الشعوب هي من تصنع الطغاة فتضحى قرابين سهلة المراد
[حسن العمري]
* حسن العمري
سُئل أرسطو يوماً: من يصنع الطغاة؟، فرد على الفور قائلا: «ضعف المظلومين».
وأهم ما في الشعوب المظلومة في إستمرارية الظلم عليها هو صمتها وسكوتها على ما تعانيه من مظالم وحرمان للحريات التعبيرية والفردية ونقض للعدالة والمساواة، فتجعل من الحاكم قوة قمعية جبارة عنيدة فيما تضحى هي قرابين سهلة المراد من قبل أصحاب السلطة الذين لايرون القانون سوى في رغباتهم فيتحولون الى حيوانات مفترسة؛ تقدم على طبق الحاجة لشم رائحة الدم.- حسب وصف أرسطو: "الإنسان حينما يطبق القانون يسمو على الحيوان وحينما يبتعد عن القانون والعدالة ينحط ويصبح أقل من الحيوان".
"صناعة الطواغيت" لم ولن تتوقف منذ حتى قبل فرعون وهامان، ولن تتوقف عند آل سعود آل زايد وآل خليفة والبشير و.. ومن يسير في ركبهم ومن سيأتي بعدهم.. حيث سكوت الشعوب المظلومة هو الذي يصنع الطغاة ويسلطهم على رقابهم؛ وهنا يقول جبران خليل جبران: سكوتك عن ما لا يرضيك ، تنازلاتك الأولى ، تغاضيك عن ما أتعبك ، إخفاءك لرفضك ، تحملك ، كتمانك ، جميعها صلابة لم تؤلم أحداً سواك.
أعلنت وزارة الداخلیة يوم الثلاثاء أنها أعدمت 37 مواطناً بتهمة تشكيل ما وصفته خلايا إرهابية وإثارة الفوضى، موجهة للمعدومين تهم بالتواصل مع جهات خارجية معادية ومهاجمة مقار أمنية. دون أن تكشف عن ظروف المحاكمات ولا الادلة التي حصلت عليها لإدانة غالبية المتهمين. وقد تم تنفیذ عملیات الإعدام الدموية البشعة في 6 مناطق منها مكة والمدینة والریاض، وكذا فی منطقة القصیم التي یقطنها أهل السنة بشكل رئیسي، وفي المنطقة الشرقیة، حیث يقطنها اكثر الشیعة؛ ليبلغ عدد المواطنين الذين أعدمتهم السلطات السعودية منذ بداية العام 2019 غالبيتهم بتهم كيدية مزورة مزيفة الى أكثر من 100 مواطن من رجال الدين وطلاب ونشطاء ومتظاهرين سلميين كما هو الحال مع من أعدمتهم يوم الثلاثاء الماضي الذين كان بينهم أطفال ايضاً.
السعودية هي بلد الحريات المقموعة والبلد الذي يقتل مواطنيه دون محاكمة أو رادع قانوني، وما تشهده البلاد من إنتهاكات صارخة في مجال حقوق الانسان لتؤكد انها بلد لايطبق فيه إلا "قانون السيف" كما تقوم "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من الجماعات الارهابية في إعدامها للمعارضين لها؛ فهو إرهاب دولة وإرهاب نظام قائم على العنف والقمع لايحتمل أي شكل من أشكال المعارضة - وفق مراقبون حيث أكدوا أنه تم أعدام 600 مواطن سعودي خلال الفترة 2014 و2018، كان نصيب العام الماضي منها حوالي 153 إعداماً غالبيتهم "بقطع الرؤوس".
سجون المملكة لا تزال تكتظ بعشرات الآلاف من سجناء الرأي، حيث تكشفت تقارير الاستخبارات الغربية ومنظمات حقوق الانسان الدولية والأمم المتحدة وأمنستي تؤكد وجود أكثر من خمسة وثلاثين ألف معتقل سياسي في سجون آل سعود، يعانون شتى وسائل القمع والتنكيل ومن دون أي تهمة محددة أو محاكمات عادلة، لتغدو السعودية بذلك أشهر ممالك الرعب والخوف في العالم المعاصر؛ فيما مسلسل الإعدامات الفردية والجماعية قائم على قدم وساق، لم يعد هناك فرق ما دامت التهم شتی والنتيجة واحدة "الخروج على الولي"؛ فتاريخ المملكة حافل بالرؤوس المقطعة، وفق منظمات أممية وحقوقية وتقارير صحفية.
منظمة العفو الدولية رأت ان الإعدام الجماعي الذي نفذته الرياض قبل أيام ما هو إلا "مؤشر مروع على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات السعودية التي تستخدم عقوبة الإعدام، بشكل منتظم، كأداة سياسية لسحق المعارضة من الأقلية الشيعية في البلاد"، مشددة انها من الدول الخمس الأوائل في العالم التي تنفذ عمليات إعدام ضد المعارضين لأسباب تافهة حتى لم تتعد سوى مشاركتهم في تظاهرة سلمية مناوئة لسياسة ولي العهد.. الإعدام الجماعي بحق ناشطين من مكون معين تجاهلا قاسيا للحياة البشرية - وفق أمنستي، فيما وصف آخرون المجزرة الأخيرة "بأنها جريمة إرهابية عنصرية تم إرتكابها على أسس طائفية من قبل نظام إرهابي عائلي لايفقه شيئاً من حقوق الانسان".
هروب الطغاة الى الطغيان والعصيان والتمرد على القانون الإلهي ودستور البلاد والقرارات الدولية لايمكن أن يكون وليد قوة الحاكم المستبد لوحده وترويعه وتخويفه، بل إن ضعف الشعوب وخوفها وترددها في مواجهة القمع والظلم والتمييز والحرمان من أبسط حقوقها، بترويجها "همساً" للراعب والرقابة الأمنية وأن الجميع تحت المراقبة الشديدة حتى الهواتف والبريد الإلكتروني وشبكات الإنترنت و... فتسود ثقافة الخوف من البطش الذي يمكن أن يلحق بمن يفكر أو يحلم بما لا يريده "الدكتاتور" أو الطاغية، فيعيش الناس في رعب يُلجم ألسنتهم عن مناقشة أبسط قضايا المجتمع حتى لو كانت "زيادة حوادث المرور»" لربما يعد ذلك طعنا في النظام الحاكم الذي لم يستطع أن يقلل من نسبة الحوادث.
مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، أنتقدت بشدة المجزرة الأخيرة لأبن سلمان بحق العشرات من السعوديين المطالبين بالحرية واحترام حقوق الانسان في المملكة، بينهم 3 قصر، معربة عن قلقها الشديد عن مصير سائر المعتقلين السياسيين في ظل الصمت الدولي وفي مقدمته تلك الدول المتشدقة بالدفاع عن حرية الرأي وحقوق الانسان خاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا التي تزود السلطات السعودية بأجهزة ومعدات القمع وتدرب الضباط السعوديين على التعذيب وإنتزاع الإعترافات من المتهمين تحت السياط الكهربائية والتعرض للإنتهاكات الجسدية والتجاوز والتحرش الجنسي خاصة مع الأطفال والقصر.
نحن الذين نصنع الطغاة، نصنعهم بقوة الخوف الذي يسكن في قلوبنا وبالشكوك التي تحتل عقولنا وبالخنوع الذي يمتص وجداننا وبالكسل الذي يشل أطرافنا، والطاغية لا يولد من العدم وإنما يولد من رحم الجهل والفقر والمرض، وكما في قوانين التنمية إن الثراء يولد الثراء والتخلف يولد التخلف والطغيان ليس سوى شكل من إشكال إعادة إنتاج التخلف في النظام السياسي الحاكم المستبد الذي يكرس التخلف بدوره ويزيده رسوخا بقوة الطغيان وهو يستخدم سيطرته المطلقة لوأد مواهب التحرر وامكانات التقدم في شعبه قبل أن تبلغ سن الرشد ضمانا لاستمرار سلطانه - مراقب.
قد يتجاهل العالم مطالبك الحقة ويلتزم الصمت على مظالمك التي تعانيها بأموال بترولنا المنهوب، لكن آيات القرآن الكريم تساندك ما دمت مؤمن بعزيمة نفسك ومتؤكلً على الله سبحانه وتعالى: ''إن الله بكل شي عليم"، "وهو معكم أينما كنتم"، "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا"، "لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا".. ثم أن على الطغاة أن يعلموا "حين تعيق مجرى الدم في الشريان تكون السكتة، وحين تعيق مجرى الماء في النهر يكون الفيضان، وحين تعيق مستقبل شعب تكون الثورة" - فيكتور هوجو.
التاريخ عرف الكثير من الطغاة الذين تجبروا وظلموا وفجروا واستعبدوا وعاثوا في الارض فساداً كثيراً.. لكن هناك شيئاً وحداً يجمع كل الطغاة حتميتهم النهائية مهما تجبروا وظلموا واستعبدوا هي النهاية المأساوية الواحدة.. الكثير من الشعوب لا تعتبر ولا تأخذ تلك الحالات عبرة لها .
ارسال التعليق