اعتدال مركز للوسطية تديره عقول سعودية متطرفة
مضى عام كامل منذ وضع الرئيسان الأمريكي والمصري يدهما إلى جانب يد العاهل السعودي فوق مجسّم للكرة الأرضية، ليعلنوا جميعاً، من الرياض، إطلاق المركز العالمي لنشر السلام (اعتدال)، في مشهد بدا أقرب للأفلام الأجنبية منه إلى الواقع.
المركز الذي قيل إنه سيعمل على منع نشر الفكر المتطرّف وتعزيز السلام العالمي، لا يعدو كونه مدوّنة على شبكة الإنترنت تتحدّث عن سياسات وأهداف وتحرّكات وزيارات لا أثر لها على أرض الواقع، حتى هذه اللحظة على الأقل، وذلك بحسب ما لمسه مراقبون من يوم تأسيسه.
وتم تدشين المركز خلال زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسعودية في مايو 2017، وهي الزيارة التي وصفتها الرياض في وقتها بـ «التاريخية». وقال مؤسسو المركز في حينه إنه سيكون منبراً لنشر التسامح والفكر المعتدل، وسيفاً مسلطاً على رقبة المتطرّفين.
ويمكن القول إن ما فعله (اعتدال) خلال عامه الأول أنه استخدم جيوشاً إلكترونية لتمرير أفكار محور بعينه، وشنّ هجمات وحروب ضد دول بعينها، وتحديداً تلك التي تعتبرها السعودية عدوة، أو التي لا تسير في ركبها، الأمر الذي يراه مراقبون بمنزلة «تطرّف وإلغاء للآخر، وهو ما يتنافى مع مسمّاه».
ومنذ إطلاق المركز، شهدت المملكة اعتقال دعاة عُرفوا دائماً بالوسطية، لكن السلطات اتهمتهم بتبنّي أفكار متطرّفة والترويج لها، فضلاً عن أن الرقابة على مواقع التواصل باتت أكثر قوة ممَّا كانت عليه قبل تدشين المركز.وقبل مضي العام الأول اتسعت رقعة الاعتقالات داخل المملكة فطالت ناشطات لطالما دافعن عن حقوق المرأة، وهو أمر يتعارض مع سياسة ولي عهد السعودي الذي يرى البعض أنه يدغدغ مشاعر الغرب بملف حرية المرأة.
وجاء تدشين هذا الموقع قبل أسبوعين تقريباً من اندلاع أزمة الخليج ومُحاصرة دولة قطر، وما تبعه من هجمات إعلامية وحروب إلكترونية، كان من بين ضحاياها رموز سعودية رفضت الانزلاق إلى مستنقع الفتنة، الأمر الذي يثير أسئلة حول طبيعة أعمال المراقبة التي يمارسها المركز، ومن الذين يراقبهم، والأهداف المرجوّة من هذه المراقبة.
الممارسات التي أعقبت تدشين المركز هي الأخرى تجعل تعريف «الفكر المتطرّف» الذي يسعى لمحاربته محلّ خلاف؛ إذ يبدو أن مؤسسي اعتدال يرون في كل مخالف لرأيهم متطرّفاً، ويعتبرون كل صاحب فكر غير فكرهم إرهابياً تجب محاربته.ورغم أنه تأسس لمحاربة الإرهاب ومواجهة التطرف، فإن المركز لم يلحظ له نشاط لتحجيم دعوات الفتنة والمحرضين على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن شخصيات محسوبة على بعض الدول المؤسسة للمركز، لا تكف عن محاولات إشعال الفتنة بين الشعوب.
ولا تكف جماعات الذباب الإلكتروني السعودية والإماراتية والمصرية عن ممارسة الإرهاب الفكري، ونشر ثقافة الفتنة وعدم الثقة بين الشعوب الشقيقة، ومع ذلك فإن حكومات الدول المؤسسة لـ»اعتدال» تدعم هذه الكتائب بدلاً من أن تقمعها.ورغم أن من بين استراتيجيات عمل المركز اتخاذ إجراءات استباقية وتفاعلية لحجب ومنع وإغلاق «منافذ الفكر المتطرّف» بمختلف أشكالها، وتعطيل مصادر تغذيتها الرقمية، فإن ما يحدث على أرض الواقع هو العكس تقريباً.
السعودية بوصفها قائدة لمحور مُحاصرة قطر، وضعت إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية على رأس مطالبها لرفع الحصار، وهي القناة التي ساعدت العرب كثيراً في معرفة حقيقة الأحداث التي تدور حولهم، كما تقول الصحف الأجنبية. في يوليو الماضي، أكدت السعودية على لسان ممثل وفدها في قمة العشرين بألمانيا، إبراهيم العساف، وجوب منع استخدام مواقع التواصل في التجنيد والدعاية، معتبرةً أن إيجاد فرص عمل أهم وسيلة لإبعاد الشباب عن التطرّف. وقال العساف: إن المملكة أطلقت مركز «اعتدال» بمشاركة الرئيس الأمريكي وعدد من رؤساء العالم وقادته؛ لتعزيز الاعتدال ومحاربة الفكر المتطرف، مضيفاً: «عملنا على حزمة من الإجراءات الرقابية الصارمة على العمليات والتحويلات المالية»، إلا أن قيم الاعتدال لم يلمسها الشباب السعودي حتى اليوم. وبينما تتهم السعودية قطر بدعم الإرهاب وتمويله، فإن التقرير لم يذكر أن قطرياً واحداً يقاتل في صفوف «داعش»، فضلاً عن تأكيدات واشنطن وباريس وبرلين، وغيرها من عواصم الدول الكبرى، للدور القطري الكبير في مواجهة خطر التنظيم.
ومن المثير للانتباه أن موقع المركز على الإنترنت ينشر العديد من القيم الإيجابية التي يمكن بتطبيقها الصحيح تحقيق نتائج ملموسة في مكافحة التطرّف، إلا أن الملاحظ استغلالها كأداة استخبارية لتكميم الأفواه وفق رغبات العاملين فيه.
ويقول: إن من بين المميزات الكثيرة التي يملكها «اعتدال» أن لديه «نخبة مميزة في مكافحة التطرّف الفكري وأنشطته على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بوجه عام»، كما أن لديه «برمجيات مبتكرة لرصد وتصنيف وتحليل أي محتوى متطرّف في غضون 6 ثوانٍ من ظهوره على شبكة الإنترنت، وبمستوى غير مسبوق عالمياً، ما يتيح آفاقاً جديدة في مجال مكافحة الأنشطة المتطرّفة في المجال الرقمي». وخلال عامه الأول، اعتقلت السعودية الداعية المعروف سلمان العودة، وحجبت صفحة إمام الحرم المكي سعود الشريم على «تويتر»، وأجبر الخوف دعاة مشاهير مثل عائض القرني ومحمد العريفي وعبد الرحمن السديس على الصمت على الانتهاكات أو تبريرها في بعض الأحيان. وفي مصر، تشن السلطات حملة عنيفة ضد نشطاء رأي مدنيين بعدما أجهزت تقريباً على معارضيها من الإسلاميين وغير الإسلاميين، في تناقض واضح مع الأهداف التي من أجلها أسس المركز والمتمثلة في دعم حرية الرأي البنّاء.وتقول صحيفة «عكاظ» السعودية إن المركز أبرم اتفاقات مع حكومات واستقبل وفوداً وحقق نجاحات على الشبكة العنكبوتية، لكنها لم تذكر تفاصيل محددة في أي من هذه الأمور.
ارسال التعليق