سوليفان ومحمد بن سلمان والرسائل التي لم تكن في الحسبان
[حسن العمري]
* حسن العمري
الإعلام السعودي لم يكشف تفاصيلاً كثيرة عما دار في اللقاء الذي جمع مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" وولي العهد محمد بن سلمان في نيوم قبل ايام، لكن وسائل اعلام امريكية سربت خبرا مقتضبا نقلاً عن مصدر في البيت الأبيض أشار الى مبعوث أن بايدن كان يحمل عدة رسائل تحذيرية للرياض ما لم تلب طلبات واشنطن بأسرع وقت ومنها العمل الجاد لإنهاء الحرب على اليمن والعمل على خفض أسعار النفط المرتفعة، ما تطلب حضور حشد من كبار المسؤولين السعوديين منهم خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع، ووزير الداخلية الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووزير الحرس الوطني الأمير عبد الله بن بندر، وآخرين وهو أمر غير مسبوق.
الأمر هذا كان واضحاً وجلياً وفق بيان وكالة الأنباء السعودية "واس" والتي أشارت الى تأكيد ولي العهد السعودي خلال لقائه سوليفان على مبادرته لإنهاء الصراع في اليمن، والتي تتضمن وقف إطلاق نار شاملاً تحت مراقبة الأمم المتحدة، ودعم المقترح الأممي بالسماح لدخول سفن المشتقات النفطية الى ميناء الحديدة، وكذا فتح مطار صنعاء الدولي للرحلات منه واليه، وبدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل الى حل سياسي - وفق تعبيره.. والذي سرعان ما واجه رفض اليمنيين وعلى لسان كبير مفاوضيهم محمد عبد السلام بقوله "الاقتراح السعودي لا يتضمن جوانب جديدة، لكننا مستعدين لمزيد من المحادثات مع الحكومات في الرياض وواشنطن ومسقط في عُمان؛ من أجل التوصل الى اتفاق سلام صحيح.. ان فتح الموانئ والمطارات حق وجودي للشعب ولا ينبغي إساءة استخدامه كشرط لإبرام الاتفاقيات".
مراقبون للعلاقات الأمريكية السعودية يشيرون الى أن هناك سبب كبير وراء أختيار بايدن لسوليفان الموقع على خطاب حشد له السيناتور بيرني ساندرز في أكتوبر/تشرين الأول 2019، يحث الكونغرس على إنهاء أي مشاركة امريكية في الحرب السعودية على اليمن، في هذه المهمة وبهذا الوقت يرسل من خلاله رسائل عديدة للسلطة السعودية، خاصة وأن الزيارة تزامنت والتعديل الذي تقدم به النائب الأمريكي رو خانا على قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي بإنهاء كل أنواع الدعم الأمريكي للأعمال العسكرية السعودية ضدالحوثيين في اليمن، والذي وافق عليه مجلس النواب الأمريكي- وفق سياسة العصا والجزرة التي لطالما استخدمتها واشنطن مع عملائها وحلفائها في المنطقة الخليجية كلما اقتضت الأمور لإبتزاز جديد.
المسؤول الأمريكي أكد أن سوليفان ذكّر ولي العهد والمسؤولين السعوديين بأن بايدن جاد بشأن البيان الذي أدلى به خلال خطابه الأول فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهو أن الولايات المتحدة عازمة على إنهاء أي دعم للعمليات العسكرية السعودية الهجومية في اليمن، ومنها مبيعات الأسلحة ذات الصلة وكذلك إيقاف دعم الصيانة والتزويد بقطع الغيار للقوات الجوية السعودية، التي تعد ثلاثة أرباع طائراتها أمريكية الصنع، مشيراً الى استياء الكونغرس من تواطؤ البيت الأبيض المستمر في الحرب السعودية على اليمن.
سوليفان ليس المسؤول الأمريكي الأول الذي يضحك على ذقون آل سعود ببيعهم وعوداً وهمية معسولة حيث فعل غريمه جاريد كوشنر من قبل ذلك وأمكن ترامب باستحلاب سلمان ونجله مئات مليارات الدولارات دون جدوى.. فهم يرون في نظام آل سعود وأخواته الخليجية ومصر والأردن والمغرب شوقهم اللامتناهى لسماع مثل هذه الوعود الوهمية الكاذبة ليشفي غليلهم ويتبجحوا على خصومهم من أن الحليف لا زال يدعمهم ويدفعون من أجل ذلك عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما باعه سوليفان ايضاً خلال جولته هذا لكل من مصر بوعده دعم واشنطن للقاهرة بخصوص سد النهضة، وكذا لأبوظبي بدعمها أمام ايران مثلما وعد الرياض الدعم بمواجهة القوة الصاروخية والمسيرات اليمنية في الوقت الذي سحبت حكومته جميع بطاريّات صواريخ "باتريوت" و"ثاد" من المملكة.
تصريحات متناقضة غريبة مراوغة وغير مقنعة ولا تنسجم مع الحقيقة في أبسط صورها واقلها والتي تزامنت مع دعوات أوروبية متعددة وإلحاح أمريكي عجول لعودة طهران الى طاولة المفاوضات النووية خلافاً لرغبة الحلفاء في الشرق الأوسط الكيان الصهيوني والسعودية والإمارات المعارضون بشدة لمثل هذا الاتفاق الذي الغاه دونالد ترمب عام 2018- وفق وكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" التي اشارت الى أنه كيف الوفق بين استعداد أمريكا للدّفاع عن الأراضي السعودية ضد التهديدات “كافّة”، والدفع نحو حل سياسي لإنهاء الحرب علي اليمن وفق تصريحات سوليفان بعد لقائه محمد بن سلمان وحشد من كبار آل سعود في نيوم قبل أيام؟.
وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية كشفت النقاب من أن زيارة سوليفان في هذه الظروف البالغة الحساسية كانت تحمل رسالة تهديد لولي العهد بخصوص ضرورة العودة الى الحكمة والحنكة وإنهاء سياسة الطيش والرعونة والعداء مع دول الجوار وتهيئة الظروف لتعافي الاقتصاد الإقليمي وكذا قضية حقوق الانسان في الداخل السعودي، ثم احراج محمد بن سلمان أمام الحضور عند سؤاله حول مصير عمه أحمد بن عبد العزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف وأحد أبناء عبد الله، ما أربك الولد المدلل كثيراً وخلط أوراقه وأخافه من أن هناك مساعٍ مؤكدة بإزالته من منصبه والإتيان بأحد هؤلاء المطروحة أسمائهم لتولي قيادة السلطة الحاكمة عما قريب أو في حالة وفاة والده سلمان.
لا يختلف أثنان أن العلاقات الأمريكية السعودية شهدت فترة فتور غير مسبوقة منذ بدء عهد جو بايدن توجت بإزالة انصار الله من قائمة الارهاب، ثم الضغوط المتوالية على الرياض لإنهاء العدوان على اليمن وحل الأزمة سلمياً وهو مطلب حوثي في الصميم ما دفع نحو انصياع المهووس بالعرش للركون الى رغبة راعي البقر وترحيب الرياض السريع بتعيين مبعوث أميركي الى اليمن ضمن المطالبين بانهاء هذه الأزمة البشرية التي تعيش عامها السابع وحصيلتها عشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى وتدمير كامل البنى التحتية لليمن في مختلف القطاعات وسط حصار قاتل مميت وسوء تغذية يعاني منها أكثر من عشرين مليون شخص غالبيتهم من الأطفال.
الرسائل التي حملها سوليفان معه الى ولي عهد سلمان زادت الطين بلة والأمور تعقيداً وسط استمرار هول السلطة السعودية من الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان إستعداداً للانسحاب من العراق بحلول نهاية العام الجاري، ثم تقليص عديد القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة الخليجية، والذي بات يورق الأسرة الحاكمة في ظل تهور القيادة للمملكة والدخول في حروب عديدة بالوكالة أذهب خزانة البلاد وما يملكه العباد مهب الريح دون جدوى تذكر، ويشير الى احتمال قرب نهاية اتفاق "الحماية مقابل النفط" المعقود بين المؤسس لسلطة الأسرة الواحدة عبد العزيز والقيادة الأمريكية عام 1945، خاصة وأن النظام السعودي وفي ظل سطوة محمد بن سلمان بات غير قادر على العيش والاستمرارية بلا حماية داخلياً وخارجياً حيث تربص الأعداء يبدأ من داخل القصور الملكية وينتهي عند القضية الفلسطينية.
ارسال التعليق