جمال خاشقجي من جديد
بقلم: وجيدة حافي*تطفو القضية على السطح من جديد لتنصف المظلوم وتُعاقب الظالم، وتضع النقاط على الحروف، فأخر تقرير لمقررة الأمم المتحدة أبان اللثام عن أشياء جديدة عكس ما رُوي وكُتب، فقد تبين أن الدولة السعودية مسؤولة عن القتل، وهي بهذا خرقت كل القوانين والمواثيق الدولية، كاتفاقية ايفيان للعلاقات الانسانية، ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على تجريم القتل خارج أُطر القانون في ظل السلام والأمان، في نفس الوقت برءت تركيا وأظهرتها مرة أخرى في موقف قوي وشجاع، فرغم التكذيبات ومحاولة طمس الحقائق حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الا أن تركيا بقيت ثابتة على موقفها وطالبت بتحقيق دولي لكشف ملابسات القضية لتبرئ نفسها باعتبار أن الجريمة وقعت على أرضها، فكيف يا ترى سيكون الرد السعودي وموقفه من الأخبار الجديدة؟
هل سيراوغ ويُكذب وهذا ما تم بالفعل عن طريق عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، أم أنه سيستنجد بالشريك الحليف الأمريكي ويطلب المساعدة مرة أخرى والتي دون شك لن تكون ببلاش وبمقابل كبير وكبير جدا، سيرفع الراية البيضاء ويُقر بالجريمة ويُعاقب بجدية كل مسؤول كان ورائها سواء صغيرا أو كبيرا، طبعا التكذيب والمراوغة سيكونان شيئان صعبان في ظل أدلة واقعية وملموسة، وهذا ما سيدفعهم الى الاستنجاد بالصديق الأمريكي الذي تدخل فيما قبل وكان السبب في طي صفحاتها واسكات جميع الأفواه، فترامب قبل أن يكون سياسي هو اقتصادي محنك يتكلم لغة الربح والخسارة ، ولا يفعل شيئا لوجه الله أو بدافع الصداقة والحب، فلا وجود لهذه المصطلحات في قاموسه، لكن ماذا سيطلب هذه المرة ؟
فصفقة القرن في طريق التنفيذ ، وحق الحماية من الوهم ايران دُفع ويُدفع بلا تأخير، الحرب في اليمن قائمة، وكثير من الاتاوات التي تدفعها السعودية للظهور بمظهر الدولة المسالمة الراعية للسلام، التسليم بالأمر الواقع فرضية مستحيلة خاصة اذا ما كان لولي العهد ضلع فيها، لأنه حينها سيتوجب على أبيه الملك عبد العزيز عزله وقبول الأمير خالد بن سلمان كولي للعهد والمصالحة مع الاخوان، هذا بالإضافة الى الصورة السوداء التي ستلون المشهد السياسي الداخلي والخارجي السعودي.
اذن الكل يترقب من تركيا المتحمسة للحقيقة الى السعودية الخائفة والمرتبكة، حتى ترامب تجده قلقا وغير مرتاح، كون هذه الصفقات تقلص من حظوظه للفوز بولاية ثانية وتُساهم في اعطاء صورة ظلامية عن بلد الحق والحقوق كما يدعي أبناؤها. لكن لنتوقف للحظة ونعود بذاكرتنا للوراء، من أول يوم قُتل فيه خاشقجي الى الان، فالرجل مقيم في أمريكا منذ 2017، وفي ومنتقد لسياسة بلده السعودية خصوصا في حربها اللاشرعية ضد اليمن، الخلاف السعودي مع كندا والدبلوماسي مع لبنان، عارض وكتب بشدة عن الاعتقالات الغير مبررة للنخبة وكان هذا من أمريكا فمن يدري فربما كان هو الطعم الذي استعملته أمريكا للإيقاع بالسعودية، لما لا نقول أن كل ما يحدث هو لعبة بين الأتراك والأمريكان للإطاحة بالسعودية في قفص الاتهام وجرها لتغيير موقفها من القضية الفلسطينية بعدما سحب الملك سلمان بن عبد العزيز القضية من ابنه وطالب الفلسطينيين بالتمسك بالوحدة والقدس عاصمة لهم، ربما كل هذا مجرد اتفاق بين الأطراف الثلاثة (السعودية، تركيا ، الولايات المتحدة) لشغل الناس عن ما يحدث في باقي العالم وخاصة فلسطين الحبيبة، موت الرئيس مرسي يتلك الطريقة الغامضة والمريبة، ما علاقه هذا بذاك؟
فمصر شريك قوي ورئيسي في الصفقة، وموت رئيسها المخلوع محمد مرسي خلط الأوراق عندها وجعلها تصمت أمام اتهامات الدول ومنظمات حقوق الانسان، لذا ظهرت نتائج التحقيق في هذا التوقيت بالذات، فعلى ما يبدو أن الكل كان له علم بخطف جمال خاشقجي، حتى المخابرات البريطانية وما جره الى القنصلية الا خطة مدروسة، لكن الأمور تعقدت عند قتله بتلك الطريقة، ففي الأخير هي عملية تصفية حساب وانتقام من بعضهم البعض، القوي هو من يصمد ويبقى في اللعبة، جمال خاشقجي مات وشبع موت، وهو ضحية مؤامرة دنيئة نجح مدبروها في تحقيقها، وهنا أجد نفسي أطرح نفس السؤال الذي طرحته من قبل وأقول من قتل جمال خاشقجي؟
أما كيف فلا داعي لأن ما سمعناه ورأيناه يدل على بشاعة الجريمة، لماذا لن نضطر الى سؤالها، لأن اجابتها معروفة، فكل معارض عربي سيكون مصيره هكذا، فرحم الله كل ضحايا الاستبداد ورجال الحق والكلمة الصادقة في كل البلدان والسلام عليكم.
* كاتبة من الجزائر
ارسال التعليق