الأزمة القطرية: السيناريوهات الأسوأ (مترجم)
تقف الأزمة القطرية في مفترق ضبابي من حيث كيفية تسويتها لا مستقبلها من حيث التصعيد؛ فبعد بيان الأسبوع الماضي للدول الأربعة، ثبت أن هناك سقف أميركي لا يستطيع حلفاء واشنطن في صراعاتهم ضد بعضهم البعض أن يتجاوزوه، فترجمة بيان الدول الأربعة بشكل عملي تعني بقاء الأمر كما هو عليه، ولكن “الأمر” يعطي قطر أفضلية كبيرة في إدارة الصراع الحالي، فبعد الرد القطري المتحدي وإخراجه بلغة ندية استناداً على حلحلة الموقف الأميركي على مدار أسابيع الأزمة بشكل تصاعدي، بدافع عوامل وأسباب متعددة أهمها القول الفصل للمؤسسات الأميركية وعلى رأسها البنتاجون الذي رفض مناقشة نقل العديد خارج قطر، ورد الدول باحتمالية قاعدة عسكرية عربية في البحرين –وهو ما مثل تحدياً لواشنطن من الدول الأربعة للمؤسسات الأميركية- وكذلك الصفقات العسكرية بين واشنطن والدوحة بمليارات الدولارات، ناهيك عن قدرة قطر في إيجاد أساس تعاطف في وسائل الإعلام الأجنبية والأميركية، ونجاح الدوحة في تقويض مفاعيل عمل رجالات دول المقاطعة في واشنطن –تسريبات العتيبة وتورطه في غسيل الأموال- جعل العشر نقاط التي هي رد قطر على قائمة المطالب الثلاثة عشر هي قاعدة انطلاق مفاوضات مستقبلية بين الدول الأربعة وقطر وبإشراف أميركي.
عن سيناريوهات التسوية المتوقعة تجاه الأزمة القطرية، جادل كل من السفير جيمس جيفري، الخبير والمخطط الاستراتيجي المخضرم، والمحاضر المختص في تاريخ السياسات الأميركية في الشرق الأوسط. وسايمون هاندرسون، المحلل والباحث المختص بالشأن السعودي، مدير برنامج سياسات الخليج والطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، حول سيناريوهات الأزمة القطرية على المدى المنظور، وذلك في تقدير موقف مشترك لهما نشره موقع “زا سيفر بريف” المختص بالدراسات الأمنية والإستراتيجية، وفيما يلي نص التقدير:
لا يبدو على الأزمة بين الائتلاف العربي الذي تتزعمه الإمارات والسعودية، ضد زميلتهم في مجلس التعاون الخليجي، قطر، أي علامات الانحسار حتى الأن. فبعد أن أرسلت قطر ردها على المطالب الثلاثة عشر التي تضمنتها القائمة المطروحة على حكومة الدوحة الشهر الماضي، أعربت مصر والسعودية والبحرين والإمارات خلال لقاء جمعها في القاهرة في يوليو عن أسفها إزاء الرد القطري “السلبي” على قائمة مطالبها، معلنةً عن استمرار القيود التي كانت قد فرضتها.
وتعود أصول التوترات إلى عقود خلت – وربما إلى أجيال كاملة في نظر الأطراف الرئيسية – ولكن من غير الواضح سبب اندلاعها المفاجئ في مايو مع قطع العلاقات الدبلوماسية وإنهاء الروابط الجوية والبحرية والبرية. فالسبب المزعوم – بأن أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني قد أدلى بتصريحات موالية لإيران – يبقى محل نزاع محتدم. وبما يتوافر من معرفة، يبدو أن كلا الجانبين كانا يستعدان على ما يبدو لمثل هذا الانشقاق منذ شهور.
ولو وقع مثل هذا الخلاف، الذي يبدو ظاهرياً أنه بسيط، ويعبر عن قلة نضوج بين دول متجاورة في أفريقيا أو جنوب شرق آسيا، لربما كانت عواقبه بسيطة. ولكن الأمر مختلف في الخليج العربي. فالسعودية هي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم وقطر هي أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، مع الإشارة إلى أن كافة الأطراف المعنية مباشرةً بالخلاف هي دول حليفة لواشنطن، بينما الدول الأقل ودّاً، وعلى نحو شديد الوضوح روسيا وإيران، هي على الهامش، ومستعدة للاستفادة من الأزمة.
وإذا لم يتراجع السعوديون ولا الإماراتيون ولا القطريون، وواصلت الولايات المتحدة تأرجحها ما بين ميل الرئيس الأمريكي تجاه الرياض وتخوفات كبار مسؤولية من الخطوة السعودية، وبالتالي لا تجد واشنطن وسيلة للتوسط في هذه الأزمة والتوصل إلى حل وسط، فمن الممكن أن تتوسع هذه المحنة وتتوسع، فوفقاً لبعض التقارير، قد يحاول السعوديون والإماراتيون تطبيق مقاطعة ثانوية للدول التي تُتاجر مع قطر، أو تعزيز ضغوطهم العسكرية عبر التهديد بفرض حصار بحري أو تعبئة على الحدود. وفي هذا الصدد، أشار محلل شؤون الشرق الأوسط ثيودور كاراسيك في 2يوليو إلى أنه ربما كان يُنظر في اتخاذ إجراء عسكري مباشر إلى حين قيام تركيا بإرسال قواتها إلى قطر لإجراء تدريبات كان مخطط لها مسبقاً. ووفقاً لما جاء في مجلة “فورين بوليسي” الأسبوع الماضي، تحدّث وزير الخارجية القطري عن لجوء بلاده إلى القضاء ضد ما سمّاه بـ”الحصار غير المشروع”.
ولذلك من شأن أي خطوات إضافية من قبل الجانبين السعودي والإماراتي أن تولّد ردّاً عنيفاً من قطر إذا ما شعرت الدوحة أن كافة سُبل التسوية أصبحت مغلقة. وسيتمثّل الرد الأكثر بديهية باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، الأمر الذي سيفتح المجال تلقائياً أمام روسيا ذات العضوية الدائمة فيه بالتدخل مباشرةً في شؤون الخليج بعد عامين من تدخلها بنجاح في سوريا.
ومن شأن ذلك أن يضع الولايات المتحدة في موقف صعب أيضاً. فإمّا تتصدى لأي تحرك في الأمم المتحدة، أو تواصل التأرجح، أو تنخرط بشكل جدي في حل الأزمة. ومن الممكن أن يفضي الخيار الأخير إلى نتيجة سعيدة؛ وبخلاف ذلك، قد تلعب قطر أوراقها الدبلوماسية مع بعض الأطراف النافذة مثل روسيا وإيران، اللتين لا تهتمان بدعم نظام أمني في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة. وفي الواقع أن الذكريات غير السعيدة للوجود العثماني منذ قرن مضى قد تلاشت في الدوحة. فقد أصبحت تركيا اليوم شريكاً مفيداً، كما طفح الكيل بحكومة أنقرة من مطالبة السعوديين والإماراتيين بإغلاق القاعدة التركية في قطر.
وحتى أن المسار الأكثر خطورة هو قيام قطر بلعب أوراقها العسكرية. فبإمكانها البدء بذلك مع الولايات المتحدة، التي لديها اتفاقات تعاون أمني مع قطر يرجع تاريخها إلى عامي 1992 و 2013، وتستخدم بموجبها الولايات المتحدة “قاعدة العُديد الجوية” كمركز حيوي للضربات ومركز القيادة/السيطرة في المنطقة. وقد نصت هذه الاتفاقيات، سواء ضمنياً أم صراحةً، على أن بإمكان البلد المضيف أن “يدعو” الولايات المتحدة للمساعدة إذا واجه هذا البلد تهديداً أمنياً. وفي حين تبقى هذه الالتزامات غامضة وغير ملزمة قانونياً، إلا أنها (أي في إطار “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” بين الولايات المتحدة والعراق) تستحق في حالات الطوارئ على غرار هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق عام 2014.
وفي حين اتسمت السياسة الأمريكية إزاء هذه الأزمة بالغموض، من شبه المؤكد عدم انحياز الولايات المتحدة إلى جانب قطر. لكن هذا الأمر قد يدفع الدوحة إلى تقييد استخدام الولايات المتحدة لـ “قاعدة العُديد”، في الوقت الذي وصلت فيه العمليات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» – التي يتم التحكم بها من تلك القاعدة، وفي بعض الحالات انطلاقها من هناك – إلى نقطة حاسمة. بل إن الأمر الأكثر خطورة، هو احتمال لجوء قطر إلى روسيا أو إيران لالتماس الدعم العسكري إذا ما وجدت الدوحة نفسها محاصرة وغير قادرة على الحصول على دعم الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، وهذا أمر يتماشى بالكامل مع حقوق قطر السيادية بالتماس هذا الدعم وحقوق روسيا أو إيران في تقديمه. ومن المنافي للمنطق هو الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة قد تحاول التصدي عسكرياً لمثل هذه الخطوة حتى لو أدّى ذلك إلى تواجد القوات الروسية في الخليج، وانتشار القوات الإيرانية بالقرب من السكان الشيعة في البحرين والكويت وشرق المملكة العربية السعودية.
لدى السعوديين والإماراتيين دبلوماسيين متمرسين ومن الممكن أن يتوقعوا مثل هذا الاحتمال كما يُرجح، لكنهم مضوا قدماً بمقاطعة قطر على أي حال. ولعل هذه الخطوة تعكس الأدوار الرئيسية التي اضطلعت بها الأطراف غير الدبلوماسية – أي ولي العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان في السعودية الذي كان ارتقاؤه هامشياً بكل ما يتعلّق بالأزمة، وولي العهد الطموح الأمير محمد بن زايد في أبوظبي وثنائي الأمير والأمير الوالد في الدوحة، حيث يحافظ والد تميم على وجوده في مجريات السياسة القطرية.
لربما ظن الأمير محمد بن سلمان والأمير محمد بن زايد أن قطر ستتراجع، ولكن ربما كانا يعتقدان أيضاً أن إدارة ترامب ستؤمّن غطاءً دبلوماسياً وعسكرياً ضد أي دعم خارجي لقطر. وإذا كان الأمر كذلك، فقد يكون هذا خطأ. وبصرف النظر عن المخاوف الأمريكية المفهومة من أسلوب المبادرة السعودية -الإماراتية ودوافعها، إلى جانب الحقوق العسكرية للولايات المتحدة في “قاعدة العُديد”، تبقى واشنطن مقيّدة – كما هو الحال في سوريا – بتردد طويل المدى في التدخل المباشر في دولة- أمة بشكل يعارض حكومتها.
وحتى إذا لم يحدث هذا السيناريو الرهيب بالفعل، فإن مجرد احتمال حدوثه يوضّح المرحلة المحفوفة بالمخاطر التي وصلت إليها المنطقة فيما يخص هذه الأزمة.
بقلم : جيمس جيفي وسايمون هاندرسون
ارسال التعليق