المملكة السليمانية.. ابن سلمان وتدجين آل سعود
من الجلي أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد حسم العرش لصالحه بنجاحه في الإطاحة بأقرب منافسيه؛ محمد بن نايف ومتعب بن عبدالله، وتقويض أوراق نفوذهم وقوتهم في الداخل والخارج، وكذلك الإطاحة بمراكز القوى ومعتركي السياسة والإدارة والحكم داخل آل سعود، مستنداً في هذا المسار الذي سلكه منذ ما يزيد عن 3 سنوات على عوامل السن والقدرة الصحية، والإعفاءات الملكية المتتالية منذ 2015 التي وقعها والده الملك سلمان.
أبعد من صراع على العرش
أتى تقليص نفوذ الأمراء المنافسين وذو النفوذ داخل العائلة السعودية مثل الأمير والملياردير الوليد بن طلال، وكذلك الفرع السديري بأبناء الملوك وولاة العهد السابقين، وإشهار سيف المعاقبة بحجة الفساد وغيرها من الحجج الهزلية ضد أي اعتراض من الأسرة المالكة على قرارات بن سلمان، وإنشاء قوة “السيف الأجرب” المخصصة لذلك والتابعه لبن سلمان خارج أي إطار تنظيمي رسمي سواء في القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية، وظيفتها الأولى إقرار النظام داخل العائلة، وسميت على “السيف الأجرب. فما الذي جعله بعد هذا الحسم يستمر في تهميش وإقصاء ومعاقبة أي صوت داخل الأسرة المالكة يبدي اعتراض أو تحفظ ناحية أي قرار سواء كان معقد وخطير مثل مستقبل الحكم والعرش، أو صغير مثل الرواتب والمكافآت والامتيازات المالية؟
الإجابة المستمرة على هذا السؤال حتى بعد حادثة احتجاز أمراء ومسئولين في “ريتز كارلتون”، تكمن حسب الوقائع في أن بن سلمان استمر في التصعيد ضد أبناء عمومته، ليصل الأمر بإيداع 11 أمير منهم من مختلف أفرع آل سعود في سجن الحائر. وهذا الأمر لا ينم فقط عن استمرار الصراع على الحكم، ولكن يشي ببعد جديد لما يحدث داخل العائلة المالكة؛ فمن ناحية وصول بن سلمان للعرش لم يكن ليتم دون توافق تقليدي داخل الاجنحة المؤثرة في العائلة المالكة، ولكن الفارق هذه المرة أن العرش سينتقل من جيل أبناء الملك المؤسس إلي جيل الأحفاد، وهي سابقة أولى من نوعها، إذ سينحسر الحكم في المملكة في نسل سلمان بشكل وراثي وليس بانتقال الحكم من أخ لأخيه منذ سعود بن عبدالعزيز وحتى سلمان بن عبد العزيز، وهو أمر غير مضمون استدامته بعد انتهاء حكم سلمان وانتقاله إلى نجله محمد، حتى مع رسمية وبيعته كولي للعهد.
ومن ناحية أخرى فإن استخدام بن سلمان للترغيب والترهيب تجاه أبناء عمومته ليصل إلى ولاية العهد بانقلابات متتالية بدأت منذ وفاة الملك عبدالله وحتى حادثة الريتز كارلتون لم تضمن له انسجام على مستوى الأسرة للقبول بالأمر الواقع، خاصة مع تشويه صورة الأمراء المحتجزين على أنهم فاسدين وضد التحديث وضد مصلحة المواطن السعودي، وإمعاناً في إذلال بعضهم مثل إيداع الـ11 أمير سجن الحائر سيء الصيت، مما يعني رسالة ضمنية من بن سلمان إلى باقي أمراء الأسرة السعودية بأن أي اعتراض على ما يقوم به لن يتوقف عند المنع من السفر أو الاعتقال المنزلي أو حتى الاعتقال في الريتزكارلتون، ولكن قد يصل بهم الحال إلى سجن الحائر وربما ما هو أكثر.
تركيز السلطة والثروة في نسل آل سلمان
هنا نجد أن التخوف الأكبر للقطاع العريض داخل الأسرة السعودية لايتعلق بمسألة وصول بن سلمان شبه المحسومة للعرش، بل في تجريد هذا القطاع العريض من مكتسبات اقتصادية واجتماعية وأحيانا سياسية حصلوا عليه بالوراثة كما سيحدث مع بن سلمان في العرش، ويبقى انتمائهم للقب آل سعود مجرد من أي نفوذ اجتماعي واقتصادي، بل وحتى يجردهم من الامتيازات والرواتب و المكافآت الدورية، واستقلالية أموالهم الخاصة عن أموال العائلة التي يحصدها بن سلمان، وكذلك الحال في المسائل الاقتصادية والأعمال، حيث تفترض استراتيجية بن سلمان تركيز الثروة والاستثمارات في شريحة موالية له، بخلاف تفرده بأصول المملكة النفطية والعقارية والصناديق السيادية بما فيها الخاصة بالعائلة المالكة، دون أي اعتبار لتقليد المنح والعطايا الدورية التي ينولها أمراء البيت السعودي منذ ولادتهم وتبقى وراثية في نسلهم.
هنا نحن أمام فرضية تشي دلائل وقرائن بأنها تتجه نحو تحقق تقليص الأسرة السعودية من آلاف الأشخاص، إلى عشرات فقط ضمن نسل واحد –وهو في هذه الحالة فرع ونسل سلمان بن عبدالعزيز- في أمر مشابهة لما حدث منذ الثورة الفرنسية وحتى الحرب العالمية الثانية في أوربا، حيث انتهاء الأسر الملكية التي يتمتع أفرادها بامتيازات اقتصادية واجتماعية فقط لأنهم يحملون أسم العائلة دون أي دور سياسي، ولكن مع القياس هناك فارق شاسع في كل التفاصيل الزمانية والاجتماعية والحضارية التي تجعل المقارنة من باب السياق فقط؛ فمثلاً لا يقارن الدور الحضاري والسياسي لأسرة ميديتتشي في أوربا، أو حتى أسرة محمد علي في مصر والسودان والشام، بدور آل سعود في المنطقة. وكذلك الأمر من ناحية التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والظرف السياسي العالمي لكل من هذه الأسر الحاكمة، وبالتالي نحن أمام نموذج جديد لما يحدث داخل الأسرة المالكة في السعودية يقارب بشكل منطقي فكرة بقائها كأسرة حاكمة بشكل مطلق حسب عقد اجتماعي متخلف في بيئة تشجع على الرجعية الاجتماعية والثقافية بشكل جذري، وهو مايبدو أن بن سلمان ورعاة سعيه نحو العرش قد أدركوه، وهو أن الأفضل أن يبقى نسل واحد من آل سعود هو الحاكم والمسيطر والمضطلع بدور سياسي، بديلاً عن حالة التهديد البنيوي التي نتجت عن تشعب وسيولة انتقال الحكم في المملكة على مدار السنوات الأخيرة، واحتمالية دائمة لصراع عائلي حول العرش.
السابق في حد ذاته ليس جديداً على الأسرة السعودية، التي في دولتها الأولى والثانية والثالثة –المستمرة حتى الأن- كان الحكم والسياسة لفرع واحد من فروع الأسرة، وهو ما فعله عبدالعزيز آل سعود المؤسس، حيث جعل الحكم في نسله بين أبنائه، مع الحفاظ على امتيازات الانتماء للعائلة المالكة وأسمها، ولكن هذا “العقد الاجتماعي” داخل الأسرة لم يعد كافياً بل ويمكن القول أنه في نفس الوقت الذي أستقر الحكم من خلاله، إلا أنه حمل عوامل فنائه التي أقلها الصراع المزمن على العرش، ومعضلة انتقاله من جيل الابناء – من أخ إلى أخية- إلى جيل الأحفاد وصراعهم الذي حسمه بن سلمان كما رأينا في الأعوام الثلاث الماضية.
إذن هنا يخشى أمراء البيت السعودي من تغول آل سلمان عليهم وحرمانهم من الامتيازات التي ربوا ونشئوا عليها، والتي تعد مكتسبات بالوراثة وحق بديهي في مخيلتهم نظير أن يحكمهم الملك. وبالتالي نجد أن الأمر في المملكة السعودية خرج من إطار صراع أجنحة على الحكم، إلى صراع على بقاء الامتيازات التي يحملها لقب “آل سعود” المتذيل لأسم أمير ما، ومن يخالف فله سجن الحائر والسيف الأجرب!
تدجين العائلة واستمرار تدجين الشعب
بن سلمان لن يأمن على عرشه في المستقبل إلا بتدجين الأسرة المالكة، وعملية التدجين هذه التي تتم عبر “السيف الأجرب” وسجن الحائل، تعني فعلياً انتهاء فكرة آل سعود كأسرة تحكم وتتحكم وتدير بمنتهى الإطلاق على نمط ملكيات العصور الوسطى. لكن هذا الأمر أيضاً لا يمكن تفعيله وإنفاذه كما يريد بن سلمان بواسطة حملات دعائية تبينه وكأنه محارب لفساد وطغيان أفراد عائلته لكي يضمن دعم شعبي خارج إطار الرشاوي الاجتماعية المعتادة عند كل تغير في أركان الحكم في المملكة.
فالخطوة المنطقية لاعتبار أن ما يقدم عليه بن سلمان الأن إصلاحاً، وهو ما يحدث عند إصلاح الملكيات المطلقة، أن يكون هناك تشاركية في الحكم من جانب الشعب على غرار الملكيات الدستورية الأوربية، أو حتى بنموذجها الأعرج في الملكية المصرية، والتي واجهت تطلعات دائمة وحقوق مشاركة الشعب في الحكم وانتهت بالإطاحة التامة بها بنظام الجمهورية إذ لم يكن هناك دستور حديث تشاركي. وفي الحالتين فحتى كتابة هذه السطور لم يكتب دستور للحكم في السعودية، ولا يحظى الشعب السعودي بأي مشاركة في القرار السياسي، وكل ما يحصده الأن هو وعود بتغير في نمط الحياة مصحوب بحملات إعلانية ودعائية على حداثة ورفاهية مملكة بن سلمان المنتظرة.
اختصار لو اعتبرنا ما يفعله بن سلمان إصلاحاً بتقليص آل سعود إلى آل سلمان، فهو أيضاً يحمل في طياته عملية فناءه، ففي النهاية الحملة الدعائية والمشروعات المستقبلية والترفيه المنتظر ويضاف عليه ظهور بن سلمان كحاكم مستقبلي عادل، يعني في مرحلة ما حتمية نمط تشاركي للسلطة والثروة في المملكة التي تحظى بتطور وحيد حتى كتابة هذه السطور، وهو تحولها من حكم العائلة إلى حكم الفرد.
بقلم : اسلام ابو العز
ارسال التعليق