السفيرة ريما تواجه مهمة مستحيلة لتجميل ابن سلمان
بعد ثمانية أشهر على مُغادرة السفير السعودي لدى واشنطن خالد بن سلمان سفارة بلاده هناك، قدّمت خليفته الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود أوراق اعتمادها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أيام بعد اختيار الرياض لها لشغل هذا المنصب الدبلوماسي. وإذا كانت مُغادرة السفير السابق جاءت على وقع جريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول، وصدى لتلك الجريمة لدى الدوائر الأمريكية المختلفة، فإن احتواء تداعياتها سيتصدر - حسب ما يقول محللون أمريكيون - مهمة السفيرة الجديدة “التي ستسعى إلى تجميل صورة محمد بن سلمان بصفة خاصة”.
ولا تقتصر قائمة “تجميل المواقف” التي تنتظر السفيرة الجديدة على ملف خاشقجي، بل تمتد لتشمل الحرب في اليمن، وقضية اعتقال الناشطات السياسيات في المملكة ومعتقلي الرأي السعوديين، حيث خرجت تشريعات عدة في الكونغرس دعمها أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي تدين السجل السعودي في كل تلك القضايا.
وقبل مُغادرته واشنطن في الثامن من أكتوبر الماضي بعد جريمة مقتل خاشقجي في الثاني من الشهر ذاته في إسطنبول، أرسل السفير خالد بياناً للصحفيين ينفي فيه أي علاقة لبلاده باختفاء خاشقجي، ونصح بضرورة انتظار نتائج التحقيقات، وأكد أن “التقارير التي تفيد بأن المملكة اعتقلت أو قتلت خاشقجي خاطئة تماماً ولا أساس لها من الصحة”.
كما اجتمع أيضاً قبل يوم من إصداره البيان، مع فريد راين ناشر صحيفة واشنطن بوست التي كان يكتب فيها خاشقجي مقالات رأي، وأكد له “استحالة وقوع جريمة داخل القنصلية أو التستر عليها دون أن نعلم بها”.
ومع وصول السفيرة، سيكون من أهم مهامها إصلاح الخلل الكبير الذي عرفته علاقات بلادها بالدوائر الأمريكية المختلفة، حيث ابتعدت مراكز القوى التقليدية - باستثناء إدارة الرئيس دونالد ترامب - بدءاً من الكونجرس والمنظمات المدنية ومراكز بحثية وليس انتهاء بوسائل الإعلام عن المملكة وعن ولي عهدها محمد بن سلمان.
وبالتزامن مع تقديم السفيرة الجديدة أوراق اعتمادها للرئيس ترامب نشرت صحيفتا واشنطن بوست ونيويورك تايمز مقالات تتحدّث عن “صعوبة وربما استحالة نجاح السفيرة ريما في مهامها”.
ووصف الكاتب جاكسون ديل - أحد مسؤولي صفحة الرأي بواشنطن بوست - محمد بن سلمان بأنه “صدّام حسين الجديد”، محذراً الغرب والولايات المتحدة من مصير مستقبل ولي العهد السعودي.
وقال ديل في مقال له بالصحيفة: “استنتج محمد بن سلمان أنه مُحصّن، فهناك نساء أمر بتعذيبهن في السجن، في حين تواصل طائراته قصف اليمن، ويتخذ الخطوات الأولى للحصول على أسلحة نووية، ولأن الحكومات الغربية لا تعمل على وقفه، فستقوم بذلك لاحقا عندما يكون الثمن أغلى”.
ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقاً مطولاً تساءلت فيه عن الأهداف التي يسعى محمد بن سلمان لجنيها من الأموال التي تغدقها الرياض على الجامعات الأمريكية.
وطبقاً لمجلة أتلانتيك، فإن السعودية أنفقت أكثر من 40 مليون دولار على شركات العلاقات العامة واللوبيات للضغط على الكونجرس والفرع التنفيذي من السلطة ومراكز الأبحاث والمؤسسات الإعلامية بما يخدم مصالح الرياض ويُحسّن صورتها وصورة ولي عهدها عقب الخسائر التي منيت بها خلال العاميين الأخيرين.
وقالت مجلة أتلانتيك: “إن كل ما استطاع المال السعودي فعله هو الدعم الثابت من صديق في البيت الأبيض وثورة في الكونجرس”.
وقالت خبيرة بأحد المراكز البحثية بواشنطن: “لا يمكن تجميل مَن أمر باعتقال نساء لدورهن الإصلاحي وأصحاب الرأي، علاوة على الأزمة الإنسانية التي سببتها الحرب غير المسؤولة على اليمن، والضرر الواقع على مصالح واشنطن بالخليج بسبب فرض واستمرار حصار قطر”.
ومن جانبه قال أندرو ميلر نائب رئيس مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط: إن “الظروف التي تمّت فيها تسمية الأميرة ريما سفيرة للسعودية في واشنطن ستغطي على أهميتها كأول امرأة تخدم في هذا المنصب الرفيع”. ويعتقد ميلر أن اختيار امرأة لهذا المنصب “قرار مُتعمّد لدرجة السخرية في إطار جهود ولي العهد السعودي ومستشاريه لتحسين صورة المملكة في واشنطن والتي وصلت لدرجة الحضيض”.
وأكد ميلر للجزيرة نت: “صعوبة تجميل النظام السعودي في واشنطن حيث إن هناك أزمة حقيقية في العلاقات بين واشنطن والرياض، والقلق الأمريكي من السياسات السعودية يتخطى الانتماء الحزبي ليشمل الرأي العام الأمريكي بصفة عامة”.
وترى الخبيرة الأمريكية التي رفضت ذكر اسمها أن السفيرة الجديدة “ينتظرها اختبار في غضون أشهر قليلة خصوصاً مع احتفال السفارة بذكرى اليوم الوطني للمملكة يوم 26 سبتمبر المقبل التي سبق أن ألغاها سلفها خالد بن سلمان على وقع الغضب الواسع بسبب مقتل خاشقجي”.
وتتساءل: “هل سنشاهد طوابير الداخلين للسفارة من الساسة ونخبة واشنطن كما جرت العادة، أم سيتم إلغاء الاحتفال كما حدث العام الماضي؟”.
ارسال التعليق