كيف سحق تركي آل الشيخ هوية الفن المصري بأمواله؟
لم تمر أيام قليلة على سحب المسؤول السعودي البارز "تركي آل الشيخ"، استثماراته الرياضية من مصر، والتي سببت العديد من المشكلات والأزمات، حتى ذاع صيته من بوابة الفن، ليواصل إثارة الجدل وبسط النفوذ الذي جعل الفنانين ونقابتهم تتحرك بأوامره.
خروج "آل الشيخ" من الوسط الرياضي في مصر، جاء بعد موقف حرج، بعد تعرضه لهتافات مسيئة رددها مشجعو النادي الأهلي المصري، الذي كان يحظى برئاسته الشرفية.
وجاء هذا الخروج، رغم تغلغله في المجال الرياضي عبر الدعم المالي السخي للنادي الأهلي ورئاسته الشرفية، ودعم نادي الزمالك ماديا، والاستحواذ على النادي الأسيوطي وتحويل اسمه إلى بيراميدز، قبل أن يعلن في النهاية بيعه لمستثمر إماراتي، وينهي علاقته الرياضية في مصر.
وفي هذه الأثناء، بات "آل الشيخ" يوصف في مصر بأنه "شوال الرز"، في إشارة إلى شرائه من يريد بأمواله.
ولم تمر إلا أيام قليلة، حتى عاد "آل الشيخ" عبر بوابة الفن، بطرح المطرب المصري الشهير "عمرو دياب"، أغنية جديدة بكلمات المسؤول السعودي، قبل أن يبسط الرجل وهو في الأصل شاعر غنائي نفوذه على الساحة الفنية، مستندا إلى ما هو متاح له من إمكانيات مالية وشبكة علاقات واسعة.
هذا النفوذ سحق الهوية الفنية المصرية أمام مطالب الجانب السعودي، التي تأتي بسلطة التمويل ورأس المال، خصوصا أن المتحكم فيها الآن رجل من نوعية "آل الشيخ"، الذي لا يفوت فرصة إلا يذكر فيها الجميع بما ينفقه، وبقدرته على تغيير المبادئ والأفكار بقوة المال.
ظهور "آل الشيخ" الأول في مجال الفن المصري، كان عبر بوابة المنوعات والحوادث، بدل الصفحات الفنية، بسبب ما جرى بينه وبين المغنية "آمال ماهر"، في موقف اختلط فيه ما هو حميمي بما هو فني، وتناسلت بشأنه الكثير من الشائعات.
الخلافات بين "آمال" و"آل الشيخ"، جاء إثر انفصال من زواج سري، ووصلت إلى حد أن تهجم عليها في الشارع وفي منزلها، طبقا لشهادة المقربين منهما، وقيامه بإغلاق صيدلية شقيقها، بالإضافة إلى تدخله لإغلاق الاستديو الخاص بها وحذف قناتها على "يوتيوب"، وهو ما أعلنت عنه "آمال" نفسها دون أن تذكر اسم "آل الشيخ".
وعلى الرغم من تردد شائعات الصلح بينهما، لكن "آمال" أعلنت منتصف العام الماضي، اعتزالها وابتعادها تماماً عن الوسط الفني والنشاط الفني، وذلك لظروف خاصة خارجة عن إرادتها، دون أن تسميها.
وبالتزامن مع هذه الأحداث، برز "آل الشيخ"، كصديق لكبار الفنانين، واستفاد من شبكة معارفه، فنجح في استقطاب أهم مطربي وممثلي الوطن العربي والعالم لدعم الرؤية السعودية الجديدة، وإحياء حفلات ضمن مواسم الرياض الترفيهي.
أبرز هؤلاء النجوم، كان نجم الغناء المصري "عمرو دياب"، حيث ظهرا سويا في مناسبات فنية عدة، كان من بينها زيارة الفنان المصري للمسؤول السعودي في نيويورك، للاطمئنان على صحته بعد أن أجرى عملية جراحية هناك.
وسريعاً ودون رحلة كفاح أو تجارب نجاح أو فشل، وضع "آل الشيخ" اسمه مع كبار المطربين العرب، وأنتج أغاني حملت اسمه، وتم توزيعها بشكل واسع في الوسط الفني.
أما الشخصية الثانية التي ارتبطت بـ"آل الشيخ"، فهو الإعلامي "عمرو أديب"، والذي ظهر في مقطع فيديو لحظة توقيعه عقدا مع مجموعة "إم بي سي"، بإشراف وحضور شخصي من "آل الشيخ".
وعلق "آل الشيخ" ضاحكا بعد إعلان توقيع العقد، ويقدم بموجبه "أديب" برنامجا على قنوات "إم بي سي"، قالا: "احنا نحب نقول.. بهاي العقد هذا يصبح عمرو أغلى مذيع في الشرق الأوسط"، قبل أن يضرب بقوة مبالغ فيها على كتفه.
واستطرد قائلا ومعلقا على "أديب" باللغة الإنجليزية: "لاري كينغ العرب.. ويلكوم تو ساودي أرابيا"، وختم "آل الشيخ"، تعليقه في جلسة ثلاثية جمعته أيضا بالمذيع بالقناة "بتال القوس"، قائلا: "يلاه.. إيلي بعدو".
مقطع الفيديو أثار زوبعة من الانتقادات، لما رأى فيها المغردون صفقة "شراء" فيها "إهانة واضحة" للمصريين.
لم يقف الأمر عند ذلك، فدخل "آل الشيخ" إلى مربع الاستثمار في المجال الفني المصري، أو هكذا يعلن، لكن الحقيقة أن رؤية الرجل ومن يحركونه تجاه المصريين عموما والفن المصري خصوصا تبدو بعيدة كل البعد عن مجرد الاستثمار الفني.
ففي 2019، وقع "آل الشيخ"، مع فنانين مصريين لإقامة فعاليات مسرحية وموسيقية على أرض السعودية.
ومن أبرز هؤلاء الفنانين المصريين: "محمد هنيدي" و"يسرا" والراحلة "رجاء الجداوي"، بالإضافة إلى كوكبة من المغنين في مقدمتهم: "هاني شاكر" و"محمد حماقي"، فضلا عن مجموعة من الإعلاميين.
وجاء لجوء "آل الشيخ" إلى استقطاب الفنانين، تحت مظلة الترفيه، للبحث عن موطئ قدم جديد في مصر، وذلك بضوء أخضر من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، لاختراق الساحة المصرية عبر بوابة الفن.
هذه المساعي والتحركات الأخيرة، خلاصتها الهيمنة الناعمة على القرار المصري، ومحاولة النفاذ إلى القرار السياسي، وإيجاد موطئ قدم للرياض داخل مصر.
ومنذ ذلك الحين، مالت هيئة الترفيه السعودية التي يرأسها "آل الشيخ"، إلى محتوى كوميدي مفرغ من أي معنى نقدي أو رمزية سياسية أو اجتماعية.
تبدو الضخامة هنا صفة مكررة لما يفضله "آل شيخ"، إذ يتفاخر الرجل دائما بأنه يتعاقد مع الأكبر والأشهر والأغلى، في صورة كاريكاتورية قريبة للثري الخليجي الذي قدمه "أحمد مكي"، في فيلم "طير إنت".
فالرجل تعاقد مثلا مع الفنان المصري "عادل إمام"، لكي يظهر كضيف شرف في أحد الأعمال المسرحية، وبالتأكيد دفع مبلغا طائلا في ذلك، فقط ليعلن أنه قد تعاقد مع "الزعيم".
وهنا بدأت الاعتراضات، نتيجة انسحاق الهوية الفنية المصرية أمام مطالب الجانب السعودي.
هذا الانسحاق، ظهر مؤخرا في تصريحات للفنان المصري "حسن الرداد"، أثناء تواجده في السعودية للمشاركة في حفل توزيع جوائز "Joy Awards" عبر فيها عن رغبته في العيش في السعودية بسبب نشاطها الفني.
وتعرض "الرداد" لانتقادات شديدة من بعض المصريين على مواقع التواصل وفي وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبروها "تقلل من قيمة مصر الفنية"، قبل أن يدافع عنه "آل الشيخ"، قائلا: "لماذا التركيز فيما قاله حسن الرداد؟ فالمملكة منذ قدم التاريخ وإلى وقتنا الحاضر وإلى آخر الزمان أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين وأرض الخير والأمن والأمان وحاضنة الفن والإعلام".
وجه آخر لهذا الانسحاق، ظهر مع التصريحات الأخيرة للفنان "محمد صبحي"، بسبب رفضه التمثيل في السعودية، وهجوم "آل الشيخ" عليه وسط حالة من الصمت من الفنانين ونقابتهم، ومعاقبة من تضامن معه.
"صبحي"، قال إنه رفض عرضاً بـ"4 ملايين دولار" لتقديم عمل مسرحي على هامش موسم الترفيه في السعودية، باعتبار أنه "يقدم فنا" وليس "مرفهاتي"، وهو ما رد عليه "آل الشيخ" بهجوم عنيف وصف فيه الفنان المصري بـ"المشخصاتي"، مضيفاً في تغريدة له على حسابه في "تويتر": "والله أنا أبي أعرف اللي عرض الملايين عليه، نبي نكشف على قواه العقلية".. مضيفاً: "هو مشخصاتي".
اللافت أن "صبحي" كان يشيد بالطفرة الفنية التي حدثت في المملكة خلال عام واحد، وعبّر عن إعجابه بفعاليات مهرجان "Joy Awards" ولم يبد اعتراضاً على ذهاب فنانين مصريين لتقديم عروض وحفلات في المملكة، وإنما قال إنه كان يتمنى لو أن الصحوة الفنية في البلد الخليجي "يقودها فنانون سعوديون".
ويبدو أن "صبحي"، افترض سوء الفهم أو أن تصريحاته التبست على السعوديين، فسارع أولاً إلى الإيضاح في بيان، قال فيه إنه يفضل العمل في بلده وتقديم الفن الذي يريده، وإن السعودية دولة شقيقة سعد بصحوتها الفنية ويتمنى لها التوفيق بسواعد أبنائها الفنانين.
وأضاف أنه رفض "4 ملايين دولار" لعرض مسرحية "خيبتنا" ضمن فعاليات موسم الرياض، اعتراضاً على العمل تحت شعار الترفيه، منبهاً "أكدت للمسؤولين عن موسم الرياض أنني مستعد لعرض مسرحيتي مجاناً، ولكن تحت شعار آخر غير الترفيه".
لكنه وبعد تعليقات "آل الشيخ"، عاد وهاجم الممسؤول السعودي، بجزء من حوار مسلسله "رجل غني فقير جداً"، وقال: "ما قيمة أن يكون الرجل غنياً بماله فقيراً في علمه وأخلاقه؟ أُشفق على جاهل يتألم من جهله.. وأتعجب من جاهل يداري جهله بلسان ذاق مرارة سوء أخلاقه.. المال لا يرفع قيمة الجاهل ولا يغني من كان في وطنه مكرماً وغنياً بعلمه".
واعتُبر هذا المنشور، الذي حصد إعجاب 20 ألف شخص، رداً غير مباشر على "إهانة آل الشيخ"، حسبما تُظهر التعليقات عليه والتي ناهز عددها الثلاثة آلاف.
في غضون ذلك، دشّن مصريون وسم "كلنا محمد صبحي" للتعبير عن رفضهم الإساءة لـ"ابن بلدهم" الذي كان "سابق عصره وأوانه"، وحرص على تمرير "القيم والمبادئ العليا" للأجيال المتعاقبة في أعماله، حسب وصفهم.
وعلى الرغم من هذا التضامن، لم يعلن أي فنان مصري بارز دعم "صبحي"، إلا "باسم سمرة"، إذ كتب عبر صفحته الرسمية على "فيسبوك" منشوراً دعم فيه "المشخصاتي محمد صبحي"، ثم دعا من يرى من أصدقائه "الواد (الولد) اللي غلط في صبحي يديله (يضربه) على قفاه".
ورغم أنه لم يسم من أخطأ في حق زميله الفنان المصري، إلا أن جمهور "سمرة" ربط منشوره مباشرةً بأزمة "صبحي" و"آل الشيخ".
لم يسكت "آل الشيخ" عما فعله "سمرة"، ليفاجأ أبطال مسلسل "منورة بأهلها" المصري، بحذفه من على منصة "شاهد" السعودية قبل ساعات من عرضه، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تأتي ردا على تصريحات أحد أبطال المسلسل (سمرة) التي هاجمت "آل الشيخ".
وقال كاتب ومؤلف المسلسل "محمد أمين راضي"، إن منصة "شاهد VIP قامت بحذف كل دعاية المسلسل من على صفحاتها بجميع منصات التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن العمل كان سيعرض خلال 8 ساعات فقط من الحذف".
الغريب أن نقابة المهن التمثيلية في مصر، لم تتضامن مع "صبحي" أو "سمرة" في أزمتهما مع "آل الشيخ"، بيد أن بيانها حاول "مسك العصا من المنتصف" بين الاثنين.
وأشاد البيان بـ"التطور الهائل في الحياة الفنية والثقافية في السعودية الشقيقة، وما له من أثر كبير في خدمة الإبداع والفن العربي"، لافتا إلى أن "كل هيئة ثقافية إبداعية ترفيهية في أي دولة شقيقة وهي تضع سياساتها أو مسمياتها، فهو أمر يجب احترامه من الجميع ولا يجب أن يكون هناك أي تدخل في هذا الشأن".
في المقابل، وصفت "صبحي" بأنه "قيمة فنية كبيرة وأعماله جزء هام من تاريخ الإبداع المصري ولا يمكن المساس بقيمته".
واختتمت النقابة بيانها قائلة إن "النقابة تدعو الجميع بروح وقيم الفن العربي إلى الكف عن أي تصريحات من شأنها أن تعكر هذه الحالة الفنية الرائعة التي يشهدها مجتمعنا العربي".
ارسال التعليق