جيش الأكراد المدمج.. لماذا يُموّل آل سعود جيشا كرديا في شمال سوريا؟
التغيير
"دمج الفرقاء بغطاء دولي".. تحت هذا المضمون تداولت المصادر التركية خلال الأيام الماضية أنباء عن مخطط لإعادة تشكيل القوات الكردية المسلحة شمالي سوريا، مع إشارات حول دور تلعبه مملكة آل سعود من وراء الستار.
ووفقا لما نقلته صحيفة "خبر ترك" التركية، فإن مخطط إعادة بناء القوات الكردية هو مخطط أمريكي بالأساس يهدف لإضفاء الغطاء الدولي على الوحدات الكردية المسلحة، مشيرة إلى أن مسؤولين أمريكيين اجتمعوا مع ممثلين عن هياكل سياسية كردية خارجة لدمجهم تحت كيان جديد، وعلى رأس هذه الهياكل المجلس الوطني الكردي، العضو في ائتلاف المعارضة السورية وحركة المجتمع الديمقراطي الكردية، الخاضعة لسيطرة حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا لدى تركيا.
ويهدف المقترح الجديد إلى تشكيل جيش يجمع المجلس والحزب، وفق ما أبلغت به الولايات المتحدة الطرفين.
ووفقا للمصادر، فإن مملكة آل سعود هي التي ستتولى "تمويل" المشروع، حيث سيتطلب تشكيل الهيكل العسكري الجديد تخصيص 520 مليون دولار له على مدار 3 سنوات، إضافة إلى 200 مليون دولار للنفقات التشغيلية.
أهداف الرياض
ومن خلال مشاركتها في تمويل المقترح الأمريكي، تضرب الرياض 3 أهداف بحجر واحد، الأول يتمثل في المساهمة الفاعلة في صناعة تهديد حقيقي لمصالح أنقرة الاستراتيجية في المنطقة، إذ تعتبر تركيا الوحدات الكردية المسلحة شمالي سوريا خطرا على أمنها القومي، باعتبار أن "العمال الكردستاني" يغذي الأجندة الانفصالية لأكراد تركيا.
ومن شأن ذلك إكساب الرياض ورقة ضغط قوية في صراعها الإقليمي المحتدم مع أنقرة، والذي يمتد حاليا على طول مساحة العالمين العربي والإسلامي تقريبا.
ويعود هذا الصراع بين الرياض وأنقرة إلى سنوات مضت على خلفية الموقف المتباين للدولتين من ثورات الربيع العربي، ولكن الصراع تمت تغذيته بحدثين رئيسيين، أولهما اتهامات تركيا المبطنة للرياض وأبو ظبي بتمويل محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس "رجب طيب أردوغان" عام 2016، وثانيهما قضية اغتيال الصحفي "جمال خاشجقي" على يد عملاء حكوميين داخل قنصلية آل سعود بإسطنبول عام 2018.
ويتمثل الهدف الثاني لتمويل آل سعود مشروع الجيش الكردي الجديد في ضمان موطئ قدم للنفوذ السعودي في سوريا الجديدة ما بعد الحرب، في ظل مؤشرات على رغبة أمريكية وأوروبية في منح الأكراد استقلالا كليا أو جزئيا، وكذا في ضوء تصاعد الخلافات داخل نظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، مع وجود إشارات حول مراجعة موسكو موقفها الصارم في التمسك بحكم "الأسد".
أما الهدف الثالث لمشاركة آل سعود في المشروع الكردي فيتمثل في تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة، ورأب الصدع الكبير الذي شهدته العلاقات بين البلدين بسبب أزمة انخفاض أسعار النفط التي تسببت في ضرر كبير لقطاع النفط الصخري الأمريكي، وتتهم واشنطن الرياض بالمسؤولية عنها.
ويعني تمويل آل سعود للقوة توفير أكثر من 700 مليون دولار كان من الممكن أن تتكبدها الخزانة الأمريكية، وهو ما يثير اهتمام "دونالد ترامب"، الذي يدير السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعقلية رجل الأعمال.
"عشقي" و"السبهان"
وتعود بدايات العلاقة بين آل سعود وبين الانفصاليين الأكراد في سوريا إلى عام 2015، تزامنا مع صعود قيادة المملكة الجديدة بزعامة "محمد بن سلمان"، الذي ما لبث أن أصبح وليا للعهد وحاكما فعليا في غضون أقل من عامين.
خلال تلك الفترة، انتظمت المملكة في تحالف استراتيجي مع الإمارات ضد كل من تركيا وإيران، وبات الأكراد ورقة هامة في هذا الصراع، الذي وصل إلى حد الحرب الباردة بين الطرفين.
وفي هذا الإطار، أدلى اللواء "أنور ماجد عشقي"، المقرّب من آل سعود بكلمة عام 2015 أمام "مجلس العلاقات الخارجية" بواشنطن قال فيها إن "العمل على إيجاد كردستان الكبرى بالطرق السلمية من شأنه أن يخفّف من المطامع الإيرانية والتركية والعراقية، حيث سيتم اقتطاع ثلث كل دولة من الدول الثلاث لصالح كردستان".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، زار الوزير السعودي لشؤون الخليج العربي "ثامر السبهان" منطقة عين عيسى في مدينة الرقة السورية، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهناك التقى بمسؤولين أمريكيين، في تحرك قرأه العديد من المراقبين أنه علامة على الدعم المتنامي من الرياض للأكراد.
وبلغت حساسية الملف ذروتها مع دعوة رئيس إقليم كردستان العراق "مسعود البارزاني"، للاستفتاء على استقلال الإقليم في 25 من سبتمبر/أيلول 2017، وتأييد آل سعود له سرا، حسبما أكدت صحيفة "التايمز" البريطانية آنذاك، ما دق جرس إنذار مفاده أن سياسات الرياض باتت خطرا داهما على الأمن القومي في كل من تركيا وإيران والعراق.
وفي 25 مايو/أيار 2018، التقى 3 مستشارين عسكريين سعوديين مع مسؤولين في حزبي الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني، اللذين تعتبرهما تركيا تنظيمين إرهابيين، في القاعدة الأمريكية بـ"خراب عشق"، جنوبي مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرقي سوريا، وأكدت مصادر قناة "الجزيرة" انضمام عسكريين إماراتيين إلى الاجتماع الذي كان يهدف إلى "تأسيس وحدات (مسلحة) كردية في المنطقة مقابل حصول كل منتسب لهذه الوحدات على 200 دولار شهريا".
كما أكدت صحيفة "Nizavisimaya" الروسية وجود أدلة تثبت تورط آل سعود والإمارات في دعم المشروع الكردي بشمال سوريا، وتزويد أبوظبي المقاتلين الأكراد في شمالي سوريا بالعديد من الأسلحة في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
من هنا جاء تحذير الكاتب التركي "إبراهيم قراغول"، في مقال نشره بتاريخ (19 أبريل/نيسان 2018) في صحيفة "يني شفق" التي يرأس تحريرها، من "مخطط غربي لدعم التنظيمات الإرهابية (في شمالي سوريا)، وقد يؤدي إلى حرب عربية تركية"، بحسب وصفه.
تشكيل وتدريب
وفي هذا السياق، يمكن القول أم مشروع "جيش الأكراد المدمج" يعد امتدادا لمحاولات سعودية أمريكية سابقة لتنظيم الأكراد في سوريا.
ومن المقرر أن تتكون القوة الجديدة من 10 آلاف مقاتل وأن تضم 5 فرق كوماندوز ووحدة مكافحة إرهاب، على أن تخضع لرئاسة "فرحات عبدي شاهين"، قائد قوات سوريا الديمقراطية، المعروف باسم "مظلوم كوباني".
وبحسب المصادر التركية، تخطط الاستخبارات الأمريكية والبنتاجون لتدريب 4 آلاف عنصر وتسليحهم وإدماجهم في صفوف القوة خلال العامين المقبلين، وهو ما تأكد من خلال تجديد عقود المئات من عناصر قوات سوريا الديمقراطية التي تم فسخها بعد قرار "ترامب" الانسحاب الجزئي من سوريا العام الماضي.
ومجددا، سوف يتم ترويج هذه الجهود كجزء من خطوة لمكافحة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية، ومنع التنظيم من فرض سيطرته على الأراضي مجددا.
وبحسب المصادر التركية؛ فإن العناصر الكردية الذين سبق للقوات الأمريكية تدريبها في الرقة ومنبج وعين العرب، سيتم استدعاؤها مرة أخرى؛ لتمثل "القوة المساعدة" لقوات التحالف الدولي في الحسكة ودير الزور، و"النواة" لجيش الأكراد المدمج، المدرب أمريكيا، والممول سعوديا.
ارسال التعليق