نتنياهو يتفاخر باتفاقيات التطبيع الجديدة مع العرب...و يزعم بأن الصهاينة يحققون نبوءة توراتية!!
[عبد العزيز المكي]
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق التطبيع الإماراتي مع العدو قبل عدة أشهر، ومن ثم تهافت أنظمة عربية أخرى على الهرولة والارتماء في أحضان العدو، مثل البحرين والسودان، ومن ثم المغرب، ويعد الأمريكان بأنه انظمة أخرى ستعلن التطبيع مع العدو!! منذ ذلك الإعلان وما تبعه من تهافت لبعض الأنظمة العربية، ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وحتى بعض بقية المسؤولين الصهاينة، لا يتركون فرصة إلا ويطرون على هذا التطبيع ويعتبرونه " إنجازاً تاريخياً وتطوراً هائلاً سيغير معطيات تاريخية وأمنية وحتى جغرافية كثيرة" بحسب زعمهم لصالح العدو الصهيوني ولصالح خططه وتعاليم اليهود التوراتية المزيفة، ففي هذا السياق زعم نتنياهو في كلمة له بمناسبة أعياد الميلاد المسيحية، في 25/12/2020، بأن إتفاقيات التطبيع مع الدول العربية، تحقق نبوءة توراتية بالنسبة للاحتلال الصهيوني وقال: " خلال العام الماضي، وبمساعدة فعالة من الولايات المتحدة، ومن الرئيس ترامب، توصلنا إلى اتفاقيات إبراهيم، ما يشكل إنفراجات تاريخية في علاقات"إسرائيل" والعالم العربي: السلام مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب"على حد قوله وتابع نتنياهو قائلا: " بعد26 عاماً كانت تخلو من معاهدات سلام جديدة، توصلنا إلى (4) اتفاقيات في غضون ما يقل عن (4) أشهر". وأضاف: " هذه مجرد البداية، حيث تعيد المزيد والمزيد من الدول العربية صياغة مواقفها العدائية التقليدية من "إسرائيل" لتلتمس الصلح مع " الدولة اليهودية..." على حد زعمه وقوله واستطرد نتنياهو قائلاً: "إن هناك دولاً عربية وإسلامية ستعلن تطبيعها في وقت أقرب مما كان متوقعاً"! وتابع " يمكنك رؤية الدول العربية بعضها تقدم بالفعل، والبعض الآخر يتقدم، وسنشهد الكثير والكثير من البلدان، أكثر بكثير من المتوقع، وربما أسرع بكثير من المتوقع" على حد قوله..
وقبل الدخول في تحليل الظروف التي أدت إلى هذا التطبيع الذي يتغنى به نتنياهو ويعتبره إنجازاً تاريخياً، وتحقيقاً لنبوءات توراتية! نرى من الضرورة بمكان الإشارة إلى أمرين، باتا علامات فارقة في تصريحات المسؤولين الصهاينة، وفي تغطية وسائل الإعلام الصهيونية، عندما يدور الحديث عن التطبيع وعن اتفاقاته الأخيرة التي وقعت مع الإمارات والبحرين والسودان وأخيراً وليس آخراً المغرب!! والأمران هما:-
1- إصرار المسؤولين الصهاينة ووسائل الأعلام الصهيونية، على أن المطبعين من الأنظمة العربية، هم الذين هرولوا نحو العدو، وهم الذين ارتموا في أحضانه، طلباً للحماية! ولأن العدو بات يشكل بوابة إرضاء واشنطن عن هذه الأنظمة التي قال عنها ترامب أنها سوف تسقط بظرف عدة أيام إذا رفعت الولايات المتحدة الحماية عنها!! ولو راجعنا تصريحات نتنياهو حول التطبيع والتفاخر به مع بعض الأنظمة العربية نجد أنها مشحونة بنبرة القوة والاستعلاء على هذه الأنظمة فكثيرا ما يردد في تصريحاته عبارة " جاؤوا إلينا لأننا أقوياء، ولأننا نمتلك التكنولوجيا المتقدمة"!! وجاؤوا إلينا لكي نحميهم من إيران"! وكثير من العبارات المماثلة والمهينة لهذه الأنظمة المطبعة.. وانطلاقاً من قاعدة إصرار الصهاينة على تسويق هذا النوع من الخطاب ومحاولة ترسيخه في ذهنية المواطن العربي في الدول العربية المطبعة راح الإعلام الصهيوني ومحللوه ومعلقوه الصهاينة وحتى غير الصهاينة يؤكدون ويبرزون قوة الكيان المحتل، بل وذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن العدو بات البديل للولايات المتحدة المتراجعة عن المنطقة، الذي يتولى بدلاً عنها احتضان حلفاء أمريكا من هذه الأنظمة العميلة، بل إن بعض المحللين الصهاينة اعتبر لأن المطبعين هم المهرولون نحو كيان الاحتلال، فأن الأخير فرض شروطه عليهم ووجدهم مستسلمين لكل هذه الشروط!! ففي هذا السياق أكد المستشرق والمؤرخ اليهودي دان شيفتان، رئيس برنامج الأمن الدولي بجامعة حيفا، والمحاضر ببرامج الدراسات الأمنية بجامعة تل أبيب، في مقاله في صحيفة "إسرائيل اليوم" المنشورة خلاصتها باللغة العربية على موقع (( عربي21)) في 15/2/2020...أكد هذا المستشرق، أن الهندسة الإقليمية بعد إعلان تطبيع المغرب تتغير، وأصبح الغرب ليس بحاجة إلى أن يختار بين العرب و"إسرائيل"، زاعماً أنهم أصبحوا في معسكر واحد" ورأى في مقاله: إن "معنى التقرب من المغرب، مضافاً اليه الاتفاقات مع مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان، يتجاوز بكثير أماني التطبيع، والرحلات الجوية المباشرة"! وزعم أن " الحديث يدور عن تراكم الكتلة الحرجة في صراع متواصل تخوضه " إسرائيل" ضد المنهج السياسي الذي أملى الموقف منها في العالم العربي وفي الولايات المتحدة، فالاعتراف يفشل المحاولة لتقزيم مكانة " إسرائيل" وإملاء تنازلات ومخاطر غير محسوبة عليها، يتغلغل في دوائر هامة في العالم العربي، وفي إحدى مدارس السياسة الخارجية الأمريكية وفي دوائر متعززة في أوربا"!!شيفتان يدخل في الجزئيات ويستعرض فشل ما سماها محاولات واستراتيجيات العرب الرامية بحسب زعمه إلى تقزيم الكيان الصهيوني ونزع " الشرعية عنه"، منتقداً الغرب الذي مال إلى فكرة التخلي عن دعم هذا الكيان، ومبرزاً تفوق النظرية الصهيونية وإخفاق بقية المحاولات المشار اليها!! وفي هذا السياق يقول " حاول الأعداء في البداية تصفية دولة اليهود بالعمليات والحرب، وبعد أن فشلوا، توجهوا لتفوقهم في الساحة العالمية بفضل النفط، المعابر الإستراتيجية، أسواقهم الواعدة، سيطرتهم على المنظمات الدولية وقدرتهم على إثارة المسلمين، وفي العقود الأخيرة نجحوا في تجميد مشاعر الذنب ما بعد الاستعمار في الدوائر التقديمة في الغرب وأوربا، لنزع الشرعية عن إسرائيل على حد زعمه وقوله.. وينتهي هذا المستشرق إلى النتيجة الحاسمة التي يريد تكريسها في ذهن المتلقي بالقول إن " منهج الضغط على إسرائيل لاستقرار المنطقة فشل على المستوى الاستراتيجي، لأن تل أبيب فرضت على الأعداء الشروط اللازمة، والحديث لا يدور فقط عن انتصاراتنا العسكرية وقدرتنا على الصمود على مدى الأجيال، بل عن قدرة " إسرائيل" المتواصلة لبناء الذات والازدهار بينما يغرق العرب الأعداء حتى الرقبة في الفقر والتخلف والعنف"! على حد قوله.. ويضيف شيفتان متحججا قائلاً: أن " للاعتراف المتسع في العالم العربي بقوة "إسرائيل" أهمية بعيدة الأثر، فالهندسة الإقليمية تتغير، والغرب الديمقراطي لا يحتاج لأن يختار بين "إسرائيل" والعرب، لأن "إسرائيل" ولباب العالم العربي في معسكر واحد.." على حد قوله وادعائه،و في ذلك إهانة وتحقير وازدراء للأنظمة العربية، ومادام العدو ينظر إلى هرولتها بهذا المنظار فأن عليها أن تدفع ثمن قبول العدو لهذه الهرولة، وهو ما يحصل فعلاً الآن في عملية حلب صهيوني لهذه الأنظمة على كل الأصعدة!!
2- الأمر الثاني هو يتقصد المسؤولون الصهاينة ومعهم الأمريكيون إهانة الزعماء العرب، ليس في تصريحاتهم وتغطية وسائل اعلامهم، كما أشرنا قبل قليل وحسب، وانما في لقاءاتهم وفي اجتماعاتهم، وهذا تجلى في كثير من المشاهد المصورة والمتلفزة وفي بث مباشر، نذكر منها، ما حصل في توقيع البحرين والأمارات إعلان التطبيع أو اتفاقياته مع العدو، كيف ضحك الصهاينة ومعهم ترامب على الوفود الخليجية التي لم يعرف أين يوقع ولم يقرأ ما تضمنة وثيقة إعلان التطبيع فأصبح مسخرة وتندر ليس من جانب الوفدين الصهيوني والأمريكي وحسب وإنما العالم أجمع! وأكمل ترامب هذه الإهانة عندما ذهب وترك قاعة التوقيع مصطحباً معه بنيامين نتنياهو وترك الوفدين الإماراتي والبحريني، ما أعطى انطباعا أن الأمريكيين لا يعيرون أية قيمة لهؤلاء المطبعين ولا يحترمونهم، إنما هم أُمروا من قبل ترامب فنفذوا الأمر صاغرين لدرجة أنهم وقعوا على وثيقة الإعلان دون أن يعرفوا مضامينها!! وهناك أمثلة كثيرة على هذه الاهانات التي لا تقتصر على المسؤولين الصهاينة فحسب بل تعم جماعات المستوطنين الصهاينة أيضا والأمثلة على ذلك كثيرة أيضاً ونذكر منها للإضاءة، ما تحدثت عنه صحيفة الغارديان البريطانية في عددها في 27/12/2020، حيث قالت إن مشجعي نادي " بيتار القدس"الصهيوني لكرة القدم الذي اشترى نصفه الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان، أن هؤلاء المشجعين رفضوا هذا الشيخ وسبوا العرب ورفعوا شعارات الموت ضدهم وضد آل نهيان، في مظاهر ازدراء واهانات لآل نهيان وللإمارات وللعرب والمسلمين!! رغم أن النادي بات يتحرك وتعود له الحياة ويتنفس اوكسجين الوجود والاستمرار من أموال هذا المستثمر الغبي من آل نهيان!!
نعود إلى قضية التطبيع وتفاخر نتنياهو به بادعائه انه انتصار يحققه العدو بقيادته وهو ليس كذلك، إنما هو نتاج لظروف أملت على هؤلاء الحكام العرب إعلان التطبيع نذكر منها ما يلي:-
1- انكشاف عمالة الأنظمة المطبعة، وانكشاف تعاونها وتنفيذها لأجندات السيد الأمريكي، ولذلك رأت أن سياسة التخفي، وسياسة التنسيق والتعاون من تحت الطاولة لا داعي لها، فقررت أن تتحرك على المكشوف، لأن هذه الأنظمة كانت على علاقات وطيدة وتنسيق وتعاون خفي وسري مع العدو الصهيوني، ومنذ عقود بل ومنذ مجيء هذه الأنظمة للحكم، لان المستعمر البريطاني، ومن ثم الأمريكي جاء بها ونصبها على رؤوس الشعوب لخدمة المصالح الأمريكية والبريطانية أولا، ولخدمة المشروع الصهيوني الاستعماري في المنطقة ثانيا،و المسؤولون الصهاينة تحدثوا مفصلاً عن علاقاتهم السرية مع كل من الأمارات والسعودية والبحرين والمغرب ودول عربية أخرى لم يسموها، ومنذ عقود من الزمان وتحدث رئيس الموساد يوسي كوهين ومسؤولون آخرون في الموساد الصهيوني عن لقاءاتهم بأمراء آل نهيان وبأمراء آل سعود كما تحدث ايهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني السابق بالملك محمد السادس يوم كان عمره خمس سنوات وجلب له لعبة كومبيوتر، وتحدث الصهاينة عن الخدمات الكثيرة التي قدمها الملك السابق الحسن الثاني، والمسؤولون الإماراتيون وغيرهم من المسؤولين العرب من أمثال الملك الأردني السابق أو الرئيس المصري محمد أنور السادات وغيرهم كثير، ولذلك فأن هرولتهم وإعلان التطبيع مع العدو لا تضيف لحقيقة علاقاتهم الودية وتعاونهم الأمني والعسكري مع العدو والسيد الأمريكي شيئا جديداً للإعلان عن هذا الأمر بشكل رسمي وبدأ التحرك بشكل علني على هذا الصعيد!!
2- إن الذي كان يحول دون الإعلان عن التعاون والتنسيق مع العدو وهو ترفض رفضاً قاطعاً محاباة العدو والتعاون معه لأنه محتل ومغتصب لارض عربية وإسلامية، ولمقدسات إسلامية، في القدس والخليل، ثم انه يسوم الشعب الفلسطيني سوء العذاب يقتّل أبناءه ويشرد بهم، ويحتضن لبنان والأردن ودول عربية أخرى الملايين من هؤلاء المشردين فضلاً عن المشردين الآخرين داخل فلسطين نفسها في غزة أو الضفة الغربية، ولذلك كانت هذه الأنظمة العملية تتلطى وراء شعارات الوطنية والدفاع عن فلسطين ومعاداة العدو لخداع هذه الأمة وإخفاء ما تقوم به فعلاً وراء الكواليس ضد هذه الأمة وضد تطلعاتها وأهدافها وما إلى ذلك، وللأسف أن القوى الاستعمارية بشكل مباشر وبواسطة هذه الأنظمة وأجهزتها البوليسية، استطاعت استنزاف هذه الأمة. وتدجينها وإشغالها بنفسها، لدرجة أن الكثير من شرائحها باتت لا تكثرت لما يقوم به هؤلاء الحكام من تحالف مع العدو، ولم تستثرها وقاحة هؤلاء الحكام، الأمر الذي جعلهم يتحركون بهذا الشكل الذي ينطوي على مزيد من التحدي والوقاحة لمشاعر الأمة ولمقدساتها...
3- إن العدو الصهيوني في حالة تراجع وضعف، قبال تفوق قوى المقاومة في المنطقة، لذلك فالمرحلة تتطلب دعم هذا العدو بعمق جغرافي أو استراتيجي، وبدعم مالي ورفد للاقتصاد الصهيوني، لكي يستطيع هذا الكيان البقاء والاستمرار في الحياة، لأن بدون هذا الدعم فسيكون مصير هذا العدو مهدد بالفناء، خصوصاً مع تراجع القوة الأمريكية الداعمة لهذا الكيان في المنطقة ، خصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، ولذلك نلاحظ إن الأولويات التي يركز عليها الصهاينة في عمليات التطبيع هي التعاون الأمني حيث نجد أن رئيس الموساد الصهيوني يوسي كوهين يعتبر محور هذا التحرك التطبيعي، والمتصدي الأول للقاءات مع المسؤولين العرب المطبعين، واليوم يركز الصهاينة على ضرورة التعاون العسكري مع هذه الأنظمة المطبعة، تحت لافتة الدفاع الصهيوني عنها!! فهذا رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الصهيونية " موشيه باتيل" يقول إن: "إسرائيل" منفتحة على التعاون العسكري مع الدول العربية ( الخليجية) التي كانت حتى وقت قريب أعداء رسميين" للدولة اليهودية..."بحسب زعمه وعلى حد تعبيره.. كما أن البروفسور شموئيل ساندلر الباحث الأول والعميد السابق لكلية العلوم الأجتماعية بجامعة بار ايلان قال في مقالة له نشرها معهد بيغن- السادات للدراسات الإستراتيجية مؤخراً... أن: "إتفاقات التطبيع بين "اسرائيل" ودول الخليج المسماة " إتفاقات أبراهام" تشكل إنجازاً سياسياً ذا أهمية تاريخية لوضع إسرائيل الإقليمي، فالأساس المنطقي لبناء جبهة معادية لإيران يُلزم "إسرائيل" بالقيام بعمل عسكري لصالح حلفائها" على حد زعمه، وبالأحرى لصالح مصالحها وليس لصالح هؤلاء العبيد لأن الصهاينة أعلنوا صراحة عند ما تعرضت السعودية للقصف من أنصار الله اليمنيين في بقيق وخريص، أنهم لا يدافعون عن السعودية، مثلما أعلن ذلك ترامب بصريح العبارة، في الوقت الذي هو ملزم بالدفاع عنها لقاء الحلب المستمر لأموال البقرة السعودية لقاء الحماية، وكما هو صرح بذلك، وبعظمة لسانه، حيث ألزم نفسه بهذه الحماية وبتقديمها للنظام السعودي!
على أي حال أغلب الخبراء يؤكدون ان حماس النظام الصهيوني للتطبيع مع هذه الدول الخليجية، يكمن في طموح العدو لحماية نفسه ولتقويتها بتوظيف كل الإمكانات التي توفرها له هذه الدول، دون أن تستفيد هذه الدول أي شيء من هذا التطبيع بل على العكس سوف تتضرر لا محالة، لأن الصهاينة أينما حلّوا ينشرون الدمار والفساد، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق