إلى أي درجة أنقذ قرار ترامب ابن سلمان
خطت اليد اليمنى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الفائت توقيعا عريضا لانسحاب بلاده من الاتفاق النووي الايراني، هذا الاتفاق الذي حاربه ترامب منذ حملته الانتخابية معتبرا إياه الأسوء على الإطلاق.
توقيع ترامب ملأ الصفحة الثانية من قرار الانسحاب، إذ خط الرئيس الأمريكي توقيعه بطريقة تشبه إلى حد بعيد سياسة بلاده العشوائية المتذبذبة السوداء مثل لون الحبر الذي وقع فيه قرار الانسحاب، لكن لون الحبر الأسود هذا أصبح يشبه ألوان الطيف لبعض دول المنطقة التي دفعت ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وكانت تنتظر بفارغ الصبر خروج ترامب من الاتفاق، وبالفعل خرج الرئيس الأمريكي ليرسم مسارا جديدا لسياسة المنطقة، لن يكون بأفضل من المسارات التي سبقتها وربما يبشر بحرب اقليمية متعددة الأطراف لن ترحم دولة كبرى أو صغرى وحينها فليفرح من دفع ترامب إلى اتخاذ هذا القرار الأرعن.
كانت "السعودية واسرائيل" ومعهما "الامارات والبحرين" من أكثر الدول التي هللت وفرحت بهذا الانسحاب، فاسرائيل فرحت به لكونه يقربها من حلفائها الجدد الخليجيين ويعبد الطريق أمام انفتاح أكبر بينهم، علما أن بعض هذه الأنظمة الخليجية حريصة على مصالح الاسرائيليين اكثر من الاسرائيليين أنفسهم، فالنظام البحريني ليس بالبعيد كثيرا عن هذا المشهد المؤلم لنا كعرب، فقد بارك على سبيل المثال لا الحصر وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، قصف العدوان الاسرائيلي للأراضي السورية وقال آل خليفة: "طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة، واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة، ومنها إسرائيل، أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر".
ولا تقف طموحات اسرائيل عند هذا الحد، فهي تسعى لكسر جميع المحرمات مع الخليجيين لتطبيع العلاقات مع السعودية على وجه التحديد لكونها تشكل ثقلا كبيرا بين الدول الخليجية وتعتبر نفسها قائدا للعرب والمسلمين، وبالتالي فإن اسرائيل تنظر إلى المملكة السعودية على إنها الباب الذي ستدخل عبره إلى داخل كل بيت عربي بسلام وأمان، ولكن اسرائيل على مايبدو تتعامى عن موقف المواطنيين السعوديين الذين مازالوا يؤمنون بالقضية الفلسطينية ويدافعون عنها ولو كره آل سعود، والجواب الآخر قاله الجيش السوري فجر الخميس عندما فجّر صواريخه في الجولان المحتل مدمرا مراكزا للاستطلاع والتجسس والتشويش الاسرائيلي موصلا رسالة مفادها أن السيادة السورية خط أحمر لا يمكن تجاوزها حتى ولو دعمتكم كل الدنيا.
أما السعودية فكان لها آمال أخرى من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، يمكننا تلخيصها بالتالي:
أولاً: إضعاف عدوها اللدود ايران وحشرها في الزاوية الضيقة قدر الإمكان، لكون الأخيرة قوضت السياسة السعودية الداعمة للإرهابيين وفضحتها في عدة دول كسوريا والعراق واليمن، ولم تتمكن سياسة بن سلمان المتهورة من توجيه صفعة حقيقية لإيران في أرض الميدان بالرغم من المئات من المليارات الدولارات التي ضختها لخدمة هذا الأمر.
ومن سوء حظ بن سلمان أن ايران كانت تخرج أقوى في كل مرة، ففي سوريا تمكن حليف طهران الرئيس السوري بشار الأسد من طرد جميع الذين كانت تمولهم السعودية من دمشق ومحيطها، لتعلن وكالة الأنباء السورية "سانا": "دمشق مدينة آمنة للمرة الأولى"، وفي لبنان خسر أنصار بن سلمان في الانتخابات البرلمانية وبرز نجم "حزب الله" في هذا الانتخابات وحصد الأخير 27 مقعد في البرلمان من أصل 28، فضلا عن مقاعد حلفائه وداعميه من الأحزاب الأخرى، وشكل هذه الخسارة ضربة قاصمة للمشروع السعودي في لبنان.
في العراق فشلت مخططات ولي العهد في تقسيم هذا البلد، وهاهو اليوم يجري انتخاباته البرلمانية الأولى بعد قضائه على تنظيم "داعش" الارهابي على كامل الأراضي العراقية، وفي اليمن أظهرت الجبهة الداخلية تماسكا غير مسبوق مقابل الخلافات الكبيرة بين الإمارات والسعوديّة في جزيرة سقطرى الأمر الذي أدى إلى تهديد الإمارات بإعادة تقييم حضورها في التحالف العربي.
ثانياً: لا يبدي بن سلمان حرجا في التقرب من الصهاينة ومنذ وصوله إلى منصب "ولي العهد" والأمير الشاب يلهث بكل ما أوتي من عنفوان الشباب للتقرب من الاسرائيليين تمهيدا للتطبيع معهم، وربما سيساهم الانسحاب من الاتفاق النووي في تعزيز هذا الأمر، من ناحية أخرى ترى السعودية في هذا الانسحاب فرصة لها في محاربة ايران نفطيا لكون الأخيرة ستعاني من هبوط في مبيعاتها النفطية بما يتراوح بين 300 ألف برميل ومليون برميل يومياً، بحسب تصريح وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، أول أمس ليعود المحللون الاقتصاديون ويؤكدوه أمس بقولهم إن "السعودية ربما تتمكن من البدء بزيادة إنتاجها النفطي، في وقت أضحت فيه أسعار النفط مرتفعة بالفعل"، وإن "ذلك يوفر للسعوديين مزيداً من الأموال لدعم برنامجهم الاستثماري، بينما يتقلص العجز".
ولم يكتف نظام آل سعود بذلك بل ذهبوا إلى التهديد بامتلاك مفاعلات نووية وربما قنبلة نووية، وهو ما سارع إليه وزير الخارجية ، عادل الجبير، مباشرة عقب إعلان ترامب انسحابه من وثيقة فيينا، عندما أعاد لازمة أميره، محمد بن سلمان، بتهديده بأنه "إذا حازت إيران قدرات نووية، فسنبذل كل ما بوسعنا للقيام بالشيء نفسه".
ختاما؛ ترامب لم يخدم بن سلمان في انسحابه بل "صب الزيت على النار" في منطقة أقرب ما تكون إلى بدء حرب كبيرة أكثر من أي وقت مضى، فهل سيخسر بن سلمان رهاناته كما في السابق؟!، الأيام قادمة ستوضح من كان على خطأ ومن كان على صواب.
ارسال التعليق