغم أن "بوتين" نفسه، هو الذي قال من قبل إنه لن ينسى الدور السعودي في تفكيك الاتحاد السوفياتي، أي عندما موَّلت المملكة السعودية "المُجاهدين الأفغان، دعماً للمخابرات الأميركية، كما لا ينسى الدور السعودي في تمويل الإرهاب في الدولة السورية، بجانب قطر وتركيا، والمخابرات الغربية بأسرها، ولا نعلم ما يدور في ذِهن الرئيس "بوتين".
كما أن النجاح الآخر الذي يمكن أن يحسب لبن سلمان هو الحفاظ على ولاء الدول العربية التي استقبلته حيث لقي بن سلمان ترحيباً عالياً مُتوقّعاً على المستوى الرسمي في الدول التي زارها، الإمارات والبحرين ومصر وتونس، وعلى نفس المستوى الرسمي العربي، فإن باقي الحكومات العربية تساند وليّ العهد، الجزائر والأردن والمغرب وموريتانيا. ولكن وعلى المستوى الشعبي، فإن الشعوب العربية تعرف الحقيقة، وهي أن نظام بن سلمان يقتل المُعارضين بنرجسيّة وبغباء مُنقطعي النظير. وأن النظام السعودي ككل، يقتل المُعارضين، إما بإلقائهم في "بحر رمال الرَبع الخالي"، كما حدث مع المُعارض "ناصر السعيد"، الذي خطفوه من بيروت في أواخر العام 1979 وألقوه ليموت في بحر الرمال. أو تقطيعهم وإخفاء جثامينهم كما حدث مع "جمال خاشقجي". أو الخطف والسجن للمُعارضين، أمراء وغيرهم، ناشطون وحقوقيون مثل المحامي السعودي المسجون "وليد أبو الخير".
الا أن هذا الأمر لا يمكن اعتباره أيضاً نجاحاً، فان قمنا بتأمل المواقف العربية الرسمية، لوجدناها تكراراً لمواقف سابقة، أيَّدت فيها الطُغاة ودافعت عنهم باستماتة. ولو عدنا إلى الماضي القريب لعلمنا أن مواقف الدول العربية الرسمية تؤيّد بعضها بعضاً، مثلا عندما أقدم "علي حسن المجيد" الشهير "بعلي الكيميائي" بأمرٍ مباشرٍ من "صدّام حسين" على ضرب مدينة حلبجة الكردية في شمال العراق بالأسلحة الكيميائية، يومي 16و17 آذار/ مارس 1988، والتي قُتِل فيها حوالي تسعة آلاف مدني كردي، في ذاك الوقت دافعت الأنظمة العربية جميعها، ربما باستثناء الرئيس السوري "حافظ الأسد" عن "صدّام حسين". وألقى الإعلام العربي الرسمي المسؤولية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، رغم أن "صدّام حسين" كان يستعمل السلاح الكيميائي في حربه ضدّ إيران، وكان يُبَثّ برنامج تلفزيوني اسمه "صوَر من المعركة" يُثبت ذلك، ولم يجد مَن يعارضه أو يلقي المسؤولية عليه، تماماً مثلما دافعوا عنه عندما ارتكب مجزرة "الدجيل" عام 1982.
ومن منا ينسى جريمة إخفاء الزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر "قائد حركة المحرومين في لبنان وقائد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي"، حيث قام النظام الليبي بإخفائه وإصدار حكم بالقتل عليه بأمر من الكيان الإسرائيلي، وهنا أيضاً وقفت الأنظمة العربية الى جانب القذافي وساندته. كما تحمي الأخيرة أيضاً الرئيس السوداني "عمر البشير" الذي ارتكب مجازر كثيرة بحق أبناء السودان وهو مطلوب للمحكمة "الجنائية الدولية" منذ عام 2009، بتهمة جرائم حرب في مقاطعة "كردفان" غرب السودان. وغير هؤلاء كثيرون، ولذا لا نستغرب أن يحاول القادة العرب إعادة الثقة في نفس بن سلمان، رغم يقينهم بمسؤوليته.
ختاماً يمكننا الجزم أن ابن سلمان لم يعد كما كان، فيده قد قطعت وثقته بنفسه وبغيره قد دمرت، لقد خسر الكثير من سمعته الشخصية والسياسية ورؤيته الإصلاحية التي روَّج لها. وبسبب الأموال الضخمة التي يمتلكها والتي حصلها من جيوب أبناء الشعب السعودي نستبعد تقديمه للجنائية الدولية، أو مُحاصرته، ولن تستطيع منظمة هيومان رايتس ووتش تقديمه للعدالة، لأنها في الأصل مُرتبطة بالسياسات العالمية الاستعمارية.
ارسال التعليق