في بلدي.. الهجين يقبض على السلطة والأصيل معتقل لحبه للوطن
[حسن العمري]
بقلم: حسن العمري
لعل الكلام مثير للإستغراب ويعده البعض مجافياً للحقيقة في بعض جوانبه، لكنه الحقيقة بذاتها ولست بصدد التكبير وبيع الأوهام للذين لا يعرفون حقيقة سلطة آل سعود على رقاب شعبي المظلوم.. منذ حتى قبل موجة الربيع العربي التي إجتاحت الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة 2011، بسنوات طوال والناشطون ودعاة الحق والمساواة والعدالة والتغيير يتعرضون لـ"مضايقات ممنهجة وواضحة"، لسبب نضالهم الدائم من أجل الإصلاح في المملكة ودفاعاً عن حرية الرأي.
كان من عادة العرب فى الجاهلية إذا تكاثر الخيل وأختلط عليهم الأمر وأصبحوا لا يفرقون بين الخيل العربي الأصيل والهجين جمعوا الخيل كلها في مكان واحد ومنعوا عنها الأكل والشراب وأوسعوها ضرباً وبعد ذلك يأتو لها بالأكل والشراب، فينقسم الخيل الى فريقين فريق يهرول الى الأكل والشراب بمذلة لسد جوعه والبقاء على قيد الحياة، وفريق يأبى أن يأكل من اليد التي ضربته وأهانته هنالك يعرفوا الأصيل من الهجين... والمصيبة أن غالبية أبناء شعبي لا يزالون يعيشون السبات العقلي مهرولين وراء الهجين طمعاً بالعيش بمذلة وهوان.
سجل طويل للسعودية في مجال إنتهاكات حقوق الانسان لا يخلو أي تقرير لمنظمة العفو الدولية أو أياً من المنظمات الدولية والعالمية والاقليمية، لتأتي المملكة في مقدمة البلدان المنتهجة لسياسة الاعتقالات التعسّفية والاحتجاز بلا محاكمة وإجراءات المنع من السفر والمحاكمات السرية والتعذيب المبرح والإعتداءات والتحرش الجنسي بالمعتقلين من كلا الجنسين دون إكتراث، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة والبسيطة حتى في مجال المنع المتعمد من معالجة المرضى أو الحد من تفشي الأوبئة المعدية فيما بينهم.
حساب "معتقلي الرأي" كشف من أن "داء الجرب" أنتقل بين المعتقلين السياسيين ونشطاء الرأي البالغ عددهم أكثر من 2613 معتقلاً تم إعتقالهم بعد ايلول/سبتمبر الماضي يقبع غالبيتهم في سجون المباحث، ويعاني قسم منهم من ظروف صحية صعبة. تزامناً مع ذلك أعلنت السلطات السعودية أنها انهت التحقيقات مع عدد من "معتقلي الرأي"، مشيرة الى أنها تعمل حالياً على إعداد اللوائح ضد المتهمين لإحالتهم الى ما أسمتها "محكمة الإرهاب الجزائية المختصة".
سنون طويلة تمرّ على أعتقال نخب الوطن من علماء ودعاة وناشطين وحتى متظاهرين سلميين لا ذنب لهم ولا تهم ومسببات قانونية تستدعي لإعتقالهم قابعين في سجون آل سعود، سوى مطالبتهم بالعدالة والتغيير والمساواة وحرية الرأي والتعبير فيما السلطة الجائرة تحاكمهم سراً معتبرة إياهم إرهابيين!!، فيما هي ذاتها من أسست للإرهاب التكفيري الطائفي ودعمته بالمال والسلاح والأفراد والفتاوى الإجرامية وجهاد النكاح يطلق سراح كل مجرم عتيد للإلتحاق بركب خيول "المجاهدين" ووعاظ السلاطين تحشد شبابنا وتلعب بعقولهم للسباق من أجل حور العين والجنة المزيفة التي صنعوها ووعدوها لهم، فكانت الطامة الكبرى أن يحتل السعوديين المرتبة الأولى في الجماعات الإرهابية التي تعيث الفساد في البلاد والعباد والحجر والبشر بالبلدان الاسلامية.
السلطات السعودية أعلنت إنتهاء ما سمّتها "التحقيقات" مع معتقلي حملة رمضان وقرب إحالتهم الى محكمة الإرهاب "الجزائية المتخصصة"، أولئك الذين تم إعتقالهم خلال حملات تعسفية كبرى مطلع سبتمبر/ايلول 2017 (حملة رمضان وما بعدها) أي بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بشهرين فقد، شملت العشرات من علماء الدين والدعاة والنشطاء والأكاديمين وأمراء بلغت أكثر من (250) شخصاً - حسب إحصائيات مراكز حقوق الانسان الدولية وفي الحجاز وشبه الجزيرة العربية؛ ما أثار قلق وذعر المنظمات الدولية لحقوق الانسان بأن يحاكم النشطاء والناشطات وحتى المتظاهرين المسالمين الذين تم إعتقالهم في المنطقة الشرقية والمدينة المنورة تحت يافطة "مكافحة الإرهاب".
أكثر من 50 منظمة حقوقية للمجتمع الدولي تتقدمهم منظمة العفو الدولية هيومن رايتس ووتش والجمعية الفرانكفونية والأمريكية والأوروبية وغيرها، دعت الحكومات العالمية خاصة ذات الصلة الوثيقة والقريبة من الأسرة الحاكمة في المملكة لها تأثير كبير على سلمان ونجله الأرعن، الى تدخل سريع وعاجل تدخلاً للإفراج عن معتقلي الرأي والنشطاء وفي مقدمتهم الناشطات الـ17 العاملات في مجال حقوق المرأة السعودي من بينهم "لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة اليوسف ومحمد الربيعة وعبد العزيز المشعل" ومن قبلهن "أسراء الغمغام"، المهددات والمهددين بالإعدام حرابة بذريعة "الخروج على الولي الحاكم"، لإطلاق سراحهم والسماح لمراقبين دوليين بالوصول إليهم.
المنظمات الحقوقية الدولية كشفت في رسائلها الى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن الناشطين السعوديين يحالون الى القضاء بتهم "الإرهاب" وقد تعرّضوا لسوء معاملة وللتعذيب وتحرش جنسي، فيما شددت مديرة حملات منظمة العفو الدولية في الشرق الأوسط سماح حديد إنه"يفترض أن يفرج عنهم بالنظر الى نضالهم السلمي وليس أن يكونوا موضع محاكمة"، أما الجمعية الفرانكفونية فقالت: ما "يثير شكوكاً ومخاوف حول ظروف الاعتقال والتحقيق التي أدّت الى اعتراف النشطاء بالتهم المنسوبة إليهم".
حملة رمضان والتي كانت بداية لحملات اعتقالات لما وُصف بالعام الأسوأ في تاريخ حقوق الإنسان بالمملكة، كانت قد بدأت باعتقال الداعيتين سلمان العودة وعوض القرني، لتنطلق بعدها حملة الاعتقالات بسرعة كبيرة وتشمل رموزا إسلامية بارزة من قبيل الأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والشيخ سفر الحوالي، فضلا عن ناشطين وناشطات ليبراليات؛ لتشمل المئات من رموز ونخب بلاد الحرمين الشريفين من تيارات الإصلاح والصحوة من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحفيين وشعراء وروائيين ومفكرين وأساتذة الجامعات الحكومية، بينهم أكثر من 60 عالماً وداعية، و25 صحفيا، و20 ناشطا حقوقيا، و10 محامين؛ لم توضح السلطات الحاكمة مصيرهم بعد ولم توجّه لهم تهماً أو محاكمات علنية لهم حيث حب الوطن هو أكبر تمة يحاكم عليها المعتقلون جميعاً بشتى صنوفهم الاجتماعية والمناطقية والاعتقادية.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" قالت في تقرير لها، إن السلطات السعودية نفذت في 2018 موجة اعتقالات ضد معارضين ونشطاء حقوقيين ورجال دين مستقلين فيما يبدو أنها حملة منسقة، أما رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي فقال من جانبه أن استمرار "القمع السعودي دليل على طبيعة الحكومة". خاصة خلال العامين الماضيين من العهد السلماني حيث شهدت المملكة أكبر حملة اعتقال طالت المئات من الذين حاولوا التعبير عن رأيهم الذي يعارض ما تشهده السعودية من تغييرات، وسط مطالبات حقوقية (دون جدوى) بالكشف عن مصيرهم وتوفير العدالة لهم.
ناشطون سعوديون أطلقوا تزامناً مع خبر محاكمة النخب في "محاكم الإرهاب"، وسماً (هاشتاغ) على "تويتر" "الشعب فقط #هو_الوطن فقط وليست الحكومة أو العائلات المالكة"، يعرفون فيه المعنى الحقيقي للوطن خلافاً لما ذهب ويذهب اليه الكثير من أبناء شعبنا لسبب ما رسخه المعنيين في إذهانهم، في إشارة الى السلطات الدينية والسياسية الحاكمة في المملكة والتي تعرف الوطن بالأمراء والملوك والمسؤولين "الشعب دروع لآل سعود إن رضوا". وقد نشر عبد الله، نجل الشيخ المعتقل في السجون السعودية سلمان العودة، أغنية جديدة حملت عنوان الوسم ذاته، وهي جزء من أغنية شعبية قديمة رُسخت في أذهان المجتمع.
ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى دخول عميد المعتقلين السياسيين في المملكة "سعود عبيد القحطاني" عامه الـ28 (اعتقال في 1991 في المدينة المنورة)، دعونا لاننسى الآلاف من أبناء جلدتنا ووطننا العزيز وهم يقبعون منذ عقود طويلة وراء القضبان في سجون آل سعود لاذنب لهم سوى المطالبة بأبسط حقوقهم المشروعة في القانون الدولي والدين الاسلامي الحنيف، من علماء ومشايخ ومفكرين ومتظاهرين مسالمين، دون أن يتلقّوا محاكمة أو معاملة تحفظ لهم كرامتهم التي امتهنها سجّانون يسومونهم سوء العذاب.. وأنه نحن من سمح للهجين بالقبض على السلطة وسجنه للأصيل لحبه للوطن.
ارسال التعليق