حدث وتحليل
الامارات بين صورتين.. انتهاك الحقوق وشراء الذمم
[من الصحافة]
من يتابع الانباء التي تروج للسلطة الحاكمة في دولة الامارات واهتمامها بحاجات الناس والحديث المتواصل عن ضرورة تلبية ما يحتاجونه وعدم التفريط بحقوقهم وصولا لانشاء وزارة للسعادة تُعنى بتوفير الرخاء والرفاهية لشعبها والمقيمين على أرضها، بحسب الاعلان الرسمي عن هذه الادارة الحكومية، يظن انه امام دولة قانون ومؤسسات تقيم وزنا لمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان وتحترم المواطنة وتجل المواطنين.
وقد يعتقد المستمع ان هذه الدولة تقدم كل شيء للمواطنين وصولا حتى التخمة بالخدمات والرفاهية والبحث عن توفير سبل الراحة والسعادة والفرح لهم، وعلى سبيل المثال استنفرت قبل فترة الحكومة عندما اتصل احد المواطنين ليتحدث عبر برنامج على اثير اذاعة عجمان، شاكيا صعوبة الحياة ووجود مطالب واحتياجات نتيجة غلاء المعيشة، فتم نهره والتهجم عليه من قبل المذيع الذي تم توقيفه عن العمل ورفع الامر الى اعلى الجهات نزولا عند تحقيق مصالح المواطن ورغباته.
الترويج للمدينة الفاضلة.. الواقع مختلف تماما
حقيقة عندما نرى هذا المثال الذي يستخدم وغيره للترويج لحكام الامارات نعتقد للوهلة الاولى اننا في "المدينة الفاضلة" او "الامارات الفاضلة" حيث تكرس كل امكانات الدولة لخدمة الانسان والانسانية، لكن متابعة بسيطة لما يجري في الامارات من قمع وتنكيل وكم للافواه ودوس على حقوق وحريات الافراد يعيدنا الى دنيا الواقع ويؤكد ان ما يقال عن حلم الامارات ما هو الا كابوس تلبسه السلطة لبوس جنة هذه الامارة او تلك، وتستخدم ألوان الربيع لتلون مدينة الاشباح التي تظهر لكل من يعارض وينتقد من المواطنين او الاجانب، وبالطبع الاتهامات جاهزة وحاضرة كما في العديد من انظمة الخليج حيث القضاء أداة مرنة وطيعة بيد الحاكم يصدر قراراته حسب الطلب بخلفيات سياسية ومذهبية للاتهام بالتعاون مع جهات اجنبية لقلب نظام الحكم او للقيام بعمل ارهابي او بهدف زعزعة الامن والاستقرار وغيرها من الاتهامات التي كانت تسوقها الانظمة البوليسية في المنطقة والعالم منذ عشرات السنين وحتى اليوم.
وبالسياق، طرحت منظمات حقوقية عديد خلال الايام الماضية امام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مسألة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والحريات التي تحصل في الامارات، ودعت الى تبني توصيات فعالة تجاه السلطة السياسية هناك وذلك لاستمرارها في انتهاك حقوق العمالة داخل البلاد، وكذلك التعذيب في السجون الداخلية والخارجية التي تديرها القوات الإماراتية.
وطالبت الهيئات الحقوقية والانسانية "المجلس بالتحقيق في عشرات الشهادات القاسية لمعتقلين في سجون تشرف عليها الإمارات في اليمن، وبشكل خاص سجن بئر أحمد في مدينة عدن، حيث تحدث المعتقلون عن تعرضهم لتعذيب قاس يندى له الجبين، بما في ذلك ممارسة العنف الجنسي تجاههم، وإهانة كرامتهم الإنسانية"، وشددت على "ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة إزاء الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في الإمارات لعدم التزامها بتوصيات المجلس السابقة".
تجاوزات بالجملة.. في الداخل والخارج
والحقيقة ان التجاوزات لحقوق الانسان في الداخل الاماراتي لا تقل خطورة عن الجرائم الجسيمة والفادحة التي ترتكبها قوات الامارات المنخرطة بقوى العدوان على اليمن، والتي توصف بانها جرائم ابادة وجرائم ضد حقوق الانسان، كما ان القوات الاماراتية لم توفر في اليمن لا الحجر ولا الشجر بعد اعتداءاتها على البشر هناك، فما جرى ويجري في جزيرة سقطرى خير شاهد ودليل على الاعتداءات التي تعرضت لها الطبيعة الخلابة التي خلقها الله في تلك البلاد، حيث وصل جنون حكام الامارات بإشراف مباشر من ولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد الى نهب خيرات وثروات هذه الجزيرة والعمل لنقل الاشجار والكائنات الحية هناك الى الامارات والادعاء ان الاماراتيين تاريخيا لهم جذورهم ووجودهم على هذه الارض، في انتهاك ليس فقط للحاضر بل محاولة سرقة للتاريخ والجغرافيا.
وممارسات حكام الامارات لا تتوقف عما يجري في الداخل او اليمن، انما وصلت الى حدود التدخل والاعتداء على دول اخرى، بدءا من قطر التي افتعلت معها أزمة منذ اكثر من عام ووجهت وقتها اصابع الاتهام الى ولي عهد ابو ظبي بالمشاركة بافتعال هذه المشكلة بهدف التلاعب بمصير ومستقبل قطر وشؤونها، وقد كشفت العديد من التقارير انه سبق ان حاول التدخل مع غيره من حكام الخليج لقلب نظام الحكم هناك، بالاضافة الى ذلك تحاول الامارات بين الحين والآخر التحرش بسلطنة عُمان والكويت من عدة ابواب بعضها ثقافي وبعضها سياسي وكل ذلك انطلاقا من خلفيات سياسية بسبب مواقف القيادات العُمانية والكويتية من بعض القضايا الاقليمية والدولية، ناهيك عن محاولات التدخل الدائمة في شؤون دول ما كان يسمى "مجلس التعاون الخليجي" بالتعاون مع النظام السعودي الذي يقوده فعليا ولي العهد محمد بن سلمان، وصولا للاتهامات التي وجهت للرياض وأبو ظبي بالتدخل بشؤون الاردن عبر تحريك الشارع ضد عبد الله الثاني لموقفه من "صفقة القرن"، بالاضافة الى سلسلة طويلة من محاولات التدخل بشؤون الدول الاخرى العربية والاسلامية من بينها العراق وسوريا ولبنان وصولا الى مصر ليبيا وغيرها من الدول.
التدخل الاماراتي.. من السعودية الى اميركا
والتدخل الاماراتي لم يوفر حتى السعودية التي باتت رهينة بيد محمد بن سلمان الذي يقال انه في الكثير من الملفات يتحرك بوحي وتحريض من "مرشده الروحي" محمد بن زايد، فالاخير ساهم بفتح العديد من الابواب الاميركية والاسرائيلية امام الحالم بالسلطة في مملكة آل سعود، كما لعب ابن زايد أدوارا هامة في فتح ابواب السعودية على مصرعيها للاستثمار ونهب خيراتها من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب وصهره جيراد كوشنير ومن معهم من الصهاينة، وكل ذلك بفضل قدرة ابن زايد على التلاعب بمشاعر وعقل ابن سلمان وايهامه ان الاميركيين والاسرائيليين هم من سيوصلونه الى تحقيق حلمه بالجلوس على كرسي الملك في السعودية وتقديم الحماية المطلقة له لو رضخ لمطالبهم وحقق مصالحهم في الداخل السعودي والمنطقة بشكل عام وعلى رأس ذلك المساعدة المطلقة لتمرير وتطبيق "صفقة القرن".
وعملية التدخل الاماراتية بشؤون غيرها برزت في ما سُرّب مؤخرا عن محاولات إماراتية لشراء مناصب في إدارة الرئيس الاميريكي الحالي عبر التدخل بالحملات الانتخابية لترامب، فقد جرت اتصالات بين مقربين من الاخير خلال فترة التي كان فيها مرشحا للرئاسة الأميركية وسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة تفضح تورط الإمارات في تمويل حملة ترامب الانتخابية.
واشارت المصادر الى ان "تسريبات جديدة تكشف أن مستشارين مقربين من ترامب كانوا على استعداد لتبادل معلومات حول تعيينات للحكومة الأميركية مع العتيبة"، ولفتت الى ان "الإمارات حصلت مقابل المال الذي أنفقته على وعود من مستشاري ترامب أوصلوها إلى العتيبة بأن واشنطن ستضع مصالح دولته على رأس اهتماماتها في المنطقة".
كل ذلك يؤكد كيف ان الامارات وحكامها يشترون الذمم من مختلف الجنسيات ويدفعون المال للوصول الى غاياتهم وتحقيق اجنداتهم السياسية بعيدا عن مبادئ القانون وقيم الاخلاق، فهؤلاء لا تحكم ممارساتهم سوى المصالح والمنافع المادية دون اي اعتبار او معيار اخر، وكل ما يتم الترويج عن قيامهم ببناء دولة قانون ومؤسسات والسعي لايصال الحقوق للناس ما هو إلا شعارات خداعة للدعاية والاعلام واساليب مفضوحة لا تنطلي على أحد لا في المنطقة ولا في العالم.
ارسال التعليق