كيف حوّل بن سلمان المملكة إلى سجن "مُرفه إعلاميا" وأضاع المفتاح
[ادارة الموقع]
هادي الاحسائي
غادر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأراضي السعودية اليوم متجها إلى روسيا بدعوة من رئيسها فلاديمير بوتين لحضور حفل افتتاح بطولة كأس العالم الحادية والعشرين ومباراة المنتخب السعودي ونظيره الروسي، تاركاً البلاد تعج بفوضى الاعتقالات التعسفية باحثا عن مخرج لـ"طرح فكرة الاصلاح والعمل بها ومن ثم الانقلاب عليها" في ظاهرة "شيزوفرينية" أضاعت الخط السياسي للمملكة وحجمته وخففت من ثقل السعودية اقليميا ودوليا، حتى أصبح الأعداء أكثر من الأصدقاء، وحتى المال لم يعد يجدي نفعا مع وسائل الاعلام الغربية التي ضاقت ذرعا بانتهاكات محمد بن سلمان المتكررة والتي لا يمكن اعتبارها تحت أي ظرف بأنها "هفوة" أو "طيش" فما يحدث داخل أسوار المملكة بحق المواطنين والنشطاء السعوديين يعد كارثة انسانية ومجتمعية نتائجها قد تكلف البلاد الكثير في المستقبل.
الجميع يراقب الآن بحذر ما يجري في البلاد بعد أن كان الجميع يراقب بسعادة ما يجري آملا منهم بتغيير وجه المملكة وصورتها النمطية أمام الغرب ومنح مواطنيها المزيد من الحريات والانفتاح، ولكن عوضا عن ذلك انحرف مسار بن سلمان السياسي "الداخلي" الذي كان يسوقه لنفسه في الاعلام الغربي قبيل وبعد وصوله إلى ولاية العهد، ليبدأ أكبر حملة اعتقالات ، دون أن يهتز له جفن، علما أن المعتقلين هم من أقربائه وكبار الشخصيات السعودية في السياسة والدين، ومع هذا بقيت شريحة واسعة من المواطنين وبعض الدول الغربية يتأملون خيرا بالأمير الشاب على اعتبار أنه شن هذه الحملة تحت عنوان "محاربة الفساد".
انتظر الجميع ماذا سيتمخض عن حملة "محاربة الفساد" هذه، لتكون النتيجة شرائه أغلى منزل ويخت ولوحة في العالم في الوقت الذي كان يمارس فيه حملة "تقشف" في البلاد، والأنكى من هذا، أن ولي العهد بدأ بـ"كم أفواه" الناشطين والناشطات في مجال حقوق الانسان، إذ بدأ حملة اعتقالات ضد نشطاء في مطلع شهر رمضان ووصل عدد المعتقلين إلى 17 معتقل جلهم من النساء في الوقت الذي كان فيه بن سلمان يدّعي أنه يعمل على رفع سقف الحريات للمرأة السعودية والذي بدى فيما بعد وكأنه استغلال لها وليس محاولة لتحريرها.
مملكة الخوف
لم يعد الغرب يثق بولي العهد بن سلمان وخسر بسبب سياسته المتعجرفة عدد كبير من المستثمرين الأجانب، علما أنه كان يعمل على تطوير مصادر الدخل غير النفطية، ولم تعد منظمات حقوق الانسان وغيرها من المنظمات قادرة على التستر على انتهاكات بن سلمان المتكررة، لذلك كسرت مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة ليا وتسن حاجز الصمت وقالت إن ابن سلمان "يزداد عارا في كل يوم تستمر فيه حكومته في اعتقال واحتجاز وإخفاء أي شخص تعتبره تهديدا لحكمه".
كما أصدر خمسة من مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية، بيانا مشتركا يطالب السعودية بإخلاء سبيل عشرات المواطنين الموقوفين منذ سبتمبر/أيلول. وأدان البيان الذي ضم كذلك منظمتي "العفو الدولية"، و"هيومان رايتس ووتش"ما وصفه بـ"المشهد المقلق لحملة الاعتقالات والتوقيفات التعسفية واسعة النطاق" منذ بدا ولي العهد محمد بن سلمان حملته، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقال البيان إن المملكة تنتهج "نمطا مقلقا من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية واسعة النطاق من خلال استخدام قوانين مكافحة الإرهاب والقوانين الأمنية". وقال خبراء "إننا نشهد اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان من أجل ممارستهم السلمية لحقوقهم فى حرية التعبير والتجمع وإنشاء الجمعيات وانتقاما من عملهم".
إلى ذلك اعتقلت السلطات السعودية قبل أسبوع الناشطة نوف بنت عبد العزيز الجريوي، ثم اعتقلت صديقتها الناشطة مياء الزهراني بعد ساعات من تعليق كتبته تنتقد فيه اعتقال نوف، وهذا لا يوحي مطلقا بان الأمور تسير على نحو جيد فيما يخص مسألة الحريات والانفتاح.
ومؤخرا تحدث المعتقل السعودي السابق عبد الله الغامدي عن تجربته مع الاعتقال والمطاردة في السعوديةوعن أمه المعتقلة، وملابسات اعتقال أخيه الثاني، ومداهمة منزل أبيه.
وفي شهادته التي رواها في البرلمان البريطاني مساء أمس الأربعاء أمام نخبة من الحقوقيين البريطانيين، وصف الغامدي السعودية بـ"دولة الخوف التي تخطف مواطنيها وتغيبهم قسريا".
وبحسب رواية الغامدي، فقد دهم رجال الأمن منزل والده واعتقلوا أخاه الثاني الذي لم يكن له أي نشاط سياسي، وذلك فقط لأنه حول له مبلغا من المال. وأضاف أن هذه "الاعتقالات التعسفية تساندها منظومة عدلية تتلخص فيها وظيفة القاضي بالاستماع لإفادة الأجهزة الأمنية وتصدير الأحكام التي تريدها، أما الإعلام فالسلطة وأذرعها الأمنية تتحكمان فيه وتسخرانه لتضليل الرأي العام".
وبهذا يكون بن سلمان قد حوّل المملكة إلى سجنٍ أظهر للعالم أنه مفتوح على العالم ويعمل على تحطيم جدرانه، ولكن ما تبين لاحقا أنه كان يعمل على رفع اسواره، وتزيينها بألوان براقة لإخفاء الدماء التي تلطخت عليها.
ارسال التعليق