العلاقات السعودية الإسرائيلية والخيارات المفتوحة..
لا يختلف كثر أن مملكة آل سعود تجاوزت مرحلة فتح قنوات التواصل مع كيان العدو الإسرائيلي، في السر حينا وفي العلن أحيانا بقنوات مختلفة ومستويات متعددة، فما يتعلق بهذا الأمر قد انقضى منذ سنوات حيث كُسر حاجز الخوف من الناس أو الرأي العام العربي والإسلامي الذي كان يستثقل إمكانية الحديث عن علاقات سعودية إسرائيلية وإن كان قد تعود على وجود هذه العلاقات مع بعض الأنظمة الخليجية، وكانت الرياض دائماً تدعي أن أمراً كهذا لا يحصل إلا في ظل وجود دولة فلسطينية مستقلة.
ولكن التطورات التي تحصل كل يوم تؤكد أن العلاقات بين الطرفين تسير على قدم وساق، وأن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تطبيع العلاقات بين الكيانين المتشابهين في كثير من الأوجه لا سيما بأسلوب التأسيس والاستمرارية القائمين على القتل وانتهاك الحقوق ورفض الآخر بل القضاء على كل رأي مخالف رغم محاولات تمييع الانتهاكات وإلباسها لبوسات مختلفة.
انتقال العلاقات من الخفاء إلى العلن..
وفي المرحلة المقبلة ستجري محاولات للانتقال مما يُحكى عنه في الإعلام أو يسرب في بعض القنوات السياسية من علاقات نسجت في الكواليس إلى تطوير هذه العلاقات ووضعها موضع التنفيذ عبر حصول لقاءات بين قيادات من الكيانين أو حتى حصول صفقات ثنائية وزيارات متبادلة تحت عناوين اقتصادية أو ثقافية وغيرها وصولاً لتطوير العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية.
لكن يبقى الحديث عن علاقات سعودية إسرائيلية موضع شك لدى كثيرين كذلك تطرح التساؤلات عن إمكانية تمرير مثل هذه المشاريع في المستقبل، فأي مصير سيكون للعلاقات بين الطرفين وما هو مآلها؟ هل سنرى يوماً ما علاقات طبيعية بين الطرفين أو بالحد الأدنى توقيع اتفاقيات تعاون أو استثمار وصولاً لتوقيع اتفاقيات سلام ودفاع مشترك وغيرها؟ هل يمكن للسلطة السعودية الحالية تمرير مثل هذه المشاريع لدى الشارع السعودي أم أن هناك من سيقف ليقول لا كافية بوجه التفرد اللامقبول من قبل السلطة في الجزيرة العربية؟
الحقيقة أن الكلام عن علاقات دبلوماسية طبيعية بين مملكة آل سعود والكيان الصهيوني وإن كان هدفاً بذاته لدى الطرفين إلا أنه ليس بالمسألة السهلة، فالأمر في غاية الدقة والحساسية ويحتاج إلى مزيد من الوقت كي تنجلي الأمور، لكن معطيات الواقع والأرض لا سيما في السعودية مع كل ما يفعله ولي العهد السعودي محمد سلمان ينذر بأن أموراً أكبر ستحدث في المستقبل ولن تقف الأمور عند حدود لها علاقة باعتقال بعض الخصوم هنا وهناك أو إبعاد عدد من المشايخ لانتهاء فترة صلاحيتهم في خدمة النظام المتسلط على رقاب الناس أو طرح بعض المشاريع الخيالية التي تمهد لوصول بن سلمان إلى خلافة والده.
فوضى التغيير وصولاً للعلاقة مع إسرائيل..
فمن يعمل لضرب الأسس التي قامت عليها دولة آل سعود في الجزيرة العربية منذ سنوات وتوطيد حكمهم على أساسها لن يتورع كثيراً في تمرير مشاريع أخطر وأكبر، لأن العمل على استبدال هذه الأسس لن يكون أصعب من طرح مشروع لفتح علاقات مع العدو الإسرائيلي خاصة أن في المملكة شرائح من المجتمع لا تعنيها كثيراً الحديث عن فلسطين والقدس والمقاومة وهذه المصطلحات التي يعتبرونها تخص المحور الآخر، فهناك من يهتم أكثر لمسائل رياضية وفنية وعندما يريد الحديث في القضايا الاستراتيجية يعتقد أن إيران هي العدو لا "إسرائيل" لأن الحكم السعودي ربى وأسس الناس على ذلك.
ومحمد سلمان الذي يعمل اليوم على ضرب المؤسسة الدينية في السعودية عبر سلسلة الاعتقالات والإقالات التي حصلت بحق عشرات من رجال الدين والعلماء والمثقفين والنخب، ومن ثم قيام هذا الحالم بأن يصبح ملكاً في يوم من الأيام بضرب الأساس الثاني للحكم السعودي عبر التجرء علناً على الإطاحة بأبناء العائلة السعودية نفسها ممن يعارضون وصوله كرسي العرش، سواء باعتقال البعض أو إقصاء البعض الآخر حتى تستوي له الأمور كلياً في السلطة ليفعل ما يشاء، كما أن بن سلمان يلعب بمستقبل الدولة اقتصادياً لأنه يريد تغيير النظام الاقتصادي الساري في البلاد منذ عشرات السنين والقائم على البترول والثروة النفطية بينما هو اليوم يريد الذهاب باتجاه المشاريع الاستثمارية وغيرها عبر الصناديق التي أقرتها "رؤية 2030" ناهيك عن مشاريع أخرى تهدف إلى تحويل الصبغة الدينية للبلاد وجعل المملكة الوهابية تتجه نحو المدنية وضرب القيم الاجتماعية والثقافية التي قامت عليها المملكة.
بالخلاصة من يجرؤ على فعل كل ذلك لتتنفيذ ما يعتقد أنه يحقق له مصالحه الشخصية والخاصة لن يتورع عن الإقدام على طرح مشاريع كالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي وتطويرها بكل الأشكال إذا ما كان يعتقد أنها ستوصله إلى غاياته بدعم إسرائيلي وأمريكي خاصة بخصوص البقاء في السلطة إلى ما شاء الله وأن يتصرف كما يحلو له داخل وخارج الدولة التي تقتل المدنيين الأبرياء وتسفك الدماء في اليمن بدون حسيب أو رقيب.
وفي هذه المرحلة الحساسة فإن بن سلمان قد يبحث عن الوقت المناسب لفتح ملف العلاقات المباشرة والعلنية مع "إسرائيل"، وهو لذلك قد يقوم بطرح الأمر بعد تمرير المشاريع التغييرية في مملكة آل سعود، فإن مرت بسلام دون تداعيات كبيرة على مستقبل الحكم وعلى مستقبله الخاص وعلى أمنه الشخصي فهو لن يتردد في وضع العلاقات الإسرائيلية السعودية على سكة التنفيذ الفعلي وعندها تكون البلاد أمام مفترق طرق حقيقي، مع إمكانية أن تستيقظ من سباتها العميق لرفع الظلم عن نفسها وعن قيم ومبادئ هذه الأمة.
ارسال التعليق