الرياض تبالغ كثيراً في تقدير حجمها وفقدت بوصلتها وجرة المنطقة للمجهول
يتابع العالم بقلق بالغ مسار السياسة الخارجية السعودية وهي تدمر علاقاتها مع عدد من أبرز الدول الغربية بعد أن دمرت علاقاتها مع بلدان عربية وفقدت سمعتها لدى الشعوب العربية والإسلامية.
ويرى الكثير من المراقبين أن السعودية تُبالغ كثيرا في تقدير نفوذها الذي يعود بسبب اقتصادها غير أن الخلافات التي اندلعت أخيرا بينها وبين ألمانيا والسويد ثم كندا بعد فرضها حصاراً جائراً على قطر منذ أكثر من عام، وتدخلها في عام 2015 في حرب اليمن والتي أصبحت تهدد ملايين اليمنيين بالموت جوعاً أو نتيجة الإصابة بوباء الكوليرا الذي يهدد أيضاً بالانتشار في السعودية، توضح أن ولي العهد السعودي، يشعر بعد مجيء دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أن بلاده قوية كثيراً، ولديها القدرة بمؤازرة أمريكا على إثبات ذلك، ولذلك لا يردعها أحد من مواجهة أبرز دول العالم.
والقول الذي يتفق عليه المراقبون أن السعودية تستغل الخلافات التي نشبت بين دول غربية وترامب، وتعمل بسياسة شعبوية تخدم أهداف ترامب، لأنها تستهدف أبرز خصومه السياسيين في الغرب مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو.
الجولة الثانية لتدمير السعودية علاقاتها مع الغرب، بدأت عندما دخلت كريستيا فريلاند، وزيرة الخارجية الكندية على النقاش بعد قيام السلطات السعودية بإيعاز من الجهات السياسية العليا، باعتقال الناشطة السعودية المعروفة سمر بدوي، وزجها وراء القضبان بدون تهم رسمية، وبذلك ارتفع عدد الناشطات السعوديات وراء القضبان بشكل غير مسبوق في تاريخ المملكة.
ويعتقد البعض أن بعض الحكومات الغربية ترى أن الكيل قد طفح، وأن السياسة الخارجية السعودية لم تعد تُطاق، وتتساءل إلى متى ينبغي السكوت على انتهاكاتها حقوق الإنسان في السعودية واليمن وقطر.
وتُعتبر كندا أول دولة غربية تتحدث باللغة التي تفهمها الرياض وتخشاها في نفس الوقت وهي انتقادها علما أن محمد بن سلمان لا يحب سماع الانتقادات من أحد ولذلك يرى ضرورة الضغط على الدول التي تنتقد بلاده وتعتبر ذلك تدخلا في شؤونها الداخلية، ويرى العديد من المراقبين أن السعودية قوة اقتصادية مؤثرة في العالم وتريد استخدام ذلك كسلاح لإسكات المنتقدين طالما أن الانتقاد لا يصدر عن واشنطن في عهد ترامب. كما تعرف جيدا أنها تقدم خدمة طيبة لترامب والشعبويين في إدارته الذين سعوا معه إلى تدمير علاقات بلاده مع حلفائها الغربيين وبالتحديد برلين وأوتاوا.
أما بالنسبة لكندا وألمانيا، فإن المراقبين يتابعون باهتمام موقفهما تجاه الرياض، فبينما يُقال إن برلين التي تتحفظ حيال الخلاف بين الرياض وأوتاوا رغم شراكتها العميقة مع كندا، تعمل بالخفاء بما تقتضيه مصالحها الاقتصادية من أجل عودة السفير السعودي إلى مكان عمله في برلين، والتوصل مع السعودية إلى حل وسط يحفظ ماء وجه البلدين، أكدت وزيرة الخارجية الكندية تمسك بلادها بقيم حقوق الإنسان والمرأة وحرية التعبير عن الرأي في كل أنحاء العالم.
وهذه إشارة واضحة من الحكومة الكندية إلى الرياض وهي تتخذ يوما بعد يوم إجراءات جديدة تعقد العلاقات بين الرياض وأوتاوا.
وبحسب د. جيدو شتاينبيرج، الباحث في معهد السياسة في برلين الذي يزود الحكومة والبرلمان الألمانيين بالدراسات والتقارير حول الأزمات الدولية، أن الرياض تستعرض عضلاتها ضد كندا كي تحذر سائر دول العالم من انتقاد سياساتها، وقال شتاينبيرج إن المسؤولين السعوديين يعيشون في قلق خشية فشل نهجهم تجاه أوتاوا وبرلين.
ويرى جونتر ماير، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة ماينتس الألمانية، أن الرد القاسي لابن سلمان عبارة عن رسالة موجهة إلى الداخل، فهو يريد إبلاغ الشعب السعودي أن السعودية قوية رغم فشلها في تحقيق أهداف سياساتها الفاشلة في اليمن وقطر وبذلك يريد تكريس سلطته، وإن لم يقم بهذه الخطوة، لكان فقد ماء الوجه أمام مواطنيه، ويريد من وراء ذلك غض الطرف عن الخسائر التي تسببت بها سياسته الخارجية في الفترة الأخيرة.
وقال دانييل جيرلاخ، رئيس تحرير مجلة تسينيت الألمانية المختصة بقضايا الشرق الأوسط ومدير معهد كانديد فاونديشن، إن حسابات السعوديين قد تنقلب عليهم، لأنهم يعتقدون من خلال الضغط على ألمانيا وكندا أن دول الغرب لن تقف إلى جانبهما خشية التعرض للمقاطعة الاقتصادية السعودية وأضاف: لو كانت دول الغرب وقفت منذ البداية بقوة إلى جانب ألمانيا وكندا لما تجرأت الرياض على فرض مقاطعة اقتصادية ضدهما. وبرأي جيرلاخ، يستغل السعوديون الخلافات الراهنة بين دول الغرب وخاصة بين الكنديين والألمان مع ترامب، مما يوفر للسعوديين في الوقت الراهن فرصة استعراض عضلاتهم لفترة مؤقتة.
وأوضح الخبير الألماني أن السعوديين يستغلون ما يسمى بموجة ترامب، وهم يأملون أن تحظى سياستهم تجاه برلين وأوتاوا بالتأييد في البيت الأبيض بعد نشوء خلافات بين ترامب من جهة وميركل وترودو من جهة أخرى.
وحول التطورات الأخيرة أوضح جيرلاخ أن اعتقال الناشطة السعودية سمر بدوي عبارة عن رسالة إلى المواطنين السعوديين أن الأسرة الحاكمة في الرياض ما زالت تأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر المحافظين رغم القرارات الأخيرة التي اعتبرها ولي العهد تحقيق حريات لكن بحدود وقدمت الدليل على ذلك باستخدام القوة ضد المعارضين.
ارسال التعليق