منشار عظام وممثل بديل وفرن حرق الجثة وما إلى ذلك
فليثق مرتكبو جريمة خاشقجي ومحرّضوهم بأن الوقت الذي مر منذ ارتكابهم جريمتهم يعتبر حلاً كافياً لينجوا بأنفسهم ويتستروا على ما فعلوا وكأنّ شيئاً لم يحدث. غير أن الوقت يستمر –في الوقت ذاته- في كشف النقاب عن كل تفاصل الجريمة. فكل معلومة جديدة يُكشف عنها حول الجريمة لا تزال تذكّرنا مرة أخرى بالجريمة بكل وضوح، وبوحشيتها وأبعادها اللا إنسانية، وتقضّ مضجع القتلة كالكابوس.
كان الكونغرس الأمريكي قد اعتبر موقف الرئيس ترامب إزاء جريمة خاشقجي موقفاً مخيباً للآمال، وقد أعلن أعضاؤه من الحزبين الديمقراطي والجمهوري أنهم لن يتخلوا عن محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، وأنهم سيمارسون مزيداً من الضغط على البيت الأبيض أو أي جهة مسؤولة من أجل محاسبة مرتكبي هذه الجريمة. وفي مقابل هذا البيان الصادر في نهاية الاجتماع الذي عُقد مساء يوم الاثنين، وقدم فيه مسؤولو الخارجية والمالية الأمريكية معلومات حول التحقيق في الجريمة إلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وصف السيناتور الجمهوري، لينزي غرام، الذي أجرى زيارة إلى تركيا، حيث التقى الرئيس أردوغان قبل فترة ليست ببعيدة، هذا الأمر بأنه تضييع للوقت، مفيداً بأنه آن أوان التحرك بشكل أكبر.
وكان كل الأعضاء المعروفين والأقوياء في الكونغرس؛ أمثال ماركو روبيو، وبوب منينديز، وتيد ليروي، قد اعتبروا تصريحات البيت الأبيض تمثل خيبة أمل كبيرة، وأوضحوا أنه لا يمكن إدارة العلاقات الأمريكية–السعودية وكأنّ شيئاً لم يحدث بخصوص جريمة كهذه.
وقد طرح ليروي في تغريدة على تويتر سؤالاً وجّهه إلى السفارة السعودية في واشنطن، ولوزير الشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، قال فيه: "هل حرقتم حقّاً جثة خاشقجي؟"، وذكّر المسؤولين في الرياض بأنّ الطريقة الوحيدة للبرهنة على عكس ذلك هو تسليم أقارب خاشقجي جثمانه الذي يعرفون أين هو. بيد أنّ المسؤول الأمريكي قدّم ما يشبه الوعيد عندما قال: "إنكم تكذبون على الكونغرس والشعب الأمريكي. لكن لا تنسَوا أنّ معظمنا سيبقى هنا كذلك عندما يغادر كوشنر، صهر الرئيس ترامب ومستشاره الذي تثقون به".
وقد حدثت هذه التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة بمناسبة اجتماع الإخطار الذي خُطط عقده مسبقاً. لكن يبدو أنّ ما سيطر على هذا الاجتماع كانت عدة تفاصيل مثيرة للدهشة، كُشف عنها النقاب في الفيلم الوثائقي الأخير الذي أذاعته قناة الجزيرة الفضائية.
إنّ ذلك الفيلم الوثائقي ناجح حقّاً؛ إذ ركز على الفكرة التي تقول إنّ أكثر الاحتمالات المعقولة لاختفاء جثة خاشقجي هي أنها أُذيبت بالحمض، وذلك في ضوء المعلومات المتاحة بعد أن لم يكشف حتى الآن بأي شكل عن مكان اختفاء الجثة. ومما عزز هذه الفرضية بعض الشيء صناديق الحمض التي التُقطت صور لها في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول.
غير أنّ نجاح الجزيرة على المستوى المهني ووصولها إلى الحرفي الذي صنع فرن المندي في مقرّ القنصلية، واللقاء الذي عقدته معه يقرّبنا من تفسير أقوى حول ما حدث لجثة خاشقجي. وقد توصلت القناة القطرية إلى أنّ كمية اللحم النيء الذي طُلب إلى القنصلية ذلك اليوم كانت 45 كغ. ونفهم من ذلك أنّ هذه الكمية من اللحم الذي وُضع في الفرن عينه كانت للتستّر على عملية حرق أعضاء جسد خاشقجي، الذي كأنه يواصل الحديث كل يوم والبوح بكل شيء للكشف عن كلّ ما اقترفه أولئك الجناة الذين أقدموا على ارتكاب هذه الجريمة التي أُعدّت مسبقاً بكلّ تفاصيلها من البداية للنهاية، ولكي يشهد عليهم أمام الإنسانية جمعاء. واليوم كشف خاشقجي النقاب عن معلومة جديدة صغيرة حول ما فُعل به، ليتذكر العالم كله مجدداً فظاعة هذه الجريمة التي ارتُكبت قبل 5 أشهر، وأما قتلته فحكم عليهم مرة ثانية بضميره.
إنّ مقر القنصلية يعتبر فرناً جُهز حتى لا يترك أثراً لأواصر الإنسان، فرن أُعدّ خصوصاً لهذه الأعمال. لكن لحظة واحدة.. لا يمكن أن يكون هذا الفرن قد جهّز فقط من أجل حرق جثة خاشقجي، فمن يدري لو لم تكشف جريمة قتل خاشقجي؛ هذه الشبكة من القتلة البشعين كم من معارض سعودي سيختفي ويُحرَق جسده في مثل هذا الفرن؟
كم شخصاً كانوا سيخنقونه ثم سيمزّقون جسده ويحرقونه ليتخلصوا منه في هذه الأفران؟ وهل كانوا حقّاً سينضجون لحم المندي في هذه الأفران؟
تستطيعون القول: أي إنسان يستطيع أن يتحمل أكل لحم طُهي في فرن عرف أنه حرقت به أواصر إنسان آخر؟
وبطبيعة الحال لا نندهش من أن معدة أولئك الذين حُرموا من الإنسانية بعدما قتلوا آخرين بوحشية قبل فترة ليست ببعيدة، وقطّعوا أواصرهم بفظاعة على أنغام الموسيقى مستخدمين المناشير والسواطير، لا نندهش من أن معدتهم تستطيع تحمل أكل هذا اللحم.
لا شك أنّ جثة خاشقجي لم تكن الشيء الوحيد الذي أُحرق في هذا الفرن. فجسد الصحفي السعودي أحرق ليطلع العالم كله على هذه الجريمة الشنيعاء ويبرهن للجناة أن سلطانهم سيحرق كذلك في القريب العاجل.
ارسال التعليق