السعودية من الحرب الطائفية إلى الناعمة لاحتواء العراق!! فهل تنجح
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيمما هو واضح للقاصي والداني، هو الدور السعودي في إسقاط النظام العراقي السابق نظام صدام، فالكل يعرف أن النظام السعودي ساهم مساهمة فعالة في تشجيع بوش الابن الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، عبر السفير السعودي السابق بندر بن سلطان، على إسقاط النظام العراقي، ثم وضعت السعودية كل إمكاناتها المالية والجغرافية والعسكرية والإعلامية في خدمة القوات الأمريكية الغازية للعراق، حتى إسقاط نظام هذا البلد!! بدلاً من أن يقف النظام السعودي إلى جانب الشعب العراقي لملمة جراحه، وتمكينه من النهوض والتخلص من ركام الفترة البعثية.. وبدلاً من ذلك وقف هذا النظام موقفاً معادياً لهذا البلد، وسخر كل إمكاناته وقطعانه التكفيرية والزج بها في الساحة العراقية لإثارة حرب طائفية طاحنة بين السنة والشيعة الذين هم أكثرية الشعب العراقي، ذلك تناغماً وتماهياً مع المشروع الأمريكي الصهيوني في العراق والذي يرتكز في أحد أركانه على إثارة هذه الحرب لطحن الأمة الإسلامية وتمزيقها والسيطرة على أشلائها الممزقة، واستعبادها واستعمارها وتمكين العدو الصهيوني منها، ليس في العراق وحسب بل في عموم البلدان الإسلامية، فالعراق كان النموذج الذي يراد تعميمه على كل المنطقة، وللأسف النظام السعودي كان الحربة في هذا المشروع، إذ سارع كما هو معروف إلى إثارة الخلافات بين السنة والشيعة عبر استحالة شخصيات وتشكيلات سياسية وأيديولوجية من الطرفين، وعبر تأسيس وإنشاء قطعان تكفيرية وهابية، دُعمت هذه القطعان بفتاوى مشايخ الوهابية السعوديين، التي أباحت قتل الشيعي العراقي، وعلى اثر ذلك انتشر القتل والتفجير والانتقام من الآخرين لمجرد انتمائهم إلى المذهب الآخر في كل زوايا العراق وزواريبه وكادت هذه الحرب أن تنهي هذا البلد وشعبه، حيث بلغت ذروتها عامي2006و2007م، والقصة معروفة، ولولا فطنة الشعب العراقي وفطنة قياداته الدينية من كلا الطرفين لتحقق ما كانت تخطط له أمريكا والصهيونية بفعل الدور السعودي المشبوه...
ولم يتوقف هذا الدور السعودي المشبوه بعد هذا الفشل، بل استمر بأساليب متعددة لا نحبذ تكرارها، ونرهق القارئ باستعراضها، لذلك نتجاوزها، لنركز على ما يقوم النظام السعودي الآن من التقرب إلى العراق، والتخلي عن سياساته السابقة، التي راهن فيها على إثارة الانقسامات، وتسليح الميليشيات ودفعها إلى التقاتل مع أخرى، أو عبر أساليب التفجيرات والقتل، والتدخلات الفجة في الشؤون الداخلية لهذا البلد، ولا نقصد هنا تخلياً نهائياً إنما تجميدها أي تلك الأساليب لحين توفر الظروف المناسبة للعودة إليها أن اقتضت الضرورة، على أي حال اليوم يركز النظام السعودي على الأساليب الناعمة في محاولة لتحقيق المآرب الشريرة له والتي كما قلنا عجز عن تحقيقها في استخدامه الأساليب الأخرى التي أشرنا الى بعضها.. ففي هذا السياق استقبلت السلطات العراقية قبل أيام وفداً سعودياً من مئة شخص يضم تسعة وزراء برئاسة الدكتور ماجد القصبي، وزير الاقتصاد والاستثمار السعودي، الذي أعلن عن منحة مالية من سلمان بن عبد العزيز مقدارها مليار دولار، لإقامة مدينة رياضية " لأبناء العراق كهدية منه "، وإقامة منطقة تجارية حرة عند معبر عرعر الحدودي بين البلدين، وكان قبل ذلك قد تعزز التحرك السعودي الانفتاحي على العراق بعقد القمة الثلاثية في القاهرة بين زعماء الأردن والعراق برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزيارة الملك الأردني عبد الله الثاني ورئيس وزرائه عمر الرزاز العاصمة العراقية قبل شهر، ومن المقرر أن يزور عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي الرياض في القادم من الأيام، لعقد اتفاقات اقتصادية وتجارية بين البلدين...
الانفتاح الاقتصادي والتجاري السعودي الجديد نحو العراق اقترن بعدة تطورات بالإضافة إلى ما ذكرنا من استخدام للأموال ومحاولة استقطاب الشخصيات والرموز العراقية و كسب ولائها بطريقة وأخرى ومنها ما يلي:
1ـ تهدئة الخطاب الإعلامي المعادي للعراق..فمنذ الانفتاح السعودي على العراق ولحد الآن نحت وسائل الإعلام السعودية، وكذلك المسؤولون السعوديون منحىً جديداً في التخاطب مع الحالة العراقية، إذ تخلت هذه الأوساط عن أساليب ثامر السبهان الفجة، السفير السعودي السابق في العراق، والوزير الحالي في الحكومة السعودية، وبدأت هذه الأوساط في التخاطب بأساليب الود ومحاولة استنهاض وتوظيف معاني ومصطلحات جديدة تكسب رضى العراقيين وودهم، وتؤمن الطريق نحو النفوذ إلى قلوبهم !
2ـ محاولة التقرب من المرجعيات الشيعية، ومن بعض الشخصيات الدينية المهمة والمؤثرة في المناخ السياسي في العراق ومحاولة اختراق هذه المؤسسات وهذه المرجعيات، بل أكثر من ذلك أن بعض علماء الوهابية أصدروا فتاوى جديدة تحرم قتل الشيعي واستباحة دمه في محاولة للإيحاء لدى العراقيين بأن السعودية في حالة مراجعة لنهجها السابق وتقوم بعملية تصحيح لهذا النهج! ذلك من أجل خداعهم واسترضائهم وبالتالي تحقيق الأهداف التي تصبو إليها من خلال كل هذا الجهد..
3ـ نشاط مكثف وملحوظ داخل الأوساط الشعبية العراقية، يقوم به جواسيس وحلفاء السعودية العراقيين، ويساعدهم فيه المغفلين والجهلاء من أبناء الشعب العراقي خصوصاً في المناطق الوسطى والجنوبية، فهذا النشاط تركز حالياً في تلك المناطق وتمحور حول تسويق وجه النظام السعودي وتزويقه وتحسينه في نفوس وفي رؤية العراقيين، عبر محاولات خلق محاسن للنظام السعودي تجاه العراقيين والعمل على غرسها في نفوسهم، وعبر محاولات تبرئته مما اقترفه في الأعوام الماضية من عمليات قتل وتفجير وتدمير وعدم استقرار سياسي واجتماعي، ولقد لاحظت بنفسي خلال زيارتي الأخيرة للعراق هذا الجهد الكبير وكيف أن النظام السعودي صرف الأموال الطائلة من أجل تسويق نفسه وتحسين صورته، لدرجة ان بعض الفئات الشعبية وللأسف انجرفت بهذه العاصفة، ونسيت ما قام به النظام السعودي، وما اقترفه من جرائم ومذابح بشعة بحق الأبرياء منهم.
4ـ تحرك لافت، ونشاط استثنائي للمحسوبين على النظام السعودي في الوسط العراقي السياسي، وحتى في الوسط الديني من أجل تعميق حالة الانقسامات السياسية، وتعزيز حالات التشرذم، والاختلافات السياسية بل والاجتماعية وحتى العرقية والمذهبية، فهناك دعم سعودي إماراتي ملحوظ لبعض الأطراف الكردية التي تتبنى نهج الانفصال عن العراق والاستقلال عن المركز بغداد.
5ـ نشاط ضخم وملحوظ، لأي زائر، لسوق الاشاعة بين أوساط الناس حول أخطاء المسؤولين العراقيين وتقصيرهم تجاه الشعب العراقي، وحول لصوصيتهم وعدم اكتراثهم بمصالح الشعب العراقي، ومحاولة تضخيم هذه الأخطاء وتحميل المسؤولين الشيعة الذين قادوا هذه الحكومات المسؤولية، وهنا لا أريد أن أدافع عن هؤلاء المسؤولين، هم فعلاً نهبوا وسرقوا ولم يعلموا لصالح الشعب العراقي لسبب وآخر، ولكن النظام السعودي وعملائه وعيونه في العراق وجدوا هذه الثغرات فرصة مناسبة لنفير الشعب العراقي من الحكومات التي يقودها أبناء طائفة معينة، لخلق مناخات سياسية واجتماعية لتحقيق أهداف ينسجم ما تريده الإدارة الأمريكية والصهيونية بالإضافة إلى النظام السعودي وبدون شك، أن أغلب العراقيين يعرفون ويدركون جيداً أن النظام السعودي لا يقوم بكل هذا الانفتاح والتقرب منهم لخاطر عيونهم، هم يعرفون انه مكلف من الولايات المتحدة لاحتواء العراق أمريكياً وتحييده عن الصراع الأمريكي الصهيوني مع المحور الايراني، لصالح أمريكا، هذا أولاً، وثانياً، محاولة النظام السعودي التخلص من الخطر الذي يشكله العراق المستقل والمتعافى في المنطقة، فهذا العراق المستقل والمتطور سيكون له دور في رسم وتحديد السياسات الإقليمية في المنطقة وسوف يكون نداً للنظام السعودي ما دام الأخير متماهياً مع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، ومسخراً لكل الإمكانات السعودية في خدمة هذا المشروع..
ولكن السؤال هو هل النظام السعودي سيحقق مآربه هذه المرة في العراق؟ عبر حربه الناعمة هذه؟
للأسف نقول هناك عوامل كثيرة في العراق، يمكن أن تسهل من مهمة النظام السعودي الآنفة والشريرة نذكر منها ما يلي:
1ـ معاناة الشعب العراقي وطول محنته، فهذا الشعب ومنذ التغيير عام 2003م أي سقوط النظام السابق، وهو يعاني الأمرين، من حرمان وتخلف ونقص موقع للخدمات، من كهرباء ومن حاجات أساسية، بسبب تقصير الحكومات المتعاقبة وفشل الأحزاب السياسية في تحقيق متطلبات الشعب الأساسية، فهذا الشعب الذي كان وقت السقوط قد فتح قلبه لهذه الأحزاب ولرموزها لسياسية، اليوم نجده يعتبر هذه الأحزاب نقمة عليه، ورموزها لصوص وسراق وبالتالي فأن هذه الفجوة التي ساهم الرموز السياسيون العراقيون في إيجادها بينهم وبين هذا الشعب بأخطائهم وأخطاء الآخرين، تشكل اليوم ثغرة كبيرة باتت تشكل مدخلاً للمتدخلين من أمثال النظام السعودي وغيره للتأثير على الأوضاع هناك بالشكل الذي يغير بالمصلحة العراقية بدون شك.
2ـ ثمة قلة وعي لدى بعض شرائح من الشعب العراقي يمكن أن تنطلي عليهم بعض الإشاعات، وبعض التحركات المشبوهة، وبالتالي تشكل هذه الفئة بيئة خصبة للأطراف المعادية للاختراق ولتمرير المخططات المعادية للشعب العراقي وللمنطقة ككل وهو ما تستفيد منه السعودية في عملياتها الاختراقية، وفي محاولاتها الاحتوائية لهذا البلد.
3ـ إن الشعب العراقي يعاني من مشكلة أساسية بسبب تفشي حالة الفقر بين أوساطه، نتيجة الحرمان ونتيجة فشل السياسات الحكومية، وتفاقم البطالة والعوز المادي، الأمر الذي جعل البيئة العراقية خصبة لاستقطاب ذوي العوز والفقراء وتجنيدهم لحساب أجندات خارجية وداخلية تعمل لغير صالح الشعب العراقي وصالح بلده، وبالتالي فأن ذلك سوف يسهل عملية الاختراقات الأمنية والاجتماعية التي يقوم بها النظام السعودي عبر عملائه وعبر مخابراته في داخل وخارج العراق...
4ـ يضاف إلى ما تقدم، أن الشعب العراقي ينسى بسرعة، وذاكرته مثقوبة، لأنه شعب بسيط للأسف ينسى بسرعة مشاهد المجازر المروعة التي اقترفها تكفيري السعودية الوهابيون بحقهم، ونسى الدماء الغزيرة التي سالت أودية في شوارع العراق وأزقته، على أيدي مفجري السعودية الإرهابيين بدعم سعودي أمريكي وبتمويل سعودي وتسليح أيضاً، ولذلك تشكل هذه الحالة فرصة سانحة للنظام السعودي للاختراق والتأثير على الوضع العراقي بأساليب جديدة..
ولكن رغم كل هذه الثغرات يأمل محبوا الشعب العراقي ويراهنون على الأكثرية الواعية منه، في قطع الطريق على تحركات النظام السعودي المشبوهة، وإفشال محاولاته الجديدة، كما أفشلت محاولاته السابقة.
ارسال التعليق