تجريم معاداة "السامية".. هل تهيئ دول خليجية شعوبها للتعايش مع "اليهود"؟
التغيير
لم تفتأ الصهيونية ومن بعدها دولة الاحتلال الإسرائيلي تتهم شعوب العالم بعداء اليهود تحت ما أطلق عليه مصطلح "العداء للسامية"، وقد حرصت منذ قيام "إسرائيل" في فلسطين على إلصاق هذه التهمة بالشعوب العربية والإسلامية.
وتستغل حكومة الاحتلال كفاح ما يسمى بـ"المعاداة للسامية"، وحولته إلى أداة لضرب مصداقية التضامن مع الفلسطينيين، وفرصة لتطويع شعوب عربية وإسلامية، خصوصاً المطبعة منها، في السير نحو التعايش مع اليهود، وتجريم معاداتهم.
ويبدو أن أحد أهداف التطبيع بين "إسرائيل" والبحرين والإمارات، كان العمل على تجريم أي عداء أو هجوم ضد اليهود، وتصوير التعاون والتطبيع مع دولة الاحتلال ضمن إطار "التعايش السلمي"، وهو ما يعني تمييع قضايا إسلامية من بينها قضية فلسطين والقدس المحتلة.
كانت البحرين من الدول العربية المسارعة إلى توقيع اتفاقية لمحاربة معاداة السامية، بعدما أعلن المبعوث الأمريكي الخاص لمكافحة ورصد معاداة السامية إيلان كار، في الـ23 من أكتوبر 2020، توقيع اتفاقية مع المنامة.
وقال المبعوث الأمريكي: إنه "سيتم تحديد مجالات التعاون التفصيلية في خطة عمل تراجَع دورياً، وستوضع في غضون ستة أشهر من توقيع الاتفاقية".
وعلى هامش التوقيع قال رئيس مجلس أمناء مركز حمد العالمي للتعايش السلمي في البحرين، خالد الخليفة: "إننا نعلم جميعاً أن الكراهية هي عدو السلام"، مضيفاً: "يتعيّن احترام جميع المجموعات في العالم على الرغم من اعتقادهم".
وتنص الوثيقة المكونة من صفحتين على أن "العرب واليهود شعبان ساميان مهدّدان بالكراهية، أو التعصب تجاه الشعوب السامية، وأن على جميع شعوب الشرق الأوسط أن تطمح إلى التعايش في تسامح واحترام متبادل".
وبحسب ما ذكرت وكالة أخبار اليهود الأمريكية فإن الوثيقة تنص أيضاً على "الاعتراف بتعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى محرقة اليهود لمعاداة السامية".
وجاء في مذكرة التفاهم أن "مركز الملك حمد العالمي ومكتب المبعوث الخاص التابع لوزارة الخارجية الأمريكية لمراقبة ومكافحة معاداة السامية يعملان على وضع وتنفيذ برامج لمكافحة معاداة السامية وتعزيز التعايش السلمي".
شعوب رافضة
يعتقد المحلل السياسي الفلسطيني ماهر شاويش، أن ما يجري مع الدول المطبعة يؤكد "أن هذه الاتفاقيات التي أبرمت ترمي إلى أبعد من التطبيع".
ويرى أن التطبيع "عبارة عن تحالفات استراتيجية لإعادة صياغة ورسم ملامح المنطقة وفق قاعدة الحفاظ على التفوق الإسرائيلي، وفي كل المجالات"، مشيراً إلى أن ملحقات هذه الاتفاقات "تصب في هذا المسار كما حصل في اتفاقية محاربة "معاداة السامية " وغيرها.
ويوضح لوسائل إعلامية أنه لا يستبعد أي خطوة تخطوها هذه الدول المطبعة بأي اتجاه، مضيفاً: "ما تفعله هو أكثر من هرولة، بل فجور في التطبيع على الأصعدة كافة".
وعن الشعوب العربية والخليجية خصوصاً، يقول شاويش: "لا شك أن غالبيتها ترفض هذا المسار، لكن المطلوب ترجمة هذا الرفض حراكاً ملموساً على الأرض يلجم الطرف الرسمي العربي، وإلا فإن الرسميين العرب، حكومات ودولاً، ماضون لما يخدم مصالحهم الشخصية وما يحفظ تثبيتهم في مناصبهم بحسب تصورهم المبني على التحالف مع الأمريكي والإسرائيلي، ولا ضير لديهم حتى في الانبطاح لهما".
منع الخطاب المعادي بمملكة آل سعود
من إدخال تعديلات على الكتب المدرسية إلى التعريف بالتاريخ، ضغطت مملكة آل سعود سابقاً، عبر بوابة التقرب من اليهودية من أجل نوع آخر من التطبيع مع "إسرائيل" في ظل تمسكها بتأجيل إقامة علاقات رسمية مع الدولة العبرية.
وتدفع مملكة آل سعود لتغيير التصورات العامة عن اليهود في مجتمع كان يتلقى في الماضي إشارات سلبية في هذا الصدد من قبل وسائل الإعلام والقنوات الرسمية.
ونقلت وكالة "فرانس برس"، منتصف سبتمبر الماضي، عن مسؤولين سعوديين أن الكتب المدرسية التي كانت تنعت أتباع الديانات الأخرى بأوصاف مثيرة للجدل، تخضع للمراجعة كجزء من حملة ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان لمكافحة "التطرف" في التعليم.
ونقلت عنهم أيضاً قولهم إن " مملكة آل سعود قررت أيضاً منع إهانة اليهود والمسيحيين في المساجد"، وهو ما كان لافتاً إثارته من قبل إمام المسجد الحرام في مكة، عبد الرحمن السديس، عندما تحدث في خطبة له عن العلاقات الودية للنبي محمد ﷺ مع اليهود.
إشادة إسرائيلية.. ومعبد يهودي
ونال السعودي محمد العيسى، الذي يتولى رئاسة "رابطة العالم الإسلامي"، إشادة إسرائيلية في يناير الماضي؛ بعدما زار بولندا لحضور احتفال بذكرى تحرير معسكر أوشفيتز.
كما كرمت حركة مكافحة اللاسامية واتحاد السفارديم الأمريكي العيسى، بجائزة هي الأولى التي تخصص للقادة المسلمين المشاركين في مكافحة معاداة السامية.
وسعت المملكة إلى تواصل جريء مع شخصيات يهودية من خلال لقاءات، أحدها في فبراير، عندما استضاف العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الحاخام المقيم في القدس ديفيد روزين، لأول مرة في التاريخ الحديث.
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت المملكة عرض فيلم عن الهولوكوست لأول مرة في مهرجان سينمائي، قبل أن يلغى المهرجان بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.
وافتتحت الإمارات، مطلع العام 2020، أول معبد يهودي رسمي، والذي يعد أول معبد يهودي في شبه الجزيرة العربية.
ويعد الصحفي وليام مار أول من استخدم مصطلح معاداة السامية عام 1879 وذلك لتمييز الحركة المضادة لليهود، لكن حكومة الاحتلال استغلته لمصلحتها ضد من يدينون جرائمها واحتلالها للأراضي الفلسطينية، وتعتبرها "معاداة للسامية".
ارسال التعليق