دلالات وأبعاد استهداف البوارج السعودية
[ادارة الموقع]
لم يكن سهلاً على السلطات السعودية تلقي نبأ استهداف ناقلتي نفط لها في مياه البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب من قبل جماعة "أنصار الله"، خاصةً أن احد أهم أهداف الحرب المعلنة ضد اليمن: هو تأمين المضيق الذي يعتبر رابع أهم ممر تجاري دولي بعد مضيقي هرمز وملقا وقناة السويس؛ هذا ما قاله ولي العهد محمد بن سلمان في العام 2015.
السؤال اليوم كيف استطاعت جماعة "أنصار الله" استهداف هذين البارجتين بعد أكثر من ثلاث سنوات من اعلان الحرب ضدهم، وإلى أي مدى يهدد هذا الاستهداف حركة الملاحة في البحر الأحمر، وهل الاستهداف هو رسالة تحذير للسعودية ومن يحالفها في قصف اليمن أم هناك أبعاد اخرى؟!، ومن يضمن أن يكون الاستهداف الأخير لبوارج المملكة؟!.
أولاً: لا يشكل قصف البارجتين خسارة محدودة الأبعاد للسعودية بل يمكن اعتباره انتصار علني لجماعة "أنصار الله" على قوات التحالف التي تقودها المملكة بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على استهداف اليمن في شرقه وغربه وشماله وجنوبه، وما تأكيد السلطات الإماراتية والسعودية على صحة خبر استهداف البارجتين وإعلان شركة أرامكو تعليق إرسال جميع شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب إلى أن تصبح الملاحة خلال مضيق باب المندب آمنة، وذلك بشكلٍ فوري، إلا خير دليل على عجز قوات التحالف وغرقها حتى النخاع في مستنقع اليمن والدخول في ورطة لا حدود لنتائجها وتردداتها على اقتصاد المملكة وسمعتها وسياستها الخارجية.
ولكن هل يتوقف الامر عند هذا الحد؟!، بالطبع "لا" فالحوثيين يريدون الذهاب أبعد من ذلك في استهداف موانئ دول التحالف العربي، هذا ما توعدون به، وذلك في أول تعليق للجماعة على استهداف ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر الخميس،وقال القيادي البارز في جماعة الحوثيين باليمن، محمد علي الحوثي، إن "قدراتهم البحرية قادرة على الوصول إلى موانئ بعض الدول المشاركة في العدوان"، وفق تغريدات نشرها عبر حسابه في موقع "تويتر".
ثانياً: ولي العهد محمد بن سلمان قد يستخدم استهداف البارجتين في شقين لصالحه:
الشق الأول: يتمثل في التحريض ضد ايران من جديد، على اعتبار أنها الداعم الأساسي لجماعة الحوثي كما تدّعي السلطات السعودية، وبالتالي ايجاد تبرير جديد لمحاصرة ايران اقتصاديا، ولكن إن كان الأمر كما تدّعي المملكة لن يكون الأمر في صالحها في حال نفذت ايران تهديداتها في اغلاق مضيق هرمز، خاصة أن باب المندب ايضا أصبح تحت مرمى الصواريخ اليمنية، وبالتالي التحريض ضد طهران من جديد قد يحاصر اقتصاد المملكة ويضر بهيبة واشنطن في المنطقة إن لم نقل أنها فقدتها أساساً.
الشق الثاني: استثمار الحدث لكسب تعاطف دولي في الحرب ضد اليمن كانت قد خسرته بعد كم الجرائم التي نفذتها قوات التحالف بحق المدنيين العزل وحالة الجوع والفقر التي أغرقت بها اليمن على مدى ثلاث سنوات، ناهيك عن عجزها مؤخرا في السيطرة على ميناء "الحديدة" وتوقف هجومها هناك بسبب عجزها عن احراز أي تقدم وسقوط أعداد كبيرة من جنودها هناك، وبالتالي يمكن أن يعول بن سلمان على استثمار الحدث لصالحه وكسب دعم دولي من جديد يساعده في حفظ ماء وجهه، ولكن ما عجز عن تحقيقه في 3 سنوات هل يستطيع أن يحققه الآن؟!.
ثالثاً: أصبح اليوم من الصعب جداً على الأمير الشاب محمد بن سلمان أن يعيد هيبة المملكة إلى سابق عهدها، لان حجم الأخطاء التي ارتكبها خلال الأعوام الماضية تنبأ بمستقبل محفوف بالمخاطر للمملكة، والأرقام تتحدث عن ذلك، فعلى سبيل المثال الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة العربية السعودية انخفض إلى 1.4 مليار دولار في عام 2017 بعد أن وصل إلى 7.4 مليار في عام 2016، وذلك بحسب ما تفيد به أرقام جديدة صادرة عن الأمم المتحدة، مع العلم أنه كان قد وصل إلى 18.2 مليار دولار قبل عقد من الزمن، ووصلت نسبة البطالة إلى 12.9 بالمئة في الربع الأول من عام 2018 – وهي النسبة الأعلى على الإطلاق التي تسجل في البلاد حتى الآن، وحسب ما ورد في تقرير نشرته صحيفة ذي فاينانشال تايمز، قلص الأثرياء السعوديون استثماراتهم داخل المملكة، بل وبدأ بعضهم في نقل أموالهم إلى الخارج؛ تحسبا من ارتفاع نسبة الضرائب.
بعد كل هذه الخسارات المتتالية يأتي اليوم استهداف البارجتين بمثابة صفعة قوية على جبين التحالف، الذي عجز عن تحقيق أي نصر حتى اللحظة ويتم استهداف دوله ويتدهور اقتصاده والأمور تتجه نحو التعقيد أكثر، والأيام المقبلة ستشهد اصعب اختبار لولي العهد، وسنرى كيف سيتعاطى مع واقع الأمر.
ارسال التعليق