حاخامات صهاينة...ترامب سيحقق نبوءات الثورات
في نهاية الشهر كانون الثاني، نشرت صحيفة هاآرتيز الإسرائيلية خبراً، لم ينل ما يستحقه من الاهتمام الإعلامي ومن قراءة وافية له على الرغم من أهميته، ومما جاء فيه " قال وزير الداخلية الإسرائيلي السابق عوزي برعام، أن المرجعيات الدينية اليهودية وممثليها السياسيين في البرلمان (الكنيست) والحكومة يؤمنون بأن ترامب سيساعد في تحقيق النبوءات التوراتية وتحقيق التصورات الدينية الآيديولوجية لجماعة (غوش إيمونيم) المسؤولة عن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية "
وأضاف برعام قائلاً: " إن المرجعيات الدينية اليهودية ترى أن بقاء مسجد قبة الصخرة" في مكانه أكثر مما يعيق تحقيق الخلاص المتمثل في إعادة بناء الهيكل"
واستطرد برعام قائلا "إن شخصية ترامب باتت تهيمن على اليمين الديني في "إسرائيل" الذي يرى أن لحظة الخلاص قد اقتربت، وهذا ما يعزز الدعوات داخل حكومة نتنياهو لضم معاليه أدوميم اكبر مستوطنات "إسرائيل" في الضفة الغربية " .
واستعاد برعام ما جاء في كتاب (تاريخ التنظيم اليهودي) لمؤلفه حجاي سيلع رئيس تمرير صحيفة (ميكور ريشون) الذي كان عضوا في هذا التنظيم الإرهابي، حيث أشار إلى أن أعضاء التنظيم الذين خططوا لتدمير الحرم أواسط ثمانينات القرن الماضي كانوا يهدفون بشكل أساسي إلى تدمير قبة الصخرة ".
واضح ان الوزير الصهيوني عوزي برعام، حاول أن يحصر هذا التكفير" أي البعد الديني في الرؤية " في المرجعيات الدينية اليهودية وفي جماعة (غوش إيمونيم) ...ولكن في الحقيقة أن هذه الرؤية تحكم منظومة هذا الكيان السياسية منها والدينية، فرغم ادعاء النخبة السياسية بأنها علمانية، فأنها تتحرك على أسس توراتية تلمودية في سياساتها وحتى علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، ولعل مطالبة نتنياهو الفلسطينيين والعرب بالاعتراف بيهودية " إسرائيل " كشرط للتفاوض حول التسوية بين (إسرائيليين) والفلسطينيين مثال واضح في هذا الأمر...
وقبل أن نلقي نظرة تحليلية على ما جاء في الخبر الآنف، نرجع إلى الوراء قليلاً، كيف أن النصوص التوراتية والتلمودية تحكم سياسة الكيان الصهيوني في الأرض المحتلة، وفي المنطقة برمتها، ولأن متابعة هذا الموضوع تتطلب جهداً ومتسعاً كبيراً من البحث والكتابة، فأننا نكتفي بسوق واحد وبشكل مختصر، يمثل في الدور الصهيوني في الغزو الأمريكي للعراق...وأحيل القارئ العزيز إلى كتاب مركز العراق للدراسات، " الدور الصهيوني في احتلال العراق" لمؤلفه مهدي حسن الخفاجي والصادر في 2008 ميلادية، فأن هذا الكتاب يتضمن شرحاً وافياً وبالأدلة الدافعة على الدور الذي اضطلع به الصهاينة في التحريض على العراق ودفع الاميركان على احتلال هذا البلد وتدمير بنيته التحتية لاسيما بنية العسكرية، التي كانت تصنف على أنها اكبر قوة عسكرية ضاربة في المنطقة برمتها.
على أننا نحاول الاقتباس مما جاء في هذا الكتاب وبصورة سريعة لتوضيح الفكرة لننطلق بعد ما إلى الخبر الذي بدأنا به هذه السطور، فما هو معروف أن أكثر الذين يمسكون بالقرار الأمريكي هم من المذهب البروتستانتي الذي يتبع تعاليم التوراة بعودة المسيح (ع) كما منصوص عليه في التوراة والإنجيل، ويعتقد هؤلاء البروتستانت، كما يعتقد نظر أوهم الصهاينة في الكيان الصهيوني، أن التعجيل في ظهر المسيح يتطلب ما يلي:
إقامة دولة إسرائيل المنصوص عليها في التوراة (في الفرات إلى النيل)
تجميع يهود العالم في هذه الدولة المنصوصة والتوسع في عملية الاستيطان في الضفة الغربية.
وقوع معركة كبرى بين قوى الخير(البروتستانت واليهود) والشر( المسلمين وأصدقائهم) تسمى هر مجدون يباد فيها ملايين البشر، وهدم أو تدمير المسجد الأقصى، ليمهد ذلك بناء الهيكل اليهودي مكانه.
وقد ذكر يوسف الطويل في دراسة البعد الديني للضربة الأمريكية للعراق وعلاقته بخطط إسرائيل الكبرى، أن قيام الكيان الصهيوني عزز قناعات وإيمان الأمريكيين باعتبار أن جزءاً من نبوءات العهد القديم، قد تحققت، كقيام الكيان الصهيوني والأحداث التي شهدتها المنطقة، ويقول هذا الكاتب" وخير مثال على ذلك أِحدى المنشورات الأصولية التي وزعت بعد حرب1967 والتي حاولت تفسير ما حدث في الشرق الأوسط على انه بمثابة تحقيق لما هو مكتوب في النبوءات التوراتية فقد زعم هذا المنشور، أن الكتاب المقدس لم يتنبأ بالانتصارات الإسرائيلية على العرب واحتلال القدس وحسب بل تنبأ أيضاً بتوقيت هذه الأحداث، كما أن النشور مهد الطريق لمزيد من التوسع الإسرائيلي عند ما ادعى أن الكتاب المقدس تنبأ بمساحة اكبر من المساحة الواقعة من أيدي الإسرائيليين حينها...وأنهى ماتبوا المنشور كلامهم بالقول: إن النصوص المقدسة برهنت على صحتها فيما يتعلق بالأحداث حتى الآن، وبما يقوي الحجة فيما يتعلق بالأحداث المستقبلة أيضاً ".
ومما تقدم يتبين لنا أن المذهب البروتستانتي يربط مصيره بمصير اليهود في الكيان الصهيوني وهذا ما صرح به من قبل زعيم منظمة الأغلبية الأخلاقية في أمريكا، جيري فالويل، والتي يبلغ عدد اتباعها ما يقارب الأربعين مليوناً، يقول : " لا أعتقد أن في وسع أمريكا أن تدير ظهرها لشعب إسرائيل وتبقى في عالم الوجود، يجب أن تتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهودي"
إذن أفكار ومقولات العهد القديم (الثورات القديمة) شكلت مصدر الهام وقاعدة فكرية ارتكزت عليها عقول وأفكار الرموز الأمريكية خصوصاً شريحة المحافظين الجدد الذين يقف على رأسها الرئيس دونالد ترامب، فهذا الشخص قبل أن يضع قدمه في البيت الأبيض شن حرباً كلامية على الإسلام وعلى المسلمين، وما أن وضع قدمه اتخذ قرارات جائرة بحقهم، وقبله بوش الابن الذي قسم العالم إلى فسطاطين فسطاط خير تميله ( الامريكا والصهاينة وحلفائهم ) وفسطاط شر تميله المسلمون ومن يؤيدهم، حيث شكلت هذه الرؤية الدينية القاعدة والدافع الأساس لغزو العراق وتدمير هذا البلد، فالتحريض التوراتي ضد أهالي العراق مستمر ومتواصل في كل النصوص تقريباً، وفي كل وصايا كهنة وحاخامات اليهود...يقول النص التوراتي التالي" إزحف على أرض ميرا ثايم الجبار المتمرد- ملك بابل – وعلى المقيمين في فقود – أرض العقاب باب – خرّب ودمّر ورائهم يقول الرب، وافعل حسب كل ما أمرك به، قد علت جلبة القتال في الأرض صوت تحطيم عظيم – دوي القنابل – كيف تكسرت وتحطمت بابل..." إلى آخر النص المنعم بالبحث على تدمير العراق وتحطيمه... ويقول نص تواتي آخر " اسمعوا جلبة الفارين من ديار بابل – العراق – ليذهبوا في صهيون، أبناء انتقام الرب إلهنا والثأر ليهلكه، استدعوا إلى بابل رماة السهام، جميع موتري القسي – مدخري السلاح – عسكروا حولها فلا يفلت منها أحد – الحصار- جاوزها بمقتضى أعمالها، واصنعوا بها كما صنعت بكم، لأنها بغت على الرب قدوسي إسرائيل، لذلك يصرع شبانها في ساحاتها، ويبيد في ذلك اليوم جميع جنودها... إلى آخر النص" ...ونص آخر يقول " ذلك إسمعوا ما خططه الرب ضد بابل، وما دبره ضد ديار الكلدانيين، ها صغارهم يُجرّون جرّا ويُخرّب مساكنهم عليهم، من دوي أصداء سقوط بابل ترجف الأرض، ويتردد طرفها بين الأمم" وهناك نصوص كثيرة في هذا السياق، ومثلها تماماً دخلت في بعض اسفار الإنجيل الذي يتبناه البروتستانتيين...فمما جاء في سفر الرؤيا ليوحنا...."بعد هذا رأيت ملاكاً آخر نازلاً من السماء وصاح بأعلى صوته: سقطت بابل العظمى، وصارت مركزا للشياطين، ومأوى لكل روح نجس....ثم سمعت صوتاً آخر، ينادي من السماء، إخرجوا منها يا شعبي، لئلا تشتركوا في خطاياها، فتصابوا ببلاياها، فقد تراكمت خطاياها حتى بلغت عنان السماء، وتذكّر الله ما ارتكبته من آثام، افعلوا بها كما فعلت بكم، وضاعفوا لها جزاء ما اقترفت....ستنقض عليها البلايا في يوم واحد، من موت وحزن وجوع وستحترق بالنار فأن الله الذي يدينها، هو رب قدير". وهناك الكثير من النصوص والآيات في أسفار الكتاب المقدس تشبه إلى حد كبير ما جاء في التوراة والتلمود اليهوديين، وكما أشرنا في بداية الحديث أن ترامب، لم يكن مجنوناً، أو اعتباطياً، حينما جعل باكورة أعماله في البيت الأبيض محاربة الإسلام والمسلمين و وعوده بالقضاء عليه، وليس صدفة يساهم اوباما قبله في صناعة داعش ومن لف لفها من النصرة والقاعدة وما إليها من أجل تشويه الإسلام ومحاولة خلق فجوة نفسية هائلة بينه وبين المجتمع الغربي، فضلاً عن مجتمعات المسلمين نفسها، وأيضاً ليس صدف إعلان بوش الابن الحرب الصليبية على الإسلام ويقوم بغزو العراق، كل هذا الجهد الجبار الذي تقوم به الولايات المتحدة، إنما تشكل تعاليم التوراة والتلمود قاعدة فكرية أساسية له، لان هؤلاء يعملون بكل ما وسعهم في تهيئه الظروف المناسبة التي أشرنا إليها في البداية لخروج المسيح (ع) المخلص...وبالتالي أن ما تقدم من تمهيد وإشارات ييسر لنا الطريق لتحليل الخبر الذي نشرته صحيفة هاآرتيز الصهيونية، ونحاول تلخيص قراءتنا له بالنقاط التالية :
1- نستشف من هذا الخبر، أن ثمة حكومة عالمية خفية من دهاقنة اليهود ولها سطوة عالمية، ومؤسسات عملية وسياسية وأمنية واجتماعية وفكرية في جميع أنحاء العالم، تزودها بآخر مستجدات التطورات التي تشهدها المجتمعات، سيما الغربية منها والإسلامية، وهذه الحكومة الخفية هي التي تختار الرؤساء في الولايات المتحدة وحتى دول العالم الغربي ودول العالم الإسلامي، التي ترتبط بالنظام الأمريكي أو الأنظمة الغربية سراً أو علانية، فهذه الحكومة هي التي اختارت بوش، واختارت أوباما، وهي التي اختارت ترامب، وهي التي تحدد الدور وللعمل الذي يقوم به كل رئيس بما يتناسب والأهداف التي وضعتها هذه الحكومة، وبما يتناسب والتطورات والظروف التي تشهدها المنطقة والعالم، ولذلك ليس من باب التمني أو الحدس أن يعتبر حاخامات الصهاينة، أن ترامب سيساعد على تحقيق النبوءات التوراتية، فهؤلاء الحاخامات يعرفون جيداً أن ما سيقوم به ترامب حُدد له مسبقاً. ولذلك ما يرجحه مخاطبة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لرئيس الوزراء الصهيوني مناحيم بيغن يومذاك بالقول " نحن وأنتم سواء في رافد واحد كلانا يستلهم من الثورات، أو قوله له : نحن لدينا واجب أخلاقي تفرضه قيمنا إزاء تقديم المساعدة والعون لإسرائيل ".
2- ليس من المستبعد وفق ما توحي به تصورات المرجعيات الدينية في الكيان الصهيوني، أن يوفر ترامب الظروف المناسبة لتدمير المسجد الأقصى والشروع في بناء الهيكل الثالث، الذي يعتبر هدفاً قائماً لدى الصهاينة.
3- إن ما يسمى بالربيع العربي، هو بالأساس تخطيط أمريكي صهيوني يجسد هذه الرؤية التوراتية، بهدف الالتفاف على وعي الأمة، وعلى يقظتها الإسلامية، والتحكم في طاقاتها الهائلة، ومحاولة تصريفها واحتوائها في مجالات تدمير الأوطان الإسلامية ونشر الخراب، وبالتالي إضعافها واستنزافها، وتسخير طاقاتها، الشبابية منها خصوصاً في إطار تحقيق الأهداف التي يريدها الكيان الصهيوني ومنها تشويه الإسلام وتنفير الرأي العام منه، ومحاولة تقسيم هذه الأوطان وتحويلها إلى كانتونات متطاحنة متناحرة متحاربة فيما بينها، مذهبياً وعرقياً، ودينياً ومناطقياً، وما يجري اليوم من ظهور الدواعش والنصرة وما تتعرض له الأوطان الإسلامية، من قتل وتشويه ودمار يتسق مع ما جاء في الثورات، والتي تؤكد على تسييد الصهاينة في المنطقة، وضرب أي قوة تشكل تحدياً وخطراً على الكيان الغاصب.
4- بحسب ما توحي به التصريحات الصهيونية، سيما تصريحات المسؤولين الكبار وعلى رأسهم نتنياهو حول إقامة حلف "بين الدول العربية السنية المعتدلة" وفقاً للتسمية الصهيونية وبين الكيان الصهيوني، باتت هذه القضية الشغل الشاغل لمتابعة الصحافة الصهيونية وبشكل يومي، والشغل الشاغل لحركة المسؤولين الصهاينة فنتنياهو طلب مباشرة من ترامب إجبار الدول العربية المشار إليها وعلى رأسها السعودية إلى إقامة هذا الحلف مع العدو، ذلك وكما أوضح الصهاينة أنفسهم، أنهم يريدون إشعال حرب جديدة في المنطقة، تحت قيادة العدو ودون أن يشارك فيها بشكل مباشر عبر جيشه، إنما يقتصر دوره في العمليات الاستخبارية وفي تقديم الأسلحة وباقي المتطلبات اللوجستية لهذه الحرب، في حين يكون وقود هذه الحرب الدول العربية والطاقات الإسلامية.
5- إن دعم السعودية لسياسات ترامب، ثم التحالف مع الكيان الصهيوني وانخراطها في المشاريع الأمريكية الصهيونية، أنها تساهم في تحقيق النبوءات التوراتية، ضد الإسلام وضد الأمة الإسلامية، وللأسف أن النظام السعودي قطع شوطاً كبيراً في هذا التحالف مع العدو، الأمر الذي جعل وزير الدفاع الصهيوني افيغادور ليبرمن يطالب الأنظمة العربية الخليجية وعلى رأسها النظام السعودي بإعلان الرسمي عن هذا الحلف، الذي يقضي بدفاع الحلف عن كل عضو من أعضائه!! إذا تعرض للخطر.
على أي حال، مخططات الحكومة الصهيونية العالمية والخفية تمضي قدماً في تسخير إمكانات الدول الكبرى والصغرى، في تنفيذ هذه المخططات، محققة نجاحات كبيرة، لكن بنفس الوقت هناك قوى مخلصة في هذه الأمة تعمل هي الأخرى لإنقاذ الأمة وإسلامها من هذا العدوان الصهيوني الضخم على الأمة وهويتها ووجودها، حيث حققت هذه القوى وما زالت تحقق انتصارات كبيرة ومدوية في وجه هذه الهجمة الأمنية والعسكرية والفكرية وعلى كل الأصعدة التي تقودها على الأمة الإسلامية، الصهيونية العالمية.
بقلم : عبد العزيز المكي
ارسال التعليق