كيف تحولت رؤية بن سلمان إلى مشكلة بعد أن كانت حل؟!
[ادارة الموقع]
لم تصل "رؤية 2030" التي أطلقها ولي العهد محمد بن سلمان والتي اعلن ان غايتها تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط، إلى مرحلة يمكن من خلالها للمواطن أن يتيقن ويطمئن من المنهجية والاستراتيجية التي تُبنى لبلاده بأيدي شابة شكلت ضعف الخبرة لديها "حجر عثرة" أمام الطموحات والآمال التي كان يحلم بها كل شاب .
وبناءا على أحدث بيانات نشرها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإن الاقتصاد السعودي "ينكمش نسبياً" في ظل تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة في البلاد إلى أدنى مستوياتها في 14 عاماً، وذلك رغم تغييرات اقتصادية تستهدف زيادة تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.
وتوضح بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، انكماش تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.4 مليار دولار في 2017، من 7.5 مليارات دولار في 2016. وتفيد بيانات "الأونكتاد" بانكماش تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الإمارات بنسبة 11 بالمئة؛ فيما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر في سلطنة عمان بنسبة 9 بالمئة إلى 1.9 مليار دولار.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره بشأن الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، العام الماضي، إن المملكة العربية السعودية "بحاجة لأن يكون متوسط سعر برميل النفط، في 2018، عند 70 دولارا لبلوغ نقطة التعادل".
ومن هنا يمكننا القول وفقا لهذه الأرقام بأن السعودية تأخرت عن اقتصادات أصغر منها بكثير من حيث القدرة على اجتذاب الاستثمارات الدولية، إذ إن سلطنة عمان مثلا استقطبت استثمارا أجنبيا مباشرا بقيمة 1.9 مليار دولار في عام 2017، كما اجتذب الأردن 1.7 مليار دولار.
من جهته يعلق الكاتب دومينيك دادلي في مجلة فوربس على الأرقام التي سجلتها السعودية بالقول إنها ستكون مقلقة لصانعي السياسة في الرياض، إذ إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد جعل من مسألة اجتذاب المستثمرين الأجانب أحد عناصر خطته الطموحة للإصلاح الاقتصادي.
ويتابع دادلي أن كل أفكار ابن سلمان -من إنشاء مدن جديدة وفتح أسواق للسياحة والترفيه وتخفيف قيود الملكية الأجنبية للشركات المدرجة بالبورصة السعودية- تعتمد على إقناع المستثمرين الأجانب بجلب أموالهم إلى المملكة.
ويختم قائلا إن "النزعات الاستبدادية" للنظام السعودي قوضت في بعض المرات ثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين على السواء، مشيرا إلى اعتقال عشرات من الأمراء ورجال الأعمال الكبار في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، واعتقال ناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان مؤخرا.
الاعتماد على النفط
عندما طرح بن سلمان "رؤية 2030" كان يأمل بأن تتمكن المملكة أن تعيش في عام 2020 دون حاجة للنفط، وأضاف حينها أن المملكة تعيش الآن "حالة إدمان نفطية"، واصفا ذلك بالوضع الخطير. ولكن هل حقا تستطيع السعودية أن تعيش دون الاعتماد على النفط خلال العامين المقبلين؟!.
لم يفعل الأمير الشاب أي شيء يوحي بأن هذا الطرح سيتحقق في المستقبل القريب، لا على المستوى السياسي ولا الاقتصادي، وما فعله كان مجرد محاولات لإثبات الذات وتعبيد الطريق إلى الحكم عبر إطلاق مشاريع فضفاضة لا امكانية لتحقيقها في ظل الحفاظ على نفس المنهج القمعي والاستبدادي الذي أفقد الجميع "الثقة" بالملك القادم من أبناء البلد نفسهم وصولا إلى المستثمرين الذين كان من المفترض جذبهم لا ابعادهم عن الممكلة من خلال استخدام سياسات طائشة وغير مجدية ولا تخدم المصلحة العامة.
وانظلاقا من هذا الكلام يمكننا القول بصراحة مطلقة بأن النفط سيبقى الممثل الأكثر أهمية، بل اللاعب الوحيد في الاقتصاد السعودي، ووفقاً للبنك المركزي السعودي (SAMA)، في عام 2017 ، فإن 92٪ من الميزانية العامة للحكومة السعودية تأتي من الدولارات المكتسبة من مبيعات النفط.
ومن خلال القاء نظرة على الأرقام المسجلة في الميزان التجاري للسعودية في قاعدة بيانات الاقتصاديات التجارية Trading Economics، يمكننا ان نقرأ أنه في العام الماضي 97٪ من سلة صادرات المملكة كانت مخصصة للمنتجات البترولية، في الوقت نفسه تقول رؤية بن سلمان أنه في العام 2030 سيكون 50% من الصادرات السعودية منتجات غير نفطية.
في ظاهر الأمر أن بعض نقاط الضعف الهيكلي في الاقتصاد السعودي، والتي خبأتها عائدات النفط الضخمة في العقد الماضي، لم يعد بالإمكان اخفائها الآن مع تأرجح اسعار النفط، وبالتالي كانت "رؤية 2030" احد الخطط المطروحة لتغطية هذا الضعف، ولكن ما حدث كان صادما، فقد فضحت رؤية بن سلمان هشاشة الاقتصاد السعودي من حيث التخطيط والاستراتيجية.
ولكي تتمكن السعودية النجاة من فشل بن سلمان في انقاذ بلاده اقتصاديا، يتطلب ذلك تحقيق أهداف خطة التنمية السعودية، عبر تنفيذ إصلاحات حقيقية لا وهمية في مختلف الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. الإصلاحات الحالية التي يدّعي بن سلمان تنفيذها غير مجدية فهي بعيدة كل البعد عن محور الديمقراطية، ومن هنا أصبحت رؤية بن سلمان عبء بعد أن كان المقرر لها ان تكون حلا للبلاد في المستقبل البعيد.
ارسال التعليق