منظمات الغرب تتجاهل مظلومية شريحة اجتماعية برمتها!!
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي
اهتمت في الآونة الأخيرة، منظمات دولية حقوقية، وبعض وسائل الإعلام الغربية بشكل لافت بقضية الناشطين والناشطات المعتقلين لدى نظام بن سلمان السعودي، وبها يتعرضون له من عسف وتعذيب ومعاناة على أيدي سجاني ومعذبي النظام السعودي، ففي هذا السياق بعثت أكثر من خمسين منظمة حقوقية، على رأسها أو تتصدرها منظمة العفو الدولية، رسالة الى أكثر من ثلاثين وزيراً للخارجية، لمناشدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لاتخاذ قرار في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشطين والناشطات الحقوقيين المعتقلين، إضافة إلى إنشاء آلية مراقبة حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة السعودية.
وقال الموقعون في الرسالة " نشر بقلق بالغ إزاء تقارير التعذيب وإساءة المعاملة للمدافعين والمدافعات عن حقوق النساء المتحجرين والمحتجزات في السعودية. وقد سُجنوا منذ منتصف عام2018 بسبب حملاتهم السلمية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء". وجاء في الرسالة أيضاً أن" التقارير الأخيرة تظهر أن بعض الناشطات المعتقلات تعرضن للصدمات الكهربائية والجلد وتلقين تهديدات بالعنف الجنسي، وغيرها من أشكال التعذيب الأخرى، وتشير الشهادات إلى أن هذه الإساءة قد تركت بعض النساء غير قادرات على المشيء أو الوقوف بشكل سليم" طبقاً لما نقله موقع العربي الجديد في 2مارس 2019.
في السياق ذاته..نشرت وكالة بلومبيرغ الأمريكية تقريراً تطرقت فيه إلى الأئمة الاتهام التي وجهتها النيابة العامة السعودية مؤخراً إلى الناشطات المعتقلات في السجون، وقالت الوكالة، أن احتجاز معتقلات الرأي أصبح رمزاً لحملة القمع السياسي التي يقودها محمد بن سلمان، الذي أعتقل العشرات في النقاد المحللين –الليبرالي والمحافظ- بمن فيهم رجال الدين ورجال الأعمال والأكاديميون" وانتقدت الوكالة الأمريكية، وصف الإعلام وقضاء النظام السعودي الناشطات بالخونة، وبالإرهابيين !!
والى ذلك فأن الكثير من الأوساط الإعلامية الغربية، انتقدت البيان النيابة العامة السعودية بحق عدد من النشطاء والناشطات الذي أشار إلى تقديمهم للمحاكم المختصة بالإرهاب، بعد اكتمال التحقيقات معهم، ودافعت عن هؤلاء الناشطاء، أي تلك وسائل الإعلام الغربية، بل أقدم البعض منها على نشر الروايات التي تنقل عما يقوم به أزلام النظام السلماني في السجون السعودية بحق هؤلاء النشطاء والناشطات، فمثلاً إن وسائل الإعلام تلك تحدثت عن شهادات شقيق الناشطة لجين الهذلول، وليد وعن شقيقتها أيضاً، وقد تحدثا مراراً وتكراراً عما تعرضت له لجين من تعذيب جسدي ونفسي قاسي جداً، بحسب ما أخبرت والدها بذلك ونقلها من سجن إلى سجن آخر، وتهديدها بالاغتصاب من قبل مساعد محمد بن سلمان ومستشاره السابق، سعود القحطاني المتهم الرئيسي بقتل جمال خاشقجي.
وأيضاً تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن معاناة بقية الناشطات والنشطاء المعتقلين وعن تعذيبهم، والروايات الموثقة لممارسات أزلام بن سلمان التعسفية بحقهم..ومن وسائل الإعلام تلك شبكة التلفزيون الأمريكية المشهورة السي ان أن.حيث قالت هذه الشبكة أنها اتصلت بالسلطات السلمانية للتأكد من مشاركة سعود القحطاني في حفلات تعذيب الناشطين والناشطات، حيث قالت الشبكة أن تلك السلطات امتنعت عن الرد، إلا أن التقارير الحقوقية تشير، كما قلنا، إلى أن المستشار السابق في الديوان الملكي سعود القحطاني، كان حاضراً إحدى جلسات استجواب وتعذيب الناشطة لجين الهذلول، واشرف على تعذيبها بنفسه وهددها بالاغتصاب والقتل وتقطيعها ووضعها في نظام الصرف الصحي، على غرار ما تم خلال تصفية الصحفي جمال خاشقجي، ذلك طبقاً للروايات التي نقلها لجين نفسها إلى عائلتها.. وفي الحقيقية أن ما تنقله وسائل الاعلام الغربية وما تتداوله المنظمات الإنسانية حول معاناة وتعذيب وعسف النظام السلماني السعودي بحق النشطاء والناشطات في المملكة السعودية، يشكل نزراً قليلاً مما يعانيه هؤلاء النشطاء، فهناك الكثير من هذا العسف الذي يمارسه أزلام النظام السعودي في غياهب سجونه بحق هؤلاء النشطاء والناشطات، مازال طي الكتمان، يتكتم عليه النظام السعودي ويمنع من تسرب الحقائق حول ما يجري هناك، إلّا اللمم!
على أن اهتمام المنظمات الحقوقية والإنسانية وكذلك الإعلام الغربي، وان يتناول اللمم مما يعانيه النشطاء والناشطات في السجون السلمانية، إلا انه ينطوي على أهمية كبيرة جداً، لأنه يكشف معطيات ودلالات في غاية الأهمية، هي الأخرى، ومنها ما يلي:
1ـ فشل سياسة النظام السعودي في شراء الذمم، وشراء السكوت على جرائمه، فرغم انه ما زال يعتقد أن كل شيء يمكن أن يحصل بالمال، إلا أن هذا الأمر لم يعد ممكنا كما كان في السابق، فالنظام السعودي وطيلة العقود الماضية كان يشتري سكوت أكثر وسائل الإعلام العربية والغربية عما يجري في المملكة سيما ما يخص سياسات النظام، وما يدور في كواليس العائلة السعودية الحاكمة، أكثر من ذلك، كان النظام السعودي يشتري ولاء بعض تلك الأوساط، بحيث تمارس هذه الأوساط الكذب والتضليل من أجل تلميع وجه النظام وإخفاء جرائمه وممارساته، غير أن هذه السياسة باتت غير مجدية في الكثير من الأحيان، بسبب تطور وسائط التواصل الاجتماعي من جهة، ومن جهة أخرى، تطور الوعي عند الرأي العام الغربي وحتى في منطقتنا، فبات من الصعوبة بمكان انطلاء التضليل أو الكذب للتستر على جرائم النظام السعودي، على الرأي العام.
2ـ يضاف إلى ذلك، إن من أسباب فشل هذه السياسة، هو افتضاح إجرام النظام السعودي، والقمع الدموي الذي يمارسهُ بحق المعارضين لحكمه، والذي نجح كما قلنا في التستر عليه وإخفائه طيلة العقود الماضية، ليس هذا وحسب، بل افتضاح الأجرام السعودي، بحق الشعوب المجاورة، وبحق شعوب العالم، فمنذ هجمات11ستمبر ولحد اللحظة، عرف العالم كله، أن النظام السعودي بفكره الوهابي، وبتربيته وإنتاجه قطعان ضخمة من التكفيريين القتلة، في مدارسهِ المنتشرة في العالم وفي داخل المملكة، قطعان تمارس كل هذه البشاعة في القتل والتنكيل بالأبرياء من الناس العزل عبر التفجير أو الحرق أو الذبح، أو الوسائل الأخرى البشعة والمروعة، التي لا تراعي أدنى مشاعر الإنسانية فضلاً عن أنها تخالف العرف والشريعة الإسلامية...كما حصل ذلك في العراق وفي سوريا وليبيا ولبنان، ومواطن أخرى، ثم جاءت جرائم النظام في اليمن، باقترافه المجازر المروعة، تلو المجازر خلال هذا العدوان، وكذلك الجريمة المروعة بحق الصحفي جمال خاشقجي، جاء كل ذلك وغيره ليكرس القناعة عند الرأي العام الغربي والإسلامي والعربي حول حقيقة الأجرام السعودي والبطش الذي يمارسه ضد الشعب في الجزيرة العربية (نجد والحجاز) وملحقاتهما..
3ـ وعلى اثر تكريس هذه القناعة، بإرهابية ودموية النظام السعودي، بات من الصعب على وسائل الإعلام أو المنظمات الإنسانية، التستر على جرائم النظام لأن ذلك يخل بمصالحها، فهو يتسبب في فقدان مصداقيتها واحترامها بين الجمهور، ولذلك اضطرت للتعاطي مع بعض الحقيقة حول جرائم النظام السعودي ودمويته، لكي تحافظ على هذه المصداقية المزعومة، أو ذلك الاحترام المشار إليه.
على أن كل هذه العوامل وغيرها، التي اضطرت تلك الأوساط إلى التعاطي مع بعض الحقيقة، وأحيانا بشكل خجول، تطرح سؤالاً جوهريا، هو لماذا لا تدفع هذه العوامل تلك الأوساط إلى التعامل أو نشر ولو جزء ضئيل جداً من حقيقة إجرام النظام السعودي تجاه شريحة اجتماعية تشكل خمس الشعب في المملكة وحتى أكثر، وهي الطائفة الشيعية، التي تتمركز في المناطق الشرقية في المملكة، في مناطق الاحساء والقطيف وإذا كان النظام يمارس كل هذا القمع والدموية تجاه الناشطين والمعارضين على خلفيات سياسية، فأنه يمارس هذا القمع تجاه تلك الشريحة على خلفيات مركبة وخطيرة، آيديولوجية وسياسية، فهو يتعامل مع هذه الشريحة من منطلق معتقداته الوهابية التي تعتبر هذه الجماعة،"كافرة ومرتدة"، وتجوز إبادتها والقضاء عليها واستباحتها في كل شيء، وقد لاحظ العالم كله بما فيه الغربي كيف أفتى عشرات العلماء الوهابيين، أو بالأحرى الدعاة الوهابيين بتجويز قتل الشيعة في العراق وفي سوريا والفتك بهم، وقتل النصارى والفتك بهم أيضاً، وكان هذا العالم وما يزال شاهداً على المذابح المروعة التي ارتكبها بحق أهل العراق وسوريا واليمن هذا النظام عبر قطعانه التكفيرية أو بشكل مباشر، وفعل أكثر من ذلك بشاعة ودموية بحق أهل الاحساء والقطيف، فالعالم يتذكر كيف أن قوات النظام السعودي طوقت منطقة العوامية، بالأسلحة الثقيلة والدبابات وأمطرتها بالقذائف على مدى أشهر كاملة، مهدمة إياها على رؤوس أهلها، كما يفعل النظام حالياً في اليمن، أما من زج في السجون السعودية فهم بالآلاف ويتعرضون لأبشع أنواع العسف والتعذيب والظلم..ولمعرفة ما يجري على هؤلاء نسوق ثلاثة أمثلة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السعودي وهي:
1ـ نموذج تقطيع جثة خاشقجي وقتله شر قتلة، وهو الشخص الذي خدم النظام السعودي لمدة أربعين سنة، فكيف تتصورون تصرف النظام مع ناس يعتبرهم" كفار"يجب قتلهم، ومصادرة املاكهم واستباحة أعراضهم!؟ فلا بد أن يكون التعامل معهم أشد قسوة ودموية مما حصل لخاشقجي، الذي هو لم يكن معارضاً بالمعنى الحقيقي، إنما كان يسجل ملاحظات اعتراضية على سياسة بن سلمان التدميرية، بينما يعتبر النظام تلك الشريحة تهديداً فكرياً وسياسياً لوجوده، فمما يجري في السجون السعودية تجاه أبناء هذه الطائفة أشد وطأة وقسوة مما حصل لخاشقجي بالتأكيد، وكانت بعض الصحف الأمريكية قد أشارت بشكل عابر إلى ما يمارسه النظام من قمع وحرمان لهذه الطائفة، في لفتة تهديد لنظام والضغط عليه، أو في محاولة لابتزازه مالياً أو سياسياً أو ما شابه ذلك.
2ـ ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز عن شهادة صديق طبيب أمريكي من أصل سعودي هو وليد فتيحي الذي كان معتقلاً في السجون السعودية منذ 2017م، فهذا الصديق ذكر للصحيفة في عددها ليوم2/3/2019، "ان وليد تم صفعه وعصب عينيه وتجريده من ملابسه الداخلية وصعقه بالكهرباء، خلال جلسة تعذيب ساعة تقريباً". وأضاف صديق الطبيب للصحيفة "أن فتيحي أخبره بتعرضه للجلد الأمر الذي منعه من النوم عدة أيام، لأنه كان يخشى من عمليات تعذيب أخرى"..فإذا كان النظام يتعامل بكل قسوة تجاه هذا الشخص الذي اعتقل مع الأمراء ورجال الأعمال في فندق الرتيز كارلتون، والذي أي فتيحي بعث برسائل إلى أصدقائه في الولايات المتحدة أنه بات يخاف على حياته، ثم إن هذا الشخص تقف وراءه الحكومة الأمريكية أيضاً، فكيف تتصورون تعامل النظام مع من يسوقهم إلى غياهب السجون بدلاً من فندق الرتيز كارلتون؟ وكيف تتصورون تعامله مع من لا ناصر لهم ولا معين، من أبناء المنطقة الشرقية، سوى الله!؟ بدون شك سيكون التعامل من القسوة والبشاعة ما لا يتصوره الإنسان.
3ـ ما يحصل في البحرين من مآسي ومعاناة وكوارث، فنظام ال خليفية يمارس كل أنواع البطش والقمع والتعذيب، فسجن العشرات بل المئات من أبناء الشعب البحريني، وطارد وما زال يطارد الباقين، واسقط جنسية العشرات من أبناءه واعدم العشرات وحكم بالمؤبد وبمدد طويلة على الكثير من ناشطي الشعب البحريني، بينهم علماء وأساتذة ونخب ثقافية، وشرد المئات، ودمر العشرات من المساجد وفرض حكما بوليسيا، ولقد تحدثت تقارير الكثير من المنظمات العالمية ومجلس حقوق الإنسان عن مأساة هذا الشعب، فما يجري في البحرين، هو نموذج مصغر لما يجري في الأجزاء الشرقية من المملكة السعودية، لأن النظام البحريني أداة طيعة بيد النظام السعودي، يتلقى الأوامر من هذا النظام، الذي أحكم قبضته على الشؤون البحرينية، منذ دخول درع الجزيرة السعودي، بعد أحداث الثورة البحرينية السلمية عام 2011م.
ورغم كل هذا الأجرام السعودي بحق أهالي الأحساء والقطيف إلا أن المنظمات الدولية، والإعلام الغربي تجاهل هذا الأجرام للأسف، غير مبالي، كما المنظمات المشار إليها، بما تسميه مصداقيتها وسمعتها وما إلى ذلك من الأمور والعناوين التي تدعي بها!! ولذلك، فالسؤال الذي سبق وان طرحناه، بات يفرض نفسه بقوة، وهو لماذا لا تهتم الأوساط المذكورة بمحنة ومعاناة أهالي الأحساء والقطيف على أيدي جلاوزة النظام السلماني!؟ وللإجابة على هذا السؤال نشير إلى المعطيات التالية:
1ـ إن تجاهل الأوساط الغربية لمحنة أهلنا في الأجزاء الشرقية من المملكة يؤكد نفاق هذه الأوساط وبعدها عن الاهتمام بالإنسانية وبحقوق البشر، إلا بما يتوافق مع المصالح الغربية.
2ـ إن القوى التي تقف وراء الأعلام الغربي، وأيضاً وراء المنظمات الحقوقية وتلك المهتمة بحقوق الإنسان، هي التي تشجع الأنظمة الدكتاتورية مثل النظام السعودي والنظام البحريني على قمع هذه الطائفة وتصفية علمائها ورموزها، أولاً من أجل تغذية الصراع الطائفي بين المسلمين والذي بات هذا الصراع يشكل محوراً أساسيا من محاور المشروع الأمريكي الرجعي الصهيوني في المنطقة، وثانياً: إثارة وتوسيع فجوة الخلاف بين الطوائف الإسلامية وصولاً إلى وضع عوائق كأداة أمام توحد المسلمين وتجميع طاقاتهم بوجه المشروع الصهيوني في المنطقة والذي يستهدف هذه الأمة وهويتها وثرواتها وجغرافيتها أيضاً، وما يعزز هذه الرؤية، هو إصرار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو على التأكيد على مصطلح " الدول السنية" المعتدلة، وعلى ضرورة التحالف معها، وعلى خلفية هذه القناعة تجري عملية الدعم العسكري واللوجستي والإعلامي والسياسي الأمريكي الصهيوني الغربي للنظام السعودي في عدوانه الظالم على الشعب اليمني بحجة القضاء على الحوثيين الشيعة.
ارسال التعليق