بالحديد والنار.. أمراء السعودية تحت رحمة ابن سلمان
أفادت مصادر متطابقة بالأمس مقتل ثلاثة أمراء سعوديين في مواجهات الأجهزة الأمنية أمام سجن الحائر جنوب عاصمة الرياض، وأكد موقع مرآة الجزيرة السعودي أن حراس سجن الحائر أطلقوا الرصاص لقمع الأمراء الذين تجمهروا أمام سجن الحائر احتجاجًا على اعتقال أقاربهم.
وفي سياق متصل قالت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن 60 من معتقلي فندق الريتز كارلتون قد تم نقلهم إلى سجن الحائر بعد رفضهم دفع نصف أموالهم لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
تعاطي ابن سلمان مع الأمراء السعوديين بطريقة مهينة لا تتناسب مع صفتهم الأميرية التي لم تعد تشكل لهم حصانة من التعذيب والاعتقال وحتى القتل، جاء بضوء أخضر أمريكي، فالدعم الأمريكي لنجل الملك السعودي اعتبره كتاب “نار وغضب” الطفل المدلل للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب وساعده الأيمن في منطقة الشرق الأوسط، وشواهد الواقع تدلل على مصداقية هذا الطرح، فابن سلمان منح ترامب ما يقارب الـ500 مليار دولار فيما سميت حينها بالصفقة التاريخية، وقيل إنها تتضمن صفقات عسكرية ومشاريع استثمارية وبعيدًا عن شفافية الصفقة من عدمها، فإن ولي العهد السعودي بعد هذه الصفقة والتي تمت في 20 مايو من العام المنصرم تغوّل نفوذه في المملكة، فأطاح بولي العهد آنذاك، محمد بن نايف، وهو تحت الإقامة الجبرية، واستولى ابن سلمان على منصب ولاية العهد الذي لم يكن من حقه في يونيو 2017، ويبدو أنه في طريقه لتركيع الأمراء لقبولهم بسياسة الأمر الواقع كملك مستقبلي للمملكة لا ينازعه في ملكه أحد، خاصة أن تقارير تشير إلى أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لديه مخطط لحصر الملك في نسله، حيث كشفت مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية أن الملك سلمان بن عبد العزيز بعد أن أحكم السلطة لصالح ابنه محمد بن سلمان أوصى بتعيين ابنه خالد ولياً للعهد، وذلك لإحكام السلطة في بيته ومنع الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة في خطة نقل السلطة.
ومن الواضح أن الطريقة التي يتعامل بها ابن سلمان مع الأمراء السعوديين تسير وفق هذا المخطط، فولي العهد السعودي يسعى لتقليم أظافر الأمراء من ناحية النفوذ والقوة الاقتصادية، في الوقت الذي يزيد فيه من قوته ونفوذه، فإلى جانب ولايته للعهد يمتلك ابن سلمان حقيبة الدفاع، ويترأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في المملكة، ويشرف على “أرامكو” عملاق النفط في المملكة، وفي سياسة تقليص نفوذ الأمراء أعفى النظام السعودي، أمس، الأمير عبد الله بن سعود بن محمد آل سعود من منصبه كرئيس لاتحاد الرياضات البحرية من قبل تركي آل الشيخ والذي يمثل رأس حربة لمحمد بن سلمان في إنهاء نفوذ أمراء في عالم الرياضة في المملكة.
إعفاء بن سعود جاء بعد تسجيل صوتي سربته وكالة بلومبيرغ الأمريكية، يشكك فيه الأمير المقال بالحجج التي ساقها النظام السعودي لتبرير اعتقال 11 أميرا سعوديا بعد رفضهم أوامر لمغادرة قصر الحكم في الرياض الأسبوع الماضي، وأشار بن سعود إلى أن تلك الاتهامات كانت مزيفة تماما، ولا يمكن تصديقها متسائلا كيف يمكن لأمراء أن يواجهوا مشاكل في دفع فواتير كهرباء وماء، ولا سيما أنهم جميعا يتمتعون بأملاك وثروات طائلة وليست لديهم أي مشاكل مالية.
كلام بن سعود تطابق مع ما قاله المغرد السعودي الشهير مجتهد، والذي أكد على أن سبب اعتقال الأمراء هو اعتراضهم على تشويه سمعة الأمراء المحتجزين ومعاملتهم بجفاء، وتغييب ولي العهد السابق محمد بن نايف، وأضاف مجتهد أن محمد بن سلمان أدرك أن هذه بداية تمرد داخل العائلة فعمد إلى اختلاق سبب يطرب له الناس، فقام المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني، باختراع أكذوبة الفواتير.
تعليق مجتهد جاء تعقيبًا على توقيف 11 أميرا سعوديا قبل أيام احتجوا على أمر ملكي بوقف سداد فواتير الكهرباء والمياه عن الأمراء، ومن بين الأمراء السعوديين المعتقلين كل من نايف وسعود، نجلي الملياردير سلطان بن محمد الكبير، مؤسس شركة المراعي أكبر شركة ألبان سعودية، بالإضافة إلى الأمير نايف، العضو في مجلس إدارة شركة المراعي ورئيس ثالث أكبر شركات الاتصالات السعودية زين.
وبالتزامن مع اعتقال الأمراء الجدد برز اسم كتيبة “قوة السيف الأجرب”، والتي ترتبط بشكل مباشر بولي العهد وأنشئت عقب تولي سلمان بن عبدالعزيز لمقاليد الحكم، ويزيد عدد أفرادها على 5 آلاف عسكري من مختلف الرتب العسكرية، وهذه الكتيبة هي من تدخلت وألقت القبض على الأمراء.
ويربط مراقبون بين تصريحات ابن سلمان بتنويع اقتصاد المملكة المتعثر الذي يعتمد بشكل شبه كلي على النفط والذي انخفض سعره بطبيعة الحال، وبين توقيف أكثر من 200 أمير في نوفمبر الماضي، والذي شمل عددا كبيرا من الأمراء السعوديين والوزراء السابقين ورجال الأعمال المشهورين بحجة مكافحة الفساد عن طريق لجنة أسسها ويرأسها ابن سلمان بنفسه، ويقول المراقبون إن ما يجري داخل النظام السعودي هو انقلاب يقوده ابن سلمان بهدف تصفية خصومه من الأمراء ورجال الأعمال وسرقة أموالهم ونقلها إلى حساباته، خاصة أن من بين المعتقلين في فندق ريتز كارلتون أسماء بارزة، كالأميرين متعب بن عبدالله، والوليد بن طلال، وكشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن بعض الأمراء، ومنهم الوليد بن طلال، عُلّق من قدميه لاستجوابه من قبل مرتزقة أمريكيين.
وفيما يخص الأمير متعب ابن الملك السعودي الراحل، قالت صحيفة فايننشال تايمز إن حملة مكافحة الفساد في السعودية كان الهدف الأساسي منها إقصاء وزير الحرس الوطني المقال الأمير متعب بن عبد الله، باعتباره آخر عقبة تعترض صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعرش.
وفي أغسطس الماضي عرضت شبكة “بي بي سي” البريطانية فيلماً وثائقياً بعنوان “أمراء آل سعود المخطوفون” تناول القصص الغامضة لاختفاء 3 أمراء سعوديين وهم سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر، وكانوا يعرفون بانتقاداتهم اللاذعة للنظام الحاكم وللعائلة المالكة السعودية.
وقبل أيام كشف الأمير السعودي خالد الفرحان، عن صدور كتابه الجديد عن الأوضاع الداخلية في السعودية تحت عنوان “مملكة الصمت والاستعباد في ظل الزهايمر السياسي”، والذي أكد أن مشاكل السعودية المرتبطة بالفساد السياسي والمالي باتت عميقة لا يمكن علاجها إلا من خلال تغيير جوهري شامل.
ويرى خبراء أن صراعا على السلطة يدور بين وليي العهد ابن سلمان، وابن نايف، ويبدو أنه لا أفق واضحا لهذا الصراع الخفي، خاصة أن موقع “كاتيخون” للدراسات السياسية، قال إن ابن سلمان تعرض لمحاولة اغتيال داخل المملكة نجا منها، دون ذكر أي تفاصيل أكثر حول هذا الموضوع، في مقابل ذلك تواردت أخبار لقتل أمراء آخرين في ظروف غامضة، ففي نوفمبر الماضي قالت وسائل إعلام سعودية إن عددا من المسؤولين السعوديين لقوا مصرعهم في تحطم طائرة مروحية في منطقة عسير، بينهم الأمير منصور بن مقرن نائب أمير المنطقة، الجدير بالذكر أن مقرن كان مقربًا من محمد بن نايف، ويبدو أن هذه الصراعات ستؤدي إلى قرارات سياسية مقلقة جداً داخل السعودية وخارجها والتي تحكمها أسرة آل سعود منذ 271 عاماً.
ويُرجح أن يستمر ابن سلمان في حملة الاعتقالات التي تطول رموزا من الأسرة الحاكمة مع تنامي حالة الغضب بين أفرادها لتفرّد الأمير بالقرار، وتحجيمه دور الأمراء الآخرين، في سعيه نحو العرش، وهو الأمر الذي يقابل بمعارضة خفيّة بين أفراد الأسرة لتخطيه أبناء الملك عبدالعزيز، الأحق بتولي العرش.
بقلم : خالد عبدالمنعم
ارسال التعليق