المملكة في قلب الحدث.. من التقشف حتى الخيبة
المملكة في قلب الحدث.. من التقشف حتى الخيبة
* حسن العمري
اعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، على موقعها الالكتروني يوم الخميس 29 سبتمبر/ أيلول، عن تراجع الاحتياطات السعودية في شهر أغسطس/ آب بنسبة 15% على أساس سنوي، هبوطا من 2.484 تريليون ريال (662.3 مليار دولار) في أغسطس/ آب 2015. وكانت الاحتياطات السعودية قد تراجعت نهاية 2015 بنسبة 15.8% لتبلغ 2.312 تريليون ريال، مقارنة بـ2.746 تريليون ريال نهاية 2014، وهو أول تراجع سنوي خلال 7 سنوات (2009 - 2015). ويشمل إجمالي الأصول الاحتياطية لمؤسسة النقد، الذهب وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة الى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج والودائع والتسهيلات.
تدهور الوضع الاقتصادي للمملكة دفع بالأسرة الحاكمة الى تفعيل لائحة تقويم الأداء الوظيفي؛ كمرحلة أولى لتقليص عدد الموظفين الحكوميين - حسب جريدة "عكاظ" السعودية، فيما اعتبره المراقبون أنه انطلاقة علنية لسياسة التقشف التي أمر بها الملك سلمان لتقليص مصروفات الحكومة على المواطن السعودي، وهي سياسة لا تشمل الأمراء والمؤسسة الدينية والمحيطين بهم، حيث خفض مجلس الوزراء السعودي من مزايا موظفيّ الدولة البالغ عددهم مليون و 250 ألف موظف بنسبة تجاوزت الـ 25 %، الى جانب إلغائه العلاوات والبدلات والمكافآت، معللة ذلك بانخفاض أسعار النفط بنسبة 61% مقارنة بأعلى سعر مسجل منتصف 2014 بسبب الإجراءات والتحركات التي بدأت المملكة في اتخاذها منذ نهاية العام الماضي بإغراقها السوق النفطية العالمية سعياً منها الى توجيه الضربة الى خصومها في المنطقة ايران وروسيا لينقلب السحر على الساحر.
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أكد فشل سياسة بلاده بإغراق السوق النفطية خلال تصريحه امام اجتماع "أوبك" بالجزائر، حيث وافق على السماح لإيران ونيجيريا وليبيا بالإنتاج بالمستويات القصوى المعقولة، بعد أن كانت الرياض تشدد على ضرورة إلزام طهران بتثبيت إنتاجها في معدلاته الحالية أي دون مستوى أربعة ملايين برميل يوميا، وهو ما رفضته الأخيرة. ما دفع بالشركات الأوروبية العملاقة مثل إيبلوم الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وسيسبا الأسبانية، وهيلينيك بتروليوم اليونانية الى حجز شحنات خام إيرانية لمصافيها الأوروبية هذا العام؛ ما سيدفع الى بلوغ ايران حصتها السابقة في السوق العالمية والصراع السياسي قائم بينها وبين المملكة في الكثير من الملفات الاقليمية والمراقبون يؤكدون أن الحصة الكبيرة من الكعكة من نصيبها فيما الحكومة السعودية صرفت عشرات مليارات الدولارات على تسليح ودعم المجموعات المسلحة الناشطة في سوريا والعراق دون جدوى سوى خيبة أمل كبيرة تتلقاها السياسة السعودية يوماً بعد آخر .
البورصة السعودية هي الاخرى تسجل باستمرار أدنى مستوياتها منذ مارس/ أذار 2011 نظرا لمخاوف من اتخاذ الحكومة المزيد من الإجراءات التقشفية لتقليص العجز الكبير في الميزانية الناجم عن انخفاض أسعار النفط. خاصة بعد أن خفضت الحكومة مزايا ومكافآت العاملين في القطاع العام وهو ما يشكل ضربة قاصمة للمواطنين الذين يعتمدون عليها بما يصل الى 30 في المئة من دخلهم فإن العامل الرئيسي الذي يؤثر في سوق الأسهم يتمثل في الضرر الذي سيلحق بالنمو الاقتصادي من الخطوات التقشفية.
عبد الحميد العمري الخبير الاقتصادي السعودي البارز توقع المزيد من الضغوط على السوق. مع قرب إعلان النتائج المالية الفصلية يحدد الناس مراكزهم بناء على ما سيأتي حيث من المتوقع أن تشهد السوق مزيدا من المخاطر بنهاية العام وفي الربع الأول من 2017. فيما التهديد الأكبر هو الموافقة التي ستعلنها الحكومة يوم الاثنين في إطار تنفيذ المزيد من الإجراءات التقشفية والتي ستتضمن رسوما أو ضرائب جديدة على العمالة الأجنبية الكبيرة في المملكة.
وأظهر مسح لرويترز نشر يوم الخميس أن مديري صناديق الشرق الأوسط أصبح لديهم نظرة سلبية تجاه الأسهم السعودية، مؤكدين أن تصويت الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي بالسماح لأقارب ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بمقاضاة السعودية أضر أيضا المعنويات في السوق رغم أن أي قضية ستستغرق سنوات للمضي قدما في النظام القضائي الأميركي.
الداعم والحليف الاستراتيجي فتح الباب على مصراعيها لتوجيه الضربة القاضية للتابع الإقليمي والمنفذ للمشاريع والحفاط على أمن الراعي القومي.. لكن المخاض يرسم صورة قاتمة لمستقبل المملكة خاصة إن هناك تسريبات تؤكد أن تعويض خسائر ضحايا أحداث سبتمبر الارهابية ربما ستتجاوز عدة ترليونات من الدولارات، وربما يصل المطاف بالحكم بتوزيع آبار نفط المملكة على أسر الضحايا لعدم وجود سيولة سعودية في البنوك الامريكية … وهذا ما لوح به مرشح الرئاسة دونالد ترامب - من حزب الصديق الحميم والشريك التجاري لأمراء آل سعود بوش - الذي لخص الموقف الأمريكي بقوله: "نحن في امريكا نذبح البقرة التي تتوقف عن الحلب ونأكلها … والسعودية توقفت عن انتاج النفط ولم نعد نحتاج اليه" .
صحيفة "انديانابوليس ستار" نقلت عن حاكم انديانا مايك بينس نائب المرشح الجمهوري دونالد ترامب، قوله في جلسة خاصة مع عدد من أسر ضحايا أحداث ايلول الارهابية قبل ايام " أن السعودية هي الدجاجة التي لم تعد تبيض ذهبا لاميركا.."، فيما كتبت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية مقالاً بقلم كاتبها الشهير باتريك كوبرن المعروف بقربه من مراكز الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، تحت عنوان“السعودية حصان الخليج الواهن، ولكن بريطانيا ما زالت تدعمها كحَل للخروج من الاتحاد الأوروبي” مشيراً فيه الى نظر بعض كبار المسؤولين الأمريكيين بالنسبة للسلطة السعودية ومستقبلها "إن استمالة السعودية ودول الخليج الأخرى قد تكون في واقع الأمر مراهنة على حصان واهن في الوقت الخاطئ بعد أن وافقت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على رغبات الدول الخليجية في تغيير النظام في ليبيا وسوريا عام 2011لكنها أخفقت تماما.. إن السعودية وأخواتها تهدد مصالحها لأنها أسهمت في نشر الفوضى في المنطقة، خاصة في سوريا، كما أسهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ظهور جماعات مسلحة متشددة مثل “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”.. وتورطت في حرب طاحنة في اليمن دون أن تستطع الفوز فيها".
التوسل السعودي للكونغرس الأمريكي وعلى لسان وزير الثقافة والإعلام السعودي عادل بن زيد الطريفي بأن "اعتماد قانون جاستا في الولايات المتحدة الأمريكية يشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الدولي الذي تقوم العلاقات الدولية فيه على مبدأ المساواة والحصانة السيادية وهو المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين"؛ باتخاذ الخطوات اللازمة من أجل تجنب العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب على سن قانون "جاستا" لم تعد تجدي الحكومة السعودية نفعاً طالما سيل شكاوى اسر ضحايا الارهاب السعودي أخذ طريقه نحو المحاكم الأمريكية وربما في خارجها ايضاً.
ارسال التعليق