ماذا بعد اعترافات التائب عائض القرني!؟
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكيمرة أخرى، أجد نفسي مضطراً، للتوقف عند ما يسمونه "اعتذارات أو توبة" الداعية" عائض القرني، التي أعلن عنها في مطلع شهر رمضان المبارك الماضي، الموافق على ما أظن للثامن من شهر مارس2019 الماضي، وعائض أحد دعاة ما يسمي بالصحوة التي اجتاحت السعودية والمنطقة بأمر من الملك السعودي الأسبق الملك فهد..لأن هذه الاعتذارات وهذه التوبة لم تلق الاهتمام الذي تستحق ولم تترتب عليها إجراءات وخطوات تستحقها، سوى ردود أفعال تراوحت بين الإشادة والإطراء من جانب الإعلام السعودي والذي يدور في فلكه، والنقد واعتبار التوبة غير كافية كما جاء في مواقف علماء من الأزهر الشريف في العاصمة المصرية القاهرة !!
وللتذكير قال عائض القرني في ذلك التاريخ في مقابلة تلفزيونية على شاشة قناة روتانا " أنا الآن مع الإسلام الوسطى المنفتح على العالم والذي نادى ولي العهد محمد بن سلمان، وانتقلت فكرياً من مرحلة التعسير إلى التيسير، ومن التقليد إلى التجديد ". وأشار القرني إلى أن ما عرف بفترة " الصحوة "، وقعت في أخطاء كثيرة، من بينها....
"الاهتمام بالمظهر والوصاية على المجتمع وتقسيمه لملتزمين غير ملتزمين، تحريم كثير من الأمور"، مضيفاً، "أعتذر باسم الصحوة للمجتمع السعودي عن الأخطاء أو التشديد الذي خالفت الكتاب والسنة وسماحة الإسلام وضيقت على الناس، وسأسخر قلمي في خدمة مشروع ولي العهد في الاعتدال". ولفت القرني إلى أنه " من الأخطاء التي وقعت فيها الاهتمام بالمظهر أكثر من المخبر والوصاية على المجتمع وتقسيمه لملتزمين وغير ملتزمين. وان بعض الزواجات وقت الصحوة تحولت لحسينيات"، منوهاً إلى أنه " حرّم على الناس مظاهر الفرح، وبعد ما كبرنا نضجنا اكتشفنا هذه المآخذ، وانه من أخطاء الصحوة انتزاع البسمة وروح الفرح من المجتمع، الفظاظة والغلظة في الخطاب وكأنه ما فيه غير نار بدون جنة، وعذاب بدون رحمة، منتقداً تقسيم الناس لملتزم وغير ملتزم اعتماداً على المظاهر مثل اللحية والثوب".. وأردف: " الصحوة بعد ما أصيبت بالتشدد صارت ترى سلبيات الدولة فقط ولا تنظر إلى إيجابياتها، وهذا سبب الصدام والسجون والإيقاف". وتطرق القرني إلى قطر شانّاً هجوماً عليها وعلى قناتها (الجزيرة)، منسجماً في ذلك مع النظام السعودي ومتماهياً مع موقفه من قطر !!على أي حال، أن يعترف هذا الداعية المطبل بخطأ وانحراف أفكاره ومعتقداته، وأيضاً يعتذر، حتى ولو للشعب في المملكة فقط! إذ ينبغي عليه الاعتذار لكل أبناء الأمة الإسلامية، لأن وبال أفكاره المنحرفة طال كل أبناء هذه الأمة، نقول أن يعتذر هذا " الداعية المنحرف " ويعلن توبته، فذلك يؤكد، كما أشرنا، في مقالة سابقة، خصصناها لتوبة القرني واعتذاره، وكما أشار عدد من المحللين والخبراء، أن هذا المنحط، وبقية دعاة التكفير السعوديين وغير السعوديين، يتحملون المسؤولية المباشرة عن الدماء التي سألت في العراق وفي سوريا وفي ليبيا ونيجيريا والصومال وافغانستان ومصر وفي كل أصقاع الدنيا، بسبب الأفكار التكفيرية التي روج لها القرني وغير القرني، وشحن بها الشباب في السعودية وفي العالم، ثم التحريض على القتل والتدمير لهؤلاء الشباب وإصدار الفتاوى التي تبشر هؤلاء بالجنة!! وتشرع لهم قتل الأبرياء والفتك بهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم واستحياء أعراضهم وشرفهم أشر هتكة، وعلى مدى عقود من الزمان، حيث راح ضحية هذه الفتاوى والتحريض والشحن الطائفي والديني وللقرني وأعوانه مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء من أبناء العراق وسوريا واليمن وليبيا...و. و..
كما أن القرني وبقية " الدعاة " التكفيريين يتحملون المسؤولية المباشرة أيضاً عن كل الدمار والخراب الذي طال العراق وسوريا وبقية البلدان العربية المنكوبة والمدمرة بأعمال التفجير والتدمير بفعل متفجرات ومفخخات والأحزمة الناسفة للقطعان التكفيرية التي تربت على فكر عائض القرني وأقرانه من علماء الدجل والسوء، وتحركت بتحريض وفتاوى هؤلاء الذين يسمعون أنفسهم بالدعاة! وبالتالي فأن هؤلاء " العلماء " بحسب اعتراف واعتذار القرني، هم المجرمون الأساسيون، والمجرم يستحق طبقاً للشرائع السماوية والقوانين الإنسانية ومنها حقوق الإنسان، التي صادقت عليها الأمم المتحدة، المحاكمة وأنصاف الضحية فهؤلاء يستحقون محاكمة دولية وسعودية، على الأقل لاتخاذ إجراءات، تحول دون إنتاج " علماء"سوء على شاكلة هؤلاء التكفيريين ومروجو الفكر المنحرف باسم الإسلام، ونعتقد أن مثل هذا العمل المحاكمة واتخاذ الإجراءات يجب أن تبدأ من مملكة آلسعود...فإذا كان بن سلمان جاداً في الحرب على الفكر المتطرف، ويريد أن يعيش الخمسين سنة القادمة في ظل فكر إسلامي وسطي معتدل كما أعلن عنه صراحة في إحدى لقاءاته الصحيفة، لماذا لا يحاكم المتطرفين من أمثال هؤلاء "العلماء"!؟
قد يقول البعض أن الرجل زج ببعض علماء الصحوة، مثل سلمان العودة، وعوض القرني وسفر الحوالي وغيرهم في السجن، وسرب أن بعضهم ينتظره حكم الإعدام، وهذا صحيح، ولكن الزج بهم ومحاكمته لهم، ليس لأفكارهم وفتاواهم، وإنما لأنهم رفضوا أن يكونوا على هوى بن سلمان وأن يصفقوا لسياساته، فلو كان الزج بهم من أجل الفكر المتطرف لقرن بن سلمان هذه الاعتقالات والمحاكمات والتلويح لبعضهم بالإعدامات، بالخطوات التالية :
1ـ تشكيل هيئة من علماء المملكة السعودية تتولى تنوير الشباب في السعودية وفي العالم الإسلامي وترشدهم إلى الإسلام المعتدل وتوضح لهم انحراف وخطورة الفكر الوهابي، وضرورة مغادرة هذا الفكر، الذي شوه الإسلام، والحق بالأمة الإسلامية ومقدساتها الخسائر الفادحة.
2ـ بما أن اعتراف واعتذار القرني، يؤكد كما أسلفنا انحراف الفكر الوهابي، حيث لا توجد " صحوة إسلامية" ولا هم يحزنون، فلا بد من أن تتولى هيئة أخرى من علماء الفكر الإسلامي المعتدل في السعودية، بتغيير كل المناهج الدراسية، في مملكة آل سعود، فما زالت هذه المناهج تعج بمصطلحات التكفير، وبفكر محمد بن عبد الوهاب وبن تيمية وابن العثيمن الجوزية وبن باز، فلا بد من مغادرة هذا الفكر المنحرف الذي تسبب لحد الآن ومنذ عهد بن تيمية، وبالويلات والمصائب للمسلمين للديانة الإسلامية، وكذلك الإقدام على سد المدارس والمعاهد والمراكز الإسلامية المنتشرة في العالم، خصوصاً العالم الإسلامي وهي بعشرات الآلاف، وما زالت تروج لأفكار الوهابية وتنتج قطعاناً جديدة من السفاحين والذباحين التكفيريين.. للأسف ان النظام السعودي لم يكن جاداً في محاربة الفكر التكفيري ولا يريد مغادرته، ولو كان يريد غير ذلك كما يدعي، لزج بالسجن "بدعاة" هذا الفكر مثل العريض والسديس، والكلباني، وآل الشيخ، وغيرهم كثير، فالعريض الذي أفتى كغيره من بقية علماء الوهابية بقتل العراقيين، وبما يسمونه جهاد النكاح يستحق المحاكمة والإعدام مئة مرة، بينما هو طليق حر، ما يعني أن النظام السعودي، وكما أشرنا في مناسبات سابقة، يريد التخلص من مسؤولية ما لحق بالعالم من جرائم وخراب ودمار طال حتى العواصم الأوربية من إجرام القطعان التكفيرية التي تربت وتشربت بالفكر الوهابي التكفيري وتخرجت، في المدارس والمراكز والمعاهد الإسلامية السعودية وبدعم كبير من كل من المؤسستين السعوديتين، السياسية المتمثلة بآل سعود، والدينية المتمثلة بآل الشيخ وفروعها المتعددة، ذلك أن الغرب بدأ على الصعيد المخابراتي والاعلامي والسياسي يدرك تماماً وبالأدلة الدافعة أن النظام السعودي هو مصدر والمسؤول عن انتشار الفكر الإرهابي والإرهابيين ليس في العالم الإسلامي وحسب، وإنما في العالم الغربي أيضاً وحتى أمريكا.. فخوف النظام السعودي من ارتدادات معرفة العالم بحقيقته الإرهابية وخطورته على العالم، على وجوده وبقاءه، دفع عائض القرني للقيام بهذا الاعتراف من أجل تخليص رقبة النظام وتحميل " دعاة الصحوة" السعوديين، مسؤولية ما عاناه العالم، وما يعانيه إلى اليوم،علماً أن ما يسمى بالصحوة جاءت على خلفية طلب تقدم به الملك السعودي الأسبق فهد، من أجل تعبئة الشباب في عشرية الثمانينات لمواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان، ولإشغال التيار الديني في السعودية بعيداً عن آل سعود، وتهديد وجودهم...
3ـ ما دام النظام السعودي يريد التهرب من المشاركة في المسؤولية عن الجرائم والمذابح المروعة التي ارتكبها التكفيريون السعوديون وغير السعوديين الذين تخرجوا من أحضان الوهابية السعودية، فأن عليه الاعتذار لذوي الضحايا في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا، ولذوي الضحايا في بعض العواصم الأوروبية التي طالها الإرهاب السعودي، فإذا كان جاداً في مغادرة هذا الفكر المنحرف، عليه تقديم الاعتذار والاستعداد لكل ما يترتب عليه من استحقاقات لإنصاف عوائل الضحايا، لكن المشكلة أن هذا النظام ما زال يستثمر في الفكر الوهابي لصالحه، وصالح أسياده الأمريكان والصهاينة الذين يصرون على استمرار النيل من المسلمين وإسلامهم حتى القضاء عليهم وعلى دينهم!!
أما يخص أبناء الأمة الإسلامية، أبناء الشعوب المنكوبة تحديداً مثل الشعب العراقي، والشعبين السوري والليبي، والشعبين اليمني واللبناني وغيرهم، فالملاحظ أن هذه الشعوب، ولا حتى علمائها وطلابها ومثقفيها، لم تتعامل مع اعترافات عائض القرني بالشكل المناسب، فدعوة هذا الأخير وأقرانه إلى التشدد، وتقسيم الناس إلى ملتزمين وغير ملتزمين وقياساً على المظهر، وعلى اللحية والثوب القصير! تسبب في كل هذه المآسي والكوارث والمآتم الخراب والدمار في تلك البلدان، بل القطعان التكفيرية، صحيح أنها فتكت في بلدان معينة، إلا أنها في الحقيقة أجرمت بحق كل أبناء الأمة الإسلامية، بالاعتداء على دينهم ومقدساتهم، بالتشويه والانحراف والتكفير وما إلى ذلك، الأمر الذي يتطلب اتخاذ بعض الخطوات اللازمة ومنها ما يلي:1ـ تشكيل محكمة أسلامية من علماء وقضاة الأمة الإسلامية، وقيام هذه المحكمة بمحاكمة هؤلاء "الدعاة" التكفيريين، وإصدار قرارات بإلقاء القبض عليهم أين ما حلّوا لمقاضاتهم وإنصاف الأمة، من جرائمهم، وما تسببوا لها في هذا الدمار وفي هذا القتل، وأيضاً التشويه للمقدسات الإسلامية وللدين الإسلامي الحنيف.
2ـ ضرورة تحرك الشعوب المنكوبة تحديداً وحكوماتها لمقاضاة هؤلاء المجرمين ومتابعتهم، حتى النيل منهم، فللأسف لحد الآن، لم نرَ لا من الشعب العراقي وحكومته ولا من الشعب السوري وحكومته ولا من بقية الشعوب الأخرى، أي تحرك دفاعاً عن الدماء التي سالت، وعن الضحايا وهم بالآلاف نتيجة فتاوى وتحريض "دعاة الوهابية التكفيريين"، ونتيجة دعم النظام السعودي لهؤلاء السفاحين ولمدارسهم الوهابية، إذ المفروض أن تشكل محاكم عديدة تلاحق هؤلاء المجرمين معهم آل سعود، وإرغامهم على دفع الأثمان باهظة لقاء هذا الأجرام.
3ـ أن تتخذ الدول الإسلامية، على مستوى الحكومات والمؤسسات الدينية والثقافية قراراً بمحاربة أفكار هؤلاء المنحرفة، بل وتجريم كل من يقوم بذلك، بالسجن، وأيضاً بسد هذه المدارس ومنعها من القيام بنشاطاتها الثقافية والدينية، كما وسحب الكتب التي يستندون عليها من التداول من المكتبات الإسلامية.
4ـ إن يقترن ذلك بحملة توعية اسلامية واعلامية، ينهض بها العلماء، والمفكرون الإسلاميون والمثقفون والاعلامية، لبيان انحراف الفكر التكفيري وضرره على الإسلام وعلى المسلمين ومقدساتهم ومعتقداتهم وأمنهم، وذلك في إطار خطة ناضجة وناجحة، يشارك في وضعها وفي بلورتها المؤسسات الدينية والمفكرون والمثقفون، ويساهم فيها الإعلاميون وبقية المؤسسات الثقافية، ضمن عمل وجهد مركز ومتعدد الأوجه، يشمل الإذاعة والتلفزيون والفضاء المجازي، وإقامة الندوات والمؤتمرات، ما إلى ذلك من العمل الثقافي لتحقيق الغرض المطلوب ولتنقية فضاءات الأمة من تلك الشوائب والعوالق التي تسببت في دمار الأمة وفي تشويه مقدساتها.
ارسال التعليق