تحركات أوروبية لمنع انتشار التطرف السعودي
على الرغم من نفي محمد بن سلمان، وجود أي علاقة تربط بلاده بالتشدد الديني وما نتج عنه من تطرف وإرهاب، مخالفاً بذلك جميع الوقائع والأدلة والأحداث قريبة العهد، إلا أن قرارات أوروبية صدرت مؤخراً كذبت تصريحات ابن سلمان الذي دأب منذ توليه ولاية العهد في يونيو 2017، أن يخرج بتصريحات غير مسبوقة، ينكر من خلالها علاقة الرياض بالإرهاب؛ محاولاً إزاحة تهم تؤكدها وثائق عديدة. أبرز ما تحدث عنه في هذا الخصوص، كان في حوار لمجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية، في وقت سابق من 2018، قال فيه: أتحدى أي شخص يُمكنه جلب دليل على تمويل الحكومة السعودية للجماعات المتطرفة. لكن تحركات لدول أوروبية، بدأت مؤخراً، تخالف ما يصرح به ابن سلمان، وتؤكد علاقة السعودية بالإرهاب. فقد بدأت دول الاتحاد الأوروبي بمراجعة موازية للمجتمعات الإسلامية داخلها، التي تلاحقها تهم التطرف والإرهاب، التي تمولها الرياض منذ عقود.
مركز بروكسل الإسلامي
بلجيكا أبلغت السعودية أنها قررت إنهاء إشرافها على المركز الإسلامي في العاصمة بروكسل، وهو أحد أهم المراكز في غربي أوروبا، وذلك في خلال زيارة لوزير الخارجية السعودي السابق عادل الجبير، منتصف شهر ديسمبر الماضي. وبحسب صحيفة “Ie VIF”، التي تصدر باللغة الفرنسية في بروكسل، فإن وزير الخارجية البلجيكي ديدييه رينديرز، أبلغ الجبير أن بلاده قررت إنهاء إشراف السعودية بشكل كامل على المركز الإسلامي في بروكسل، ووضعه تحت تصرف الحكومة الفدرالية. وأضاف أن السلطات البلجيكية ستعمل بالتعاون مع بعض الأئمة الثقات، على تسليم إدارة المسجد إلى مواطنين محليين مسلمين بالتنسيق مع وزارتي العدل والداخلية. الوزير البلجيكي، بحسب الصحيفة، أكد أن أي تمويل خارجي للمساجد والمؤسسات الإسلامية في البلاد سيخضع لمراقبة شديدة، ولن يتم إلا عبر السلطات المختصة ووفق القوانين الناظمة في البلاد. وشدد الوزير رينديرز بالقول: ستتكفل الحكومة البلجيكية بتأمين احتياجات المركز الإسلامي بعد إنهاء سطوة المتشددين التابعين للسعودية عليه والاعتراف به كمؤسسة بلجيكية رسمية. ما ذكرته الصحيفة البلجيكية أكده إمام المسجد الذي يتبع المركز، الشيخ عبد الهادي سويف في خطبة الجمعة، حيث أشار إلى أن رابطة العالم الإسلامي السعودية قررت إنهاء تمويلها للمركز اعتباراً من 31 ديسمبر 2018، وأن موظفي المركز سيتوقفون عن العمل اعتباراً من 1 يناير 2019. وأضاف: هذا الإجراء دفع عدداً من المسلمين المقيمين في بروكسل إلى السعي لتأسيس منظمات غير ربحية من أجل تشكيل هيكل إداري جديد للمسجد يحظى بقبول السلطات المحلية. وبلجيكا تعتبر من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بالديانة الإسلامية كإحدى الديانات الرسمية في البلاد عام 1968. وأهدى الملك بودوان الأول نظيره السعودي فيصل بن عبد العزيز خلال زيارته لبلجيكا عام 1967، قطعة أرض فيها متحف شرقي يعود تاريخه إلى عام ١٩٣٦، ويقع وسط العاصمة بروكسل، حيث بنت عليها الرياض مسجداً ومركزاً إسلامياً تُشرف عليه وتموله وفق عقد مدته 99 عاماً، وأصبح لاحقاً أكبر مركز إسلامي بعد افتتاح المعهد الإسلامي الأوروبي عام 1983.
ألمانيا تراقب التبرعات
ألمانيا، بدورها، اتخذت إجراءً مشابهاً تجاه التمويل الخليجي عموماً، والسعودي بشكل خاص، للمؤسسات الإسلامية داخل البلاد. وبحسب صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية، فإن برلين طلبت من السعودية ودول خليجية إعلام وزارة خارجيتها مسبقاً عن مساعداتها المالية للمؤسسات الدينية على أراضيها. وأضافت: أن الاستخبارات الألمانية تريد تحديد الأشخاص الذين يتبرّعون أو يستقبلون المساعدات المالية للمساجد في البلاد؛ بهدف منع تمويل مجموعات دينية متطرّفة. الصحيفة ذكرت أن اعتزام الحكومة مراقبة التبرّعات للمساجد ناجم عن تقرير صدر عن مركز مكافحة الإرهاب بالعاصمة برلين. ودعا سياسيون ونشطاء ألمان الحكومة إلى تقنين دعم المؤسسات الإسلامية، وجعله تمويلاً مصدره مؤسسات الدولة؛ لكي تستغني عن الدعم الخارجي؛ وذلك من خلال فرض ضريبة المسجد، التي توفر الموارد لتمويل المساجد والمراكز الإسلامية. وقال نائب رئيس الكتلة النيابية للتحالف المسيحي الحاكم، تورستن فراي، في تصريحات صحفية: إنه يتعين أن يكون هدفنا هو تحرير الإسلام في ألمانيا من تأثير دول أجنبية، وتعزيز التوجه المحلي للمساجد من خلال ضريبة المسجد التي ستكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
تراجع الدعم السعودي
ومنذ تأسيسها قدمت السعودية نفسها للعالم كراعية للإسلام والمسلمين في بلاد الغرب، ودعمت الوجود الإسلامي عبر رابطة العالم الإسلامي التي تأسست في مكة المكرمة عام 1962، التي تدير مراكز وفروعاً في أنحاء العالم، وتعمل على بناء المساجد والمراكز الإسلامية. غير أن هذا الدعم تراجع بشكل لافت منذ وصول الملك سلمان للحكم وتعيين نجله محمد ولياً للعهد. وفي ندوة عقدت يوم 12 ديسمبر 2018 بالبرلمان الألماني، أقامتها منظمة منتدى السلام في الشرق الأوسط، قالت أستاذة علوم الاجتماع في جامعة مدينة فرانكفورت سوزان شروت: إن أكثر المنظمات الإسلامية بحاجة إلى الدعم من الدول الإسلامية، وفي مقدمتها السعودية وتركيا. سوزان أكدت في حديثها أن الدعم السعودي تراجع بشكل كبير من جراء التغييرات السياسية داخل المملكة، وبات من الواضح أن الرابطة تحولت إلى ذراع سياسية للحكم في السعودية؛ حيث بدأت بتقديم مصطلحات جديدة لتفسير معنى الإسلام بوصفه الجديد الذي يوافق رؤية ولي العهد محمد بن سلمان، بحسب ما أكد في أكثر من مناسبة تحدث فيها عن الإسلام. وشهدت الرابطة عام 2017، تغييراً في قيادتها ورؤيتها وأولوياتها، وأصبحت تحت إدارة محمد بن عبد الكريم العيسى، وبدأت تقود تحركات مثيرة للجدل تحت عنوان “مكافحة التطرف”، شملت دعوة المسلمات الأوروبيات للتخلي عن تغطية شعورهن إن فُرض ذلك عليهن. ولدعم خطط محمد بن سلمان لوضع تعريف جديد للإسلام وتفسير للإرهاب، شاركت الرابطة في عدد من الندوات والمؤتمرات في أوروبا، وشهد خطابها الديني تغييراً لافتاً؛ إذ دعت ولأول مرة إلى احترام النظام العلماني في أوروبا، مشددة على أن المسلم الذي لا يمكنه التعايش معها فليغادر إلى بلد آخر. وعبّرت صحيفة “يورو 1” الناطقة باللغة الفرنسية، في وقت سابق، عن استغرابها من حديث الشيخ السعودي في خلال مؤتمر عقد في باريس حول “التطرف والاعتدال”؛ بشأن “وجوب احترام الأقليات المسلمة في الغرب للنظام العلماني في بلدانهم”. الصحيفة وجهت عدداً من الأسئلة إلى الأمين العام للرابطة عن الإيديولوجيات المتطرفة التي تبنتها المؤسسة الدينية في السعودية طيلة العقود الماضية، ليرد باستحياءٍ بأن القواعد الدينية تُحدَّد بحسب المكان والزمان والظروف.
ارسال التعليق