أحلام الفتى الطائر في مملكة الزهايمر
بقلم: سليم عزوز
«محمد بن سلمان» جانٍ أم مجنيّ عليه؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن يُطرح بعد اغتيال الصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، وبعيداً عن المناورات، فالمستقر في وجدان عموم المهتمين بهذه القضية، أن المتهم الأول فيها هو ولي العهد السعودي، والقرائن التي ترتقي لمرتبة الأدلة، تعلق الاتهام في رقبته!
الإقدام على خطوة اغتيال الصحفي «خاشقجي»، ليست مُنبتَّ الصلة بما قبلها، وليس سلوكاً طارئاً على شخصية المذكور، صحيح أنه الأداء الأكثر إجراماً، لكنه يمثل الامتداد لعموم ممارسته، والتي تمت بغطاء أمريكي، لا تخطئ عين دلالته، فكنا أمام حالة من «الطيش»، الذي كان الغرب يغض الطرف عنه، في حين أن واشنطن، كانت لا تكتفي بمجرد تجاهله، ولكن كانت تستملحه، وتشيد بصاحبه، تماماً عندما فعل «دونالد ترامب»، وهو يشيد باعتقال المئات من وجهاء المملكة ومن آل سعود، باعتبارها خطوات إصلاحية، يقدم عليها الإصلاحي «محمد بن سلمان»، فهل كانت خطوات إصلاحية فعلا؟!
في الصعيد، ومع انتشار ظاهرة الخارجين على القانون، أو ما عُرف بظاهرة «الخُط»، سمعنا عن هذا المطارد من قبل الشرطة، كيف يقوم بإيقاف السيارات الضخمة التي تحمل الدقيق، والتابعة للدولة، تحت تهديد السلاح، ثم يوزعها على الأهالي بدون أن يتقاضى منهم مليماً واحداً، ثم إنهم لم يكونوا أبداً يستأسدون على الفقراء، فكان ابتزازهم كله منصبًا على الأغنياء، حيث يفرضون عليهم «إتاوة»، تمكنهم من العيش في ظروف المطاردة، لكن هذا السلوك الذي يبدو راقياً، من حيث الشكل، لا يمنع من أن هؤلاء خارجون على القانون عند أي توصيف جنائي!
وفكرة الاستيلاء على أموال الغير، لا يمكن أن تقوم بها دولة ونظام، لاسيما إذا كان هذا يتم بعيداً عن الإجراءات القانونية الطبيعية، فهو أمر يليق بقطّاع الطرق والخارجين على القانون، وأي حاكم يقدم على ذلك فإنه يكون فاقداً لصفته، وهو في حكم «قاطع الطريق»، ولم يكن محمد بن سلمان، يأخذ من أغنياء القوم ليعطي فقراءهم، فلم يصل لهذا المستوى من نُبل «خُط الصعيد»، فقد كان يصادر ثروات الناس، ومن العائلة الحاكمة في المملكة، لتمويل البرنامج الانتخابي لمن جاء به إلى موقعه، ومن سيمكنه من خلافة والده مقابل هذه الجزية، وما كان للأمور أن تصبح على هذه الدرجة من البؤس، لولا «أحلام الفتى الطائر» في أن يكون ولياً للعهد، ثم ملكاً على البلاد بالمخالفة لقواعد العائلة المالكة، التي تم إهانتها والتنكيل بها، وبـ «كارت توصية» من ساكن البيت الأبيض!
ولم يدن العالم الحر هذه الإجراءات، التي تتم بعيداً عن القانون، فالاهتمام بالشكل، جاء وفق المواصفات الأمريكية، فالاعتقال في فندق «الريتز»، والهدف هو مكافحة الفساد، مع أن تحويل الفندق نفسه إلى مقر احتجاز، يؤكد أن الأمر يتم خارج إطار القانون.
بيد أن الراعي الأمريكي وصف هذا الانتهاك السافر لكل المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان بأنها جزء من العملية الاصلاحية التي يقوم بها «ولي العهد السعودي»، الذي صنعه على عينه، ولأول مرة نشاهد التنكيل برجال أعمال كبار، لديهم علاقات بدوائر غربية مهمة، تتم بدون أن تتدخل هذه الدوائر، بل وتحسب عملية السطو على المال الخاص ضمن الإجراءات الإصلاحية التي يقوم بها المصلح الكبير «بن سلمان» ما دام الخراج سيذهب إلى القابع في البيت الأبيض، ويذهب بعضه إلى ابنته، وزوجها الذي تحول إلى مخبر عند ولي العهد، ينقل إليه نشاط «جمال خاشقجي» في واشنطن فيقتله، وتصرفات سعد الحريري فيحتجزه!
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد زج ولي العهد بالعشرات من العلماء في السجن، ولم يُعرف عن أي منهم تطرفاً أو تسويغاً للإرهاب، وتم الإقرار بأنه لا بواكي لهم، لأنهم بلا دية، ولأن الغرب، لم ينشغل بهم.
وكان الامتحان الكبير، الذي اجتازه بن سلمان بقليل من الصخب، هو اعتقاله لناشطات وكان هذا الصخب، راجع إلى بعض التقارير الحقوقية، ونتيجة ارتباطات بعضهن بدوائر غربية مثل كندا، والتي أستأسد الفتى في مواجهتها، وارتكب المزيد من الخروج على قيم حقوق الإنسان، ولم ينتصر العالم الغربي لدولة ضمن منظومته وترك كندا تتحمل الأضرار التي لحقت بها نتيجة هذه العجرفة!
الأمريكان، قبل ترامب وبعده، هم رعاة لديمقراطية الشكل في المنطقة، ولهذا فإن السادات عندما أراد أن يطوي صفحة العلاقة مع الاتحاد السوفيتي ويولّي وجهه شطر البيت الأبيض، فقد اهتم بتعددية اللقطة، فأوكل لثلاثة ضباط مهمة تشكيل أحزاب بعد إلغاء فكرة الحزب الواحد، وقد أرادها تجربة مقيدة منذ البداية، فرخصة الحزب هي امتياز لصاحبه، فالمطلوب هو استيفاء الشكل اتفاقاً مع فكرة «اللقطة». وفي تعاملنا في زمن الكاميرات، وقبل مرحلة السيلفي، عرفنا «اللقطة الأمريكاني»، وهي ليست لقطة حقيقية ولكنه «فلاش» يطلق ضوءاً ولا ينتج أثراً.
والسعودية ليست مصر، التي وجدت بها تجربة تعددية، قبل حضور الحكم العسكري برعاية أمريكية في بداية الأمر، ومن هنا كان لابد من أن تشمل الإصلاحات الشكل السياسي الذي تم إعفاء محمد بن سلمان منه، واهتم بأمور أخرى فحضور فنان لإحياء عُرس في المملكة تم التعامل معه على أنه يدخل ضمن منظومة الإصلاح المطلوبة والتي يقوم بها الإصلاحي الأكبر، وإن أدخل نساء السجن لمجرد كتابة تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، لها علاقة مباشرة بالسياسة!
وأدرك «بن سلمان» المطلوب منه لاستيفاء الشروط الأمريكية لتمريره مصلحاً رائداً في المنطقة، فلم يجد في قتله صحفياً ما يخل بهذه الصفة التي اكتسبها، وتماماً كما لم يخل بذلك عملية الاعتقال خارج القانون، وعملية اختطافه لسعد الحريري، وهي جريمة غفرها العالم له، فأين أجرم عندما تقدم خطوة للأمام، وأعطى أوامره بقتل «جمال خاشقجي» والتمثيل بجثته.
إنه التطور الطبيعي لممارسته، فهل هذا الشخص مؤهل نفسياً للحكم؟.. وأليس من غض الطرف عن خروجه في حالات سابقة على القانون هو فاعل أصلي في جريمة قتل صحفي مسالم؟، وهل كنا بحاجة إلى الاطلاع على بشاعة جريمة اسطنبول لنعلم أنه ليس إصلاحياً، وأن من سوقوه على أنه إصلاحي هم الجناة قبله!
إن قتل «جمال خاشقجي» ليس خارج السياق الطبيعي لحالة «محمد بن سلمان»، أو الفتى الطائر!
فهل كان إصلاحياً حقا؟!
ارسال التعليق