ليتهم سكتوا البيان الخطأ في الزمن الخطأ
* جمال حسن
ما إن صمت هدير العدوان الاسرائيلي على غزة مؤقتاً رغم انه لم ينته بعد وربما ستشتعل نيرانه مرة اخرى في أي لحظة، حتى بدأ تقاذف الاتهامات حول الاخفاق في تحقيق الاهداف من الحرب على غزة حيث حملت المؤسسة السياسية الجيش الاسرائيلي مسؤولية الفشل، واعتبر الاعلام الاسرائيلي ان ″نتنياهو″ جبان ومتردد اصاب الجميع بخيبة أمل، حيث كتبت ″يديعوت أحرونوت″.. ″إن أداء الحكومة وقيادة الجيش خلال الحرب على قطاع غزة كان مخيبا للآمال وسيورط «إسرائيل»في محاكم دولية″.
اما صحيفة ″معاريف″ الاسرائيلية فقد كتبت هي الاخرى في تقرير لها ″أن الجيش الاسرائيلي لم يستطع تحقيق أي شيء في غزة وأهمها وقف الصواريخ على ″إسرائيل″، وانه وقع في مصائد المقاومة الفلسطينية وتكبد خسائر كبرى ودخل الحرب دون خطة أو مسار واضح، وعارض أكثر من مرة احتلال قطاع غزة مرة أخرى. فيما شددت صحيفة″هآرتس″ بالقول ″أن إسرائيل بنت جيشاً كبيراً ولكنه غير ذكي، حيث وضع عقله اليهودي في الخزانة أو ربما ترك لدى حماس″. ما يعكس تزلزل وانهيار وفزع الوضع الداخلي الاسرائيلي والتخوف الكبير الذي يسيطر عليه من عودة الحرب مرة اخرى والذي دفع بالكثير من المستوطنين الصهاينة خاصة الذي يقطنون في المستوطنات القريبة من قطاع غزة الامتناع عن العودة اليها فيما بدأ البعض منهم الاستعداد لترك الاراضي الفلسطينية المحتلة نحو اوروبا .
هذا الأمر لا يروق لأبناء العم من آل سعود فأمروا كهنتهم وتبعاً لملكهم في بيانه بعيد الفطر المبارك، اصدار بيان في طريق زرع الفتنة الطائفية كما هي عادتهم وأسس عقيدتهم الحكومية وتنفيذاً للوعد الذي قطعته العائلة الحاكمة بالمملكة ومؤسستها الدينية للاستعمار البريطاني العجوز إبان تأسيس الدولة السعودية في القرن الماضي والذي تزامن مع زرع بريطانيا للسرطان الاسرائيلي في قلب الأمة الاسلامية والعربية على أرض فلسطين عبر رسالة الملك عبد العزيز للمندوب السامي البريطاني برسي كوك بمنحه فلسطين لليهود وشارك في إخماد الثورة الفلسطينية عام 1936ومهد لاحتلال فلسطين ونكبتها عام 1948، اصدر(86) ممن يطلقوا على أنفسهم دعاة وعلماء الدين في السعودية بيانا أعلنوا فيه دعمهم لقطاع غزة، وانتقدوا الأصوات التي خرجت للتنديد بالحركة في الدول العربية، كما طالبوا ″حماس″ بالحذر من ″مكر العدو الايراني″ و″حزب الله″ اللبناني – حسب ما جاء في بيان الكهنة.
شهر بالكامل ورائحة الدم والبارود تفوح في سماء غزة وأزقتها وجدرانها ومبانيها الخربة المهدومة على رؤوس الابرياء والعرب صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ، ولا ينطقون، ولايفقهون، ولايسمعون ولا يرون ما حل من دمار وإبادة جماعية وهلوكاست نازية، بربرية، وحشية، عنصرية قام بها الكيان الاسرائيلي ضد الابرياء والعزل من الفلسطينيين في قطاع غزة راح ضحيتها 1900 شهيدًا، وإصابة 9840آخرين، حتى لحظة كتابة هذه السطور حسب اعلان وزارة الصحة الفلسطينية، مشددة أن من بين الشهداء 432 طفلاً، و255 سيدة وفتاة، بجانب 9563 جريحاً من بينهم 2979 طفلاً، و1903 سيدة، و374 مسن.
فقد تسببت الحرب الاسرائيلية على غزة في تدمير 5510وحدات سكنية بشكل كامل، و30920 وحدة سكنية بشكل جزئي، واستهداف 134 مسجدا منهم 43مسجداً دمر بشكل كامل، وكنيسة واحدة و11 مقبرة إسلامية وتسبب بنزوح 475 ألف مواطن، وفق المرصد ″الأورومتوسطي″ لحقوق الانسان في قطاع غزة، جراء استخدام القوات الاسرائيلية في قصفها (59200) قنبلة وقذيفة صاروخية، منها (7178) قذيفة أطلقتها الطائرات الحربية، و(15580) قذيفة من السفن والزوارق البحرية، و(36442)عبر المدفعية المتمركزة على الحدود الشرقية للقطاع. وتسببت في إلحاق الضرر بـ 24مستشفى ومركزا صحيا، واستهداف 36 سيارة إسعاف، واستشهد 16 عاملاً وأصابة 38 آخرين، إضافة (10) مراكز رعاية أولية ايضاً، فيما دمرت 188 مدرسة بينها مدارس تابعة لوكالة ″الأونروا″، الى جانب 6 جامعات، وتدمير 8 محطات للصرف الصحي في القطاع.
هذا كله ولا أحد من العرب وفي مقدمتهم بلاد الحرمين الشريفين ودعاتها الذين أنبروا كل لحظة ودقيقة وساعة على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي باصدار الفتاوى المزيفة والمنحرفة بضرورة التوجه للعراق والشام لما يدعى بـ″الجهاد″ ضد أبناء الدين الواحد والمذهب الواحد دون التفريق بين الشيعي والسني فكلاهما ″كافر″ طبقاً لفتاوى مشايخ آل سعود وأن العدو ليس ″اسرائيل″ هذه الغدة السرطانية في جسد الأمة بل هي ايران وحزب الله والاسد لأنهم وحدهم الذين وقفوا جنباً الى جنب مع أخوانهم الفلسطينيين في غزة دون الاعتناء بالطائفية والمذهبية والقومية، فلا بد من رد ″الجميل″ فكان بيان الـ(86) عالم سعودي وهو يحض المقاتلين في غزة على التنبه الى ما وصفوه بـ″مكر العدو الصفوي الايراني وصنائعه كحزب اللات″ في إشارة الى حزب الله الذي قال البيان إنه ″قد يستغل تخاذل حكومات العرب عن نصرة إخوانهم ليكسب ببعض المواقف تعاطف المغفلين من بعض أبناء أمتنا، وهو العدو الذي كشر عن أنيابه في سوريا والعراق، فكيف نثق به بعد كل ذلك ؟!″ – حسب وصفهم – .
وختم كهنة آل سعود بيانهم هذا بانتقاد من وصفوهم بـ″المتصهينين العرب، الذين يشمتون بالمقاومة ويشوهون صورتها″ معتبرين أن المواجهات في غزة ″كشفت عن الوجه القبيح لهؤلاء المنافقين من الساسة والمثقفين واﻹعلاميين″ ورأوا في ذلك ″خيانة للأمة، وسقوط في مستنقع التبعية والولاء للأعداء المحاربين″، متجاهلين أنهم هم من أفتى بعدم جواز لعن″إسرائيل″، وأن ″المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة مجرد أعمال غوغائية لا خير فيها، ولا رجاء منها″، كما أفتى بذلك شيخهم وكبيرهم المفتي ″آل الشيخ″وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة ″الفوزان″، تناغماً مع ما قاله من قبلهم ″الأمير″ تركي الفيصل في مقال له عقب عليه الكاتب والمحلل البريطاني الشهير ″هيرست″ ورددنا عليه في مقالين سابقين .
وجاءت هذه الدعوى متسقة مع تصريحات ″شيمون بيريز″ الذي خاطب فيها البلدان الخليجية بقوله أن ″ايران هي عدونا المشترك″، ومع قول سفاح غزة ″نتنياهو″ بأن ″الحرب على غزة نسجت علاقات مميزة بيننا وبين الدول العربية في المنطقة″، في اشارة منه الى ما نقلته وسائل الاعلام الغربية بأن الرياض والدوحة وأبوظبي تكفلت لـ″سرائيل″ بدفع فاتورة الحرب على غزة خلال لقاء وزراء خارجيتها مع نظيرهم الاسرائيلي في باريس مؤخراً.
معاداة الدول والنظم والحركات التي تعادي اسرائيل ، أهداف مشتركة بين الرياض وتل ابيب حسب قول شريك رجل الأعمال الصهيوني ″روبرت مردوخ″ بارون صناعة الاعلام في العالم ″الأمير السعودي″ الوليد بن طلال..″إن المسلمين السنّة في العالم العربي يقفون وراء إسرائيل ويدعّمون أيّ هجوم تقوم به على إيران.. ولو أنهم لا يصرّحون بذلك علنا″، في حديثه للصحفي الأمريكي الصهيوني الشهير ″جيفري هيلدبرغ″ لشبكة ″بلومبيرغ″ الاقتصادية نوفمبر الماضي؛ ما دفع الأخير لوصف الأمير السعودي بشكل غير مباشر بأنه ″إسرائيلي أكثر من نتنياهو″.
ولكن لماذا كل هذه الكراهية والحقد والعداء لها من قبل ″الاعتدال العربي″!؟ .
واذا كان السياسيون يبررون زيفا انهم معذورون في اتخاذ بعض المواقف والتخاذل فما هو عذر رجال الدين السعوديين والكثر لماذا الان وبالذات يصدرون مثل هذا البيان
هل يعتقد هؤلاء ان الامة وبالخصوص حركات المقاومة في فلسطين واجنحتها العسكرية ليس لها من العقل ما يجعلها تميز بين الصديق والعدو بحيث تقع في شرك (الروافض) مع انه قد مر على علاقتها بهم اكثر من 24 سنة
هل يعقل ان تكون هذه الدعوة بريئة وهي تنطلق في ظرف استثنائي تمر به فصائل المقاومة اذ انها مخيرة بين الموت والحياة ولو افترضنا انصياعها لهكذا دعوة وقطعها العلاقة مع الجهات التي تدعمها فما هو مصير القضية الفلسطينية حينئذ ؟؟
لقد كنا في السابق نختلق الاعذار لهؤلاء ونعتبر ان ذلك ناتج عن الجهل بالموضوع السياسي وسياسة الدول فهل من المعقول ان يقبل هذا العذر مع انه حتى ربات الحجال اصبحوا يفهمون المعادلة ؟؟
ولو افترضنا انهم فعلا جاهلون بالسياسة فهل يمكن للناس ان يأمنوهم على دينهم؟؟؟
ارسال التعليق