السعودية في الثمانينيات: السياسة الخارجية، الأمن والنفط
[ادارة الموقع]
السعودية في الثمانينيات: السياسة الخارجية، الأمن والنفط
القسم الثاني العلاقات مع الدول الاخرى
أولاً: علاقتها بالعالم العربي
من المؤكد أن للنفط دوراً في المكانة التي تحتلها السعودية، بالنسبة للعالم العربي، ولكنه ليس وحده، بل هناك التاريخ، والجغرافيا، والدين، والثقافة، والتراث، والمصالح الوطنية، كل هذه العوامل جعلت السعوديين ينغمسون في السياسة العربية. ولأن السعودية عاجزة عن قيادة العالم العربي، والهيمنة عليه، بسبب عجزها عسكرياً، وثقافياً، وسكانيا، لهذا نجدها تسعى، دوما، لمنع قيام آية دولة عربية باستلام زمام القيادة. وذلك بلعب دور الموفق في الخلافات العربية، وبإقامة التحالفات، للحصول على إجماع عربي، عن طريق استخدام نفوذها المالي لتأمين نفوذ سياسي محسوس في العواصم العربية الرئيسية، أو للحد من نفوذ الراديكاليين العرب، وحملات الدعاية الموجهة ضد المملكة، أو لمواجهة نفوذ دولة ساعية لتوحيد العرب وقيادتهم. وهنا يمكن الحديث عن علاقتها مع مصر، التي شكلت عامل رعب للسعوديين، لأكثر من سبب، ابتداءً من سقوط الملكية لصالح الضباط الأحرار، وانتهاء بتحويل مصر (إلى معقل للسوفيت، وقاعدة عسكرية لهم)، مروراً بدعوة عبد الناصر العرب جميعاً للوحدة العربية، ومحاربة الاستعمار والرجعية، والدعوة لشهر سلاح النفط في وجه إسرائيل والإمبريالية. ويتساءل المؤلف: إن وجود أفكار علمانية، ووحدوية، على حدود المملكة، يشكل خطراً يهدد آل سعود، ويهز عرشهم؛ فكيف لو ترافق هذا مع الدعوة إلى تزعم الأمة العربية، وفتح البلاد للسوفيت والشيوعية؟! هذا مع معرفة السعوديين المسبقة بأن مستقبل السعودية الاقتصادي مرتبط بالتطورات في مصر. فثرواتهم كلها تمر عبر مضيق هرمز، وعبر قناة السويس. ولم ينقذ السعوديين إلاّ وفاة عبد الناصر المفاجئة، واستلام السادات بديلاً عنه. وهو الذي تميز بميله الشديد للإدارة الأمريكية. فتحسنت، فوراً العلاقات السعودية مع مصر، ولكن ما لبثت أن انقطعت، بسبب قيام السادات بإبرام صلح منفرد مع إسرائيل، وضع بموجبه السعودية في مأزق حرج. إما الوقوف معه ضد كل العرب، وبالتالي الوقوف مع أمريكا وإسرائيل، أو الوقوف ضده مع العرب، وبالتالي توتر العلاقات الحميمة مع الإدارة الأمريكية، وهذا ما كان. أما علاقات السعودية مع الراديكاليين العرب؛ فإن خوفها من الحركات الراديكالية العربية كبير، ليس فقط لأنها معادية للاستعمار والغرب، بل أيضاً، لأنها حركات شعبية، معادية للملكية، وتقدمية، وعلمانية، وأحياناً موالية للسوفيت. فالسعودية، التي اعتمدت الإسلام والتقاليد، أساساً، والملكية نظاماً، ترى في هذه الحركات خطراً، لا يعادله إلاّ وجود السوفيت في المنطقة. ولدرء هذا الخطر فقد لجأ السعوديون ـ حسب المؤلف ـ إلى مجموعة من التكتيكات المبتذلة، كشراء السياسيين، أو محاولة اغتيالهم، مثل محاولة الملك سعود الفاشلة اغتيال جمال عبد الناصر (1958). أما العراق فيعد من الدول التي تخشاها السعودية، منذ الأزل وقد تتوج ذلك الخوف باستلام مجموعة من البعثيين الحكم فسعت السعودية إلى كسب ودهم، وإقامة علاقات طيبة معهم، رغم أن البعثيين الحاكمين هم اشتراكيون علمانيون، كما أن نجاح الثورة الإيرانية، قرّب بين النظامين، إذ غدت العراق والسعودية في حالة مواجهة ودفاع، أمام أفكار الثورة الإيرانية، التي بدأت تجتاح المنطقة. وقد ترافق هذا مع معارضة النظام العراقي للسوفييت، في غزوهم أفغانستان، ثم قطع العراق علاقاته مع نظام اليمن الماركسي. هذا بالإضافة إلى أن كلا النظامين العراقي والسعودي، يعارضان اتفاقية (كامب ديفيد)، ولكلا النظامين مصالح مشتركة وحيوية بالنسبة لقرارات (الأوبك). وعندما أصبح العراق في حالة حرب مع إيران، كان في أمسّ الحاجة لموانئ السعودية المطلة على البحر الأحمر ويشكك المؤلف في أن يستمر العراق في علاقته مع السعودية، وتعايشه البراغماتي معها. وفي علاقة السعودية مع الأردن، يرى المؤلف أنه رغم العداء التاريخي بين آل سعود والهاشميين، إلاّ أن السعودية مضطرة لاعتماد سياسة التعامل الحذر والهادئ، مع ملك الأردن، كون الأخيرة تشكل حاجزاً طبيعياً بين كل من السعودية والنظام الراديكالي السوري من جهة، وبين السعودية وإسرائيل، من جهة أخرى. أما اليمن فهي من الدول التي كانت ولا تزال، تشكل تهديداً على آل سعود، وبالأخص اليمن الجنوبي، تحديداً فقربها يسمح بوصول الأفكار الماركسية الشيوعية إلى السعودية بسهولة، والوجود الكثيف للقوات السوفيتية فيها يشكل بحد ذاته خطراً. وهنا تخوف من دخول قوات يمنية، مدعمة بقوات سوفيتية، إلى المنطقة السعودية، لاستعادة أراضي مدينتي عسير وجيزان، اللتين تخضعان لسيطرة القوات السعودية، منذ العام 1934. بقي للسودان نصيب من مخاوف آل سعود، وذلك لقوة اليسار فيه، ولقربه من مصر، وانغماسه في السياسة المصرية. أما في لبنان، فيحاول السعوديون التقليل من الدور السوري، عن طريق دعم القوى المعتدلة، من ميلشيات مسيحية، أو منظمة التحرير الفلسطينية، أو حتى القوات السورية، في بعض الأوقات. وذلك للتقليل من خطر قيام حرب سورية ـ إسرائيلية، يكون لبنان ساحتها، والسوفيت فرسانها. أما علاقاتها بكل من دول الإمارات العربية، فتسودها روح العداء، وذلك لأن السعودية تسعى دوماً، لفرض وضعية السيد والمسود. وهذا جعل حكام تلك الإمارات حذرين تجاه نوايا السعودية، ويكنون احتقاراً للمظهرية السعودية، وتدخلاتها الفظة. تبقى علاقة السعودية بفلسطين، التي كانت ولا تزال مصدر قلق وإرباك للنظام السعودي (حامي الحرمين)، والذي يحرجه أن يقف مكتوف اليدين، يرقب عبث الصهاينة بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وإلا فقد مصداقيته، وشرعيته. من هنا، فإنه من الأهمية بمكان للقادة السعوديين أن يبدوا حرصهم على المقدسات الإسلامية، واستعدادهم للذود عنها، وأولها فلسطين. لكن هذا يتطلب دعماً صادقاً وفعالاً للمقاومة الفلسطينية، وهذه تتزعمها عناصر ماركسية، أو مؤيدة لعبد الناصر ودعمها يعني دعم الخطر الذي يهدد المملكة. كذلك فإن أي دعم صادق وجدي للمنظمة، سيكون على حساب العلاقات الأمريكية ـ السعودية، التي ترى ضرورة إقناع العرب بأن إسرائيل حقيقة يجب التعامل معها، ذات وجود سياسي وكوني، وأمريكا لن تسمح بغير ذلك. لكن عدم تقديم العون، يجعل النظام السعودي، بما يملكه من سلاح خطير وفعال (النفط)، يظهر بصورة المساند لإسرائيل ضد العرب، في قضيتهم العادلة. فكان الحل الأمثل للخروج من المأزق هو إتباع سياسة معاداة إسرائيل في العلن، ولكن دون التورط عمقاً في دبلوماسية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حتى كانت حرب 1968، التي تعد نقطة انعطاف في الموقف السعودي. إذ لم يعد عبد الناصر ومؤيدوه يشكلون خطراً على آل سعود، كذلك فقد أضحت منظمة التحرير الفلسطينية، تضم فئات مختلفة، من يمينيين ومعتدلين وقوميين فبات من الممكن دعم المنظمة وإمدادها، بشكل جدي. هذا بالإضافة إلى تغير هام، جرى في الساحة العربية، إذا بدأ الميل لتبني الموقف الأمريكي يتجلى، شيئاً فشيئاً، فبدأ السعوديون بممارسة الضغوط على منظمة التحرير الفلسطينية، والأطراف العربية الأخرى، للقبول بالصيغة الأمريكية لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
ثانياً: علاقتها بالعالم الإسلامي
يرى (كوانت) أن محاولة آل سعود تبني فكرة الدفاع عن المقدسات، وحمايتها من انتهاكات الصهاينة، لا يضاهيها إلاّ محاولتهم تزعم العالم الإسلامي، وتأكيد سمعتهم كقاعدة للإسلام. إن هذا البعد الإسلامي للسياسة الخارجية السعودية، قد تعزز ببروز جار قوي، يشكل تحدياً لهم ولمفاهيمهم، إلاّ وهو إيران. فإيران لم تكن، يوماً، محلاً لثقة السعوديين، رغم معارضة شاه إيران للنفوذ السوفيتي في المنطقة، ودور قواته في التصدي للقوات العراقية، ونجاح حكمه الملكي الذي يدعم النظام السياسي لآل سعود، إلاّ أن هذا لم يلغ عجز السعوديين في التصدي للقوات الإيرانية، عندما استولت على ثلاث جزر صغيرة، تابعة للمشيخات العربية في الخليج العربي. ناهيك عن العجز عن التصدي للدعم الإيراني المستمر لإسرائيل، بما في ذلك إمدادها بمعظم احتياجاتها من النفط. وبعد الشاه، ابتليت السعودية بخطر أعظم، إذ أن آية الله الخميني ليس مجرد داعية للمذهب الشيعي فحسب، بل أيضاً داعية لتضارب الإسلام والملكية. وفي هذا كل الخطر على آل سعود. خصوصاً وأن هذه الدعوات لاقت آذاناً صاغية في منطقة القطيف فكانت أحداث عنف ودمار. ولكن لضعف النظام السعودي وهشاشة قواته، وانسجاما مع سياسته التوفيقية، فقد تبنى موقفاً متحفظاً تجلى بامتداح النظام الإيراني الجديد، لتبنيه الفكر الإسلامي، وتعاليمه. متجاهلاً [النظام السعودي] بذلك كافة التصريحات والدعايات الإيرانية.
ـ أما علاقة السعودية مع باكستان وأفغانستان وتركيا:
فهي تهدف، بالدرجة الأولى، للحد من الخطر السوفيتي عليها. فباكستان، عدا عن كونها من أكبر الدول الإسلامية، فإنها تلعب دوراً هاما واستراتيجياً، في منطقة الخليج العربي، إذ تشكل عازلاً بوجه التوسع السوفيتي وخصوصاً بعد غزوه لأفغانستان. أما أفغانستان، فقد أرعب السعودية غزو السوفيت لها، فبدأت بتقديم الدعم المالي لحركة المقاومة الأفغانية، وبهذا تورط للسعودية في السياسة الداخلية لأفغانستان. كما نشطت السعودية على الصعيد الدبلوماسي بتعبئة المشاعر، ضد الغزو، من خلال المؤتمر الإسلامي، المنعقد في كانون الثاني (يناير) 1980، في الباكستان، وقطعت علاقاتها مع حكومة كابول، منذ نيسان (ابريل) 1981. أما تركيا، فاهتمام السعوديين بها يعود إلى عوامل إستراتيجية، قبل كل شيء فتركيا عضو مهم في حلف الناتو، وإذا ما هدد الاتحاد السوفيتي الخليج العربي، فإن تركيا هي قاعدة مضمونة، للقيام بالرد الأمريكي، كما أنها ساهمت في المؤتمر الإسلامي، وتظهر تفهما لقضية العرب الحساسة (فلسطين).
ـ علاقة السعودية بالدول العظمى:
فيصل وكيسنجر واضعا اسس العلاقات الخارجية السعودية في السبعينيات والثمانينيات يشير مؤلف الكتاب: إلى أنه ما من دولة قادرة على تحديد سياسة السعودية ومستقبل علاقاتها، أكثر من الولايات المتحدة، ذلك بسبب متانة العلاقات القائمة بين النظامين، منذ العام 1945، والتي تأسست في اجتماع الرئيس فرانكلين روزفلت، والملك عبد العزيز، على ظهر المدمرة الأمريكية (لوفيسي)، الراسية حينها في البحيرات المرة بقناة السويس (1944)، وذلك (لرعاية المصالح المشتركة للبلدين)، وأولها النفط، ثم قضية فلسطين، بإيجاد (تسوية سلمية وعادلة لها). ولكن فات المؤلف الحقيقة التاريخية التي تؤكد أن هذه العلاقات، ما قامت لا لتعزيز المصالح الأمريكية في السعودية، ولتمتين سيطرتها على آبار النفط وعائداته، بمجرد أن اندفع موقع الامبريالية الأمريكية إلى طليعة المعسكر الاستعماري، خلال سني الحرب العالمية الثانية [1939 ـ 1945]. ورغم ما يراه المؤلف، من متانة في العلاقات، بين البلدين، إلاّ أنه يكشف النقاب عن مسألتين، طالما أثارتها جدلاً وإرباكا، بين الطرفين وهما: 1ـ مشكلة النفط. 2ـ مشكلة إسرائيل. فالولايات المتحدة تعارض سياسة السعودية النفطية، وتحاول جاهدة إقناعها بفكرة رفع معدلات الإنتاج، مع خفض الأسعار، وتحاول الولايات المتحدة إيهام السعودية بأن هذا سيعود عليها بعائدات ضخمة، ولكننا حتى الآن، نرى السعوديين، أميل إلى فكرة مسايرة (الأوبك) في الأسعار والإنتاج. أما بالنسبة لمشكلة إسرائيل، فإن السعوديين يعارضون بشدة، سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، لأن الأولى تعتبر الثانية حليفاً حقيقياً، ودائما لها، تتبناه وترعاه. فإسرائيل، حتى الآن، تعد خطراً كامنا ضد أمن المملكة، ومن جهة أخرى فإسرائيل لا زالت تحتل أرضاً سعودية، ذات أهمية إستراتيجية، منذ العام 1967، هي جزيرتا تيران وصنافير، الواقعتان على مضيق تيران، عند خليج العقبة. ورغم أن الملك فيصل كان واضحاً مع الزعماء العرب المتشددين، بعدم الخلط بين النفط والسياسة، مبينا لهم أن التجربة القصيرة في فرض الحظر النفطي، على حلفاء إسرائيل، في 1956 ـ 1967، كانت تجربة غير ناجحة، حيث إن منتجي النفط من غير العرب، كانوا قادرين على سد النقص في الإمدادات. لهذا، فإن ما يطمح إليه القادة السعوديون هو أن تساهم الإدارة الأمريكية في حل هذه المعضلة، باستخدام نفوذها، لدى إسرائيل، للوصل إلى اتفاقية سلم شاملة، تُنهي حالة التوتر في المنطقة!. لكن، هل هذه، فقط، نقاط الاحتكاك مع الإدارة الأمريكية؟ يجيب المؤلف، بشكل خجول، فيؤكد أن السعودية، ومنذ العام 1962، ترفض طلب أمريكا بوجود قواعد عسكرية أمريكية في الجزيرة العربية. وتوافق على وجود هذه القوات خارج حدودها. وأن يكون لها اليد الطولى في تطوير القوات السعودية، وتأهيلها، ولا شيء يمنع من أن تقوم، بين الفينة والفينة، بعروض عسكرية أمريكية في السعودية. وهذا كله نتاج عدم الثقة بالإدارة الأمريكية. فالسعودية تخشى من قيام القوات الأمريكية باحتلال منابع النفط، أثناء الأزمات. كما أن قواعد عسكرية أمريكية في الجزيرة العربية، تشكل ورقة بيد المعارضين للنظام، خصوصاً وأنه ينظر إلى الإدارة الأمريكية بأنها معادية للمصالح العربية والإسلامية هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع رفض طلبات السعودية للأسلحة الحديثة والمتطورة، خصوصاً وأنها تدفع كامل ثمنها. كما أنها لا تستطيع الموافقة، لأن هذا يتطلب إقناع أصدقاء إسرائيل في الكونغرس. أولاً وقبل كل شيء. كما أن الإدارة الأمريكية لم تُجمع، بعد، على أن السعودية صديق حليف للولايات المتحدة، مما يبرر دعمها لقواتها العسكرية، فلا زالت ذكريات الحظر النفطي، وزيادة الأسعار، والعداء لإسرائيل وصر السادات، تسهم في زعزعة صورة السعودية، أمام الرأي العام الأمريكي. وأخيراً، وحتى عندما توافق الولايات المتحدة على بيع أسلحة للسعودية، فإن ذلك لا يضمن علاقات سلسة في المستقبل، لأن الأمريكيين، ومن خلال سعيهم لتطوير الجيش وتسليحه، فإنهم يعمدون إلى إعادة تنظيمه حسب النموذج الأمريكي، الذي يعتمد على أركان موحدة، وعدة أسلحة. والسعوديون يرفضون هذه الطريقة لخطورتها على التوازن السياسي الدقيق للعائلة الحاكمة، ولأنها يمكن أن تسهل إمكان انقلاب عسكري. وتأسيساً على هذا كله، فإن (كوانت) يرى أن العلاقات السعودية ـ الأمريكية ستبقى قضية مركزية، خلال الثمانينيات، وذلك لأن أولوياتهما مختلفة، ودوافعهما السياسية متضاربة، في قضايا على درجة كبيرة من الأهمية. وحتى لو لم تختلف دوافعهما السياسية، فإن سياستهما لا يمكن أن تسير ضمن إستراتيجية واحدة، بحسب المؤلف، وذلك لاختلاف القيم، والميراث الحضاري للطرفين. ورغم جهود العديد من المسؤولين من كلا الجانبين، في تجميل العلاقات، فإن الطرفين يجدان صعوبة في التواصل مع بعضهما البعض وكنتيجة لذلك، فإن أخطاءً في الرؤية تحدث تكراراً، وينتج عنها اتهامات بسوء النية. وأخيراً، يقترح مؤلف الكتاب إدارة فعالة للعلاقات السعودية ـ الأمريكية، أخذة بعين الاعتبار الاقتراحات التالية: فهد بوش الاب استمرار المنهج في علاقات السيد بالعبد 1ـ إن السعوديين ليسوا قادة، فعلاً لكنهم يسهمون في تحقيق إجماع عربي، في أحسن الأحوال. 2ـ في ما يخص الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن على الولايات المتحدة ألا تضغط على السعوديين لتبني موقف علني في دعم المبادرات السلمية الأمريكية. 3ـ بالنسبة للقواعد العسكرية فهي ستعرض السعودية لضغوط سياسية، محلية وأجنبية، ولذا فعلى الإدارة الأمريكية أن تزيد من قدراتها في ردع التهديدات العسكرية السوفيتية الموجهة ضد الخليج، بوسائل أخرى، مثل وجود حاملتي طائرات في المحيط الهندي، بالإضافة إلى القوات الأمريكية في السعودية. 4ـ أما في ما يتعلق بالحظر على بيع الأسلحة، فعلى الإدارة الأمريكية أن تضع حدا لإثارة شهية السعوديين لأسلحة متطورة، ومتقدمة، تكنولوجيا، لاعتبارات سياسية داخلية في أمريكا. تبقى قضية فلسطين، وهذه تقتضي ـ برأي المؤلف ـ دفع إسرائيل إلى إنهاء حكمها العسكري للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والانسحاب التدريجي من الأراضي المحتلة، وفق ما جاء في قرار الأمم المتحدة رقم 242، وذلك لتطوير الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة والشرق الأوسط عموماً. بالإضافة إلى هذا، فإن هناك نقاطاً أخرى لا بد من ذكرها، وهي: عدم الخوف من بروز خلافات بين السعودية وواشنطن، مع ضرورة اللجوء إلى لهجة مناسبة في الحوار والتقليل من الضغط على السعودية للقيام بإصلاحات داخلية، مع عدم الاعتماد على المبعوثين، واعتماد سياسة الحديث المباشر مع المعنيين. ثم الابتعاد عن اللعب بتناقضات الأسرة، لأنه ليس هناك، حتى الوقت الحاضر، بديلاً مخلصاً للولايات المتحدة أكثر من الأسرة الحاكمة، برأي (كوانت).
ـ علاقتها بالاتحاد السوفيتي:
يرى الكاتب أن السياسة السعودية الخارجية تهدف، أساساً، للحد من النفوذ السوفيتي، ومحاصرة الأفكار الاشتراكية، ومنعها من اجتياز حدودها، والدخول إلى أراضيها. وقد تعمد الكاتب الإشارة في أكثر من موضع، إلى أن هدف الاتحاد السوفيتي هو مد نفوذه إلى الشرق الأوسط، باستخدام الصراعات المحلية، وأهمها قضية فلسطين. ورغم أن السوفيت كانوا أوائل الأمم التي أقامت علاقات طيبة مع السعودية، إلاّ أن انقطاع هذه العلاقات، قبيل الحرب العالمية الثانية، واستمرار هذه القطيعة بسبب خوف السعودية من المد السوفيتي في المنطقة، من جهة، ولهاثها وراء السياسة الأمريكية طالبة النصح والإرشاد، من جهة أخرى! حتى كانت مبادرة السادات، وما خلفته من أرباك للسعودية مع الإدارة الأمريكية، فكانت فرصة السوفييت للاقتراب أكثر من المنطقة، ومحاولة إقامة حوار مع السعوديين، الذين لا يرون في هذه المحاولة إلاّ طمع السوفيت في النفط السعودي وظلت هذه العلاقات ـ طوال الثمانينيات ـ دون التمثيل الدبلوماسي. ويرى الكاتب أن تبادل الدبلوماسيين سيكون لحظة اهتزاز العلاقات السعودية مع الإدارة الأمريكية، خصوصاً وأن السعودية قد سمحت للمعدات العسكرية السوفيتية بالمرور في الأراضي السعودية، في طريقها إلى العراق، منذ العام 1981. كما أن الطائرات التجارية السوفيتية تعبر الأراضي السعودية، في طريقها إلى اليمن الجنوبي. لكن فات مؤلف الكتاب أن يرى الفرق بين مأرب دولة إمبريالية، كالولايات المتحدة، ودولة اشتراكية، كالاتحاد السوفيتي. فوضعهما في سلة واحدة. لأن حقيقة الأمر، أن الاتحاد السوفيتي، وإن كان يُعني بالنفط، إلاّ أنه ليس بحجم اهتمام وعناية الولايات المتحدة به، فهو منتج ومصدر لهذه المادة. ولكن ما يعنيه، فعلاً، ويعطيه الأولوية هو العامل الإستراتيجي. فمنذ بداية الحرب الباردة، العام 1945، وهو يجتهد لكسر الستار الحديدي، الذي عملت الولايات المتحدة، جاهدة، لإبقائه [الاتحاد السوفيتي] داخله. وفيما بعد، بدأ الاتحاد السوفيتي يسعى لخلخة طوق القواعد العسكرية، الذي طوقته به الامبريالية العالمية. وفي هذا المنظور يمكن فهم تحرك الاتحاد السوفيتي، وعمله لتأمين خاصرته الجنوبية، أساساً. ومن جهة أخرى، فإن المفكر الاستراتيجي الذائع الصيت، (كوانت)، فاته رصد حركة الأحداث في الاتحاد السوفيتي، واكتفى برصدها في السعودية. ومن هنا عجز عن رؤية إمكان اقتراب الاتحاد السوفيتي من الغرب الرأسمالي، وبالتالي من السعودية. فكانت إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، خريف العام 1990 نتيجة لذلك.
أما علاقات السعودية مع أوروبا واليابان:
فهي حديثة العهد، وقد ولدت كبرهان على تحرر النظام السعودي واستقلاله الجزئي عن الولايات المتحدة. خصوصاً وأن وضع هذه الدول يمكنها من اتخاذ مواقف أقل عداء للعرب، فغدت هذه الدول مأوى للبترو دولار السعودي، ولكن رغم ذلك، فإن الحكومة السعودية لم تستطع إلاّ أن تكون حليفاً وصديقاً للولايات المتحدة. وبعد، فإنه يمكن القول، إن الكاتب درس الأخطار المحتملة على المصالح الأمريكية في العربية السعودية، والعلاقات الخارجية السعودية، وسياستها الداخلية، على ضوء الوضع الدولي السائد في الثمانينيات، والصراع بين القوتين العظميين، آنذاك. وإذا كان المؤلف، قد أفلح في رصد التطورات في السعودية، وتنبأ بآفاقها، إلاّ أنه أهمل التطورات في الدائرة المحيطة بالسعودية نفسها، من دول عربية وإسلامية؛ كما أهمل رصد هذه التطورات وآفاقها في أرجاء العالم عموماً، وفي الدولتين العظميين على وجه الخصوص، وما لهذه التطورات من تأثيرات ملموسة ومتفاوتة على حركة الإحداث في السعودية نفسها، ناهيك عن التأثير المتبادل لمجمل هذه التطورات مع التطورات داخل السعودية، مثلاً، تراجع قيادة الاتحاد السوفيتي عن الاشتراكية العام (1989)، وانتهاء الحرب الباردة بين الجبارين، وولادة النظام الدولي الجديد، ذي الاستقطاب الأمريكي الأحادي الجانب، بعد الاستقطاب الدولي، السالف، ذي الرأسين، السوفيتي والأمريكي، وما سيخلفه النظام الجديد من آثار، اقتصادية، واجتماعية، وسياسية، وعسكرية، وفكرية، في منطقتنا العربية، وبضمنها السعودية، مما يضعف تنبؤات (كوانت)، ويحتم عليه إعادة النظر في مجمل التنبؤات التي ضمنها كتابه. فرؤاه أحادية الجانب، وتنقصها الشمولية إلى حد بعيد. بقي أن نشير إلى المقدمة الضافية، والبالغة الدلالات التي قدم بها (سعيد سيف) هذا العمل الاستراتيجي، وهي مقدمة تليق بسيف، المناضل البحراني الذي يتولى الأمانة العامة للجبهة الشعبية لتحرير البحرين، منذ ما ينوف عن عقدين من السنين، وهو الذي قضى زهاء ثلاثين سنة في المشاركة النضالية، والفكرية، في شؤون الجزيرة العربية.
ارسال التعليق