الموقف الأمريكي الجديد من الأسد....بين فشل المشروع الأمريكي....وتغيير الخطط الأمريكية.
أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيرلسون، والمندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، ثم المتحدث باسم البيت الأبيض شون شبايسر، أن مصير الرئيس الأسد يقرره الشعب السوري على المدى البعيد، وان هذا الموضوع لم يعد يشكل أولوية في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، ثم يتبع ذلك وزيراً الخارجية الفرنسي والبريطاني بتبني هذا الموقف، فذلك يؤشر بنظر المراقبين والمحللين إلى تحول كبير في الموقف الأمريكي، الذي ظل طيلة الأزمة السورية، يصرُّ على تنحي الرئيس الأسد عن السلطة، مع دعم متواصل للفصائل الإرهابية التي تحارب الجيش السوري وحلفائه بالمعدات العسكرية المتطورة، وبالأموال، وبالمواقف السياسية والاعلامية أيضاً، ولكن السؤال، أو بالأحرى مجموعة الأسئلة المطروحة إزاء هذه الانعطافة الأمريكية، هي، هل التغيّر الأمريكي من مسألة وجود الرئيس السوري في السلطة، يعني تغيّراً حقيقياً للموقف الأمريكي من المسألة ، يعني تغيّراً حقيقياً للموقف الأمريكي في المشهد السوري؟ وهل هو ، إقتراباً من الموقف الروسي الذي يصر منذ البداية على ان الشعب السوري، هو الذي يقرر مصير الرئيس السوري، فيما يخص استمراره في السلطة ؟ وهل يعني ذلك فشل أمريكي، و اعتراف بهذا الفشل في قضية التعاطي مع الأزمة السورية؟ هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى أجوبة، وقد انبرى عدد من المحللين والمراقبين لتحليل هذه الانعطافة الأمريكية، وقد تمحورت هذه التحليلات في الرؤى التالية :
1- فشل جولة هجمات الإرهابيين في محيط دمشق وفي الجنوب وفي حماه وانكسارهم في تلك الهجمات أمام الجيش السوري وحلفائه، وبالتالي إخفاقهم المدوي في تغيير معادلة الميدان لصالحهم، ذلك بالإضافة إلى الانتصارات المتلاحقة التي يحققها الجيش السوري وحلفائه في باقي الجبهات، كريف حلب وصحراء تدمر.
2- محاولة إرضاء الطرفين الروسي والإيراني اللذين يصران على أن مصير الرئيس السوري يقرره الشعب السوري.
3- محاولة فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية، والتمهيد لحضور أمريكي دائم في سوريا، أسوة بالوجود الروسي، من أجل فرض معادلات جديدة تكون فيها أمريكا مؤثرة، لمنع فتح جبهة جديدة معادية للعدو الصهيوني في الجولان.
هزيمة المشروع الأمريكي
رغم أنني أقر بصحة بعض ما جاء في التحليلات السابقة لكني أرى أن هذه الانعطافة الأمريكية هي اعتراف أمريكي بفشل المشروع الذي يعتمد على الأدوات في تفتيت المنطقة وتجزئتها وفي تحصين الأمن الصهيوني، وتكريس المصالح غير المشروعة لأمريكا في تلك المنطقة. صحيح أن مشروع الأدوات- أي الفصائل التكفيرية الوهابية التي تلقت الفكر والتعليم، من المدارس الوهابية السعودية التي تنتشر في أنحاء العالم، ثم الدعم العسكري والسياسي والإعلامي من النظام السعودي ومن الولايات المتحدة والدول الغربية وتركيا والكيان الصهيوني- صحيح أن هذا المشروع دمر المنطقة وأضعف مفاصل القوة فيها، بإثارة الفتنة الطائفية وباستنزافها بحروب داخلية عبثية، كما حصل ويحصل في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، وصحيح أن هذه الأدوات مازالت تقدم الخدمات للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة الأمريكية، لكنها أخفقت في تحقيق الأهداف الأمريكية الكبرى في سوريا والعراق والمنطقة، فلم تستطيع من إسقاط النظام السوري في دمشق كما أنها لم تحقق التقسيم في العراق، اذ كانت أمريكا وعملاؤها والكيان الصهيوني يفكرون بربط الرقة والموصل وباقي المناطق المحتلة في سوريا والعراق، في كيان واحد، يقوونه عسكرياً ويدعمونه بكل الإمكانات المتاحة، ولا ضير أن يبقى تحت اسم " الدولة الإسلامية " أو أي اسم وعنوان آخر، ليبقى هذا الكيان يستنزف المنطقة، ومطرقة أمريكية صهيونية لابتزاز مواقع القوة والرفض للهيمنة الأمريكية في هذه الأمة. وبانتظار توفر الظروف المناسبة لتبني هذا الكيان بشكل رسمي، فإن أمريكا وحلفائها وعملائها كانت راضية باستمرار حرب الاستنزاف في العراق وفي سوريا وحتى حرب اليمن وليبيا، لكن التطور الذي لم يكن في حسابات الإدارة الأمريكية، هو أن هذه الحرب بدأت تميل لصالح مقاومي مشروع التفتيت الأمريكي، ففي العراق تمكن الجيش والحشد الشعبي من طرد داعش، وهما على وشك القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، وحصره في الجزء الغربي من الموصل، حيث لم يبق سوى 30% من مدينة الموصل بعد طرده من تكريت والرمادي والفلوجة وسامراء، وباقي المدن والمناطق الغربية التي سيطر عليها في هجومه قبل سنتين أو أكثر على العراق بدعم أمريكي سعودي وتركي وصهيوني، وبتواطئ سياسيين وعسكريين عراقيين يعملون لصالح الأجندات الخارجية وهم معروفون لدى الشعب العراقي.
أما في سوريا، فقد شكل تحرير مدينة حلب تحولاً كبيراً في مسار المعركة لصالح الحكومة السورية وحلفائها، ما يعني بنظر المخططين الأمريكيين، أن هذا التحول في معادلة الميدان، سينتهي بهزيمة أدوات أمريكيا، وسيكون لذلك تداعيات وارتدادات كبيرة على أمن الكيان الصهيوني وعلى عملاء أمريكا وبالتالي على مصالحها غير المشروعة في المنطقة، لذلك كانت الهجمات الأخيرة للإرهابيين على أحياء العاصمة دمشق، أحياء جوبر وتوابعها تحديداً، وعلى ريف حماه، الفرصة الأخيرة التي أعطتها أمريكا لهذه الأدوات وللقوى العميلة في الإقليم مثل السعودية، ليصار على ضوء نتائجها، تحديد الأسس التي تحكم السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية وتجاه المنطقة ككل...وللإشارة، أن عملاء أمريكا وادواتها اعدوا العدة واستعدوا لتحقيق أهداف قلب المعادلة الميدانية لصالحهم في سوريا، فتركيا تنصلت عن تعهداتها للروسي وشاركت في وفد منخفض المستوى في مؤتمر استانة2، والسعودية دعمت الإرهابيين بشكل فاق الدعم السابق، والكيان الصهيوني شارك في الغارة على مواقع الجيش السوري وحلفائه في جبهة تدمر، غير أن الرد السوري جاء مؤكداً للإدارة الأمريكية، بأن الجيش السوري وحلفائه لا يسمحون بتغيير معادلة الميدان لصالح أعدائهم، ثم لا يسمحون باستمرار حرب الاستنزاف بل لابد من حسم المعركة وإنهاء وجود الفصائل الإرهابية المسلحة اما بدحرها في العمل العسكري أو بالمصالحة...
وعلى اثر هزيمة الأدوات والعملاء في هذه الجولة الأخيرة من المعارك قررت واشنطن الاعتراف بهزيمة مشروعها اعتماداً على الأدوات، والانتقال إلى مرحلة جديدة وتبني مشروعاً آخر، لعلة يحقق مايصبو اليه المسؤولون الامريكان والصهاينة.
المشروع الامريكي البديل
بدون شك، أن الإعلان الأمريكي عن أن مصير الرئيس السوري يقرره الشعب السوري لا يعني تغييراً في الموقف الأمريكي من الأسد، ومن الأزمة ابداً، إنما هو تغيير في الخطط والاستراتيجية بعد التسليم بفشل الأدوات في الوصول إلى النتائج النهائية ، والتي قلنا هي تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية وعرقية ودينية، وإسقاط أنظمة، وعلى رأسها النظام في دمشق، والدليل على ذلك تنامي الحضور العسكري في الشمال السوري، حيث يزداد عديد القوات النخبة الأمريكية هناك بشكل تدريجي، حتى وصل إلى الآلاف، مجهزين باحدث الأسلحة والمعدات العسكرية، ثم تكثيف الدعم والحماية الأمريكيين لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يشكل أكراد سوريا عمودها الفقري، ويضاف إلى ذلك الإنزال الأمريكي العسكري في منطقة الطبقة لقوات النخبة الأمريكية، لقطع الطريق على القوات التركية و(الجيش السوري الحر) وعلى الجيش السوري وحلفائه، من التقدم والزحف نحو مدينة الرقة لطرد داعش منها. ذلك من أجل احتكار عملية طرد داعش من الرقة، من خلال قوات سوريا الديمقراطية، حيث تشكل هذه العملية مفصلاً مهماً من مفاصل الخطة الأمريكية البديلة فيما بعد، ذلك أن واشنطن لا تريد القضاء على الدواعش، إنما طردهم إلى دير الزور، حيث يسيطرون على قسم من عاصمتها، وعلى مساحة واسعة من هذه المحافظة المحاذية لمحافظة الرمادي العراقية، التي مازال الدواعش يسيطرون على أراض منها وصولاً إلى الحدود مع الأردن، فأمريكا تريد إقامة كيان للدواعش في تلك المنطقة يستنزف كل من العراق وسوريا من جهة، ومن جهة أخرى يشكل حاجزاً يمنع ايران من التواصل مع سوريا عبر العراق وبالتالي يساهم ذلك في تحصين أمن الكيان الصهيوني، ذلك فضلاً عما توفره سيطرة الأكراد على الرقة والمناطق الشاسعة المحيطة بها وتحت الرعاية الأمريكية، من حضور أمريكي فاعل في المشهد السوري والتأثير في مجرياته بالشكل الذي يفرض معادلة جديدة لصالح الأمن الصهيوني، وللحد من النفوذين الروسي والإيراني في سوريا بحسب ما تراه الإدارة الأمريكية الجديدة.
ما تقدم يشكل أحد مرتكزات المشروع البديل، أما المرتكزات الأخرى فأهمها، توحيد (الفصائل المعتدلة) تحت قيادة واحدة، لكي تتمكن الولايات المتحدة من التعامل مع هذا الفصائل بشكل دقيق ومركز، لأن تعدد مرجعيات واتجاهات الفصائل التي تتعامل مع الجيش السوري أربك خطط واشنطن وأضعف سياستها في التعاطي مع الأزمة بالشكل الذي يدعم أهداف واشنطن وحلفائها في سوريا نظراً للخلافات واختلاف الرؤى بين مرجعيات هذه الفصائل، التي هي السعودية وقطر وتركيا والعدو الصهيوني، وانعكست ....نوات هذه المرجعيات تقاتلاً وتصفيات بين هذه الفصائل، الأمر الذي انسحب على إرباك الخطط الأمريكية، ولذلك أبلغت الإدارة الأمريكية هذه الفصائل بالتوحد تحت قيادة واحدة حددتها لهم، وهددت كل من يرفض ذلك بقطع الإمدادات المالية والتسليحية عنه عبر منع المرجعيات من ذلك، تلك المرجعيات التي هي الأخرى خضعت لمطالب إدارة ترامب في هذا الاتجاه، وتعهدت بالالتزام باملاءات واشنطن عليها ! وذلك بالطبع يعني وبشكل واضح أن الإدارة الأمريكية تريد استمرار الحرب ضد الحكومة السورية لإضعافها وحلفائها واستنزافهم، وصولاً إلى توفر وتهيئة المناخات السياسية والأمنية في سوريا والمنطقة، المناسبة لفرض واقع التقسيم، وإجراء ودعم التسوية بهذا الاتجاه، أي تكوين والاعتراف بكانتونات كردية، وأخرى عربية تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، أو مجموعات سلفية، لتنطلق بعدها واشنطن، لتعميم النموذج السوري على كل المنطقة.
وإلى ذلك، فأن واشنطن تسعى لتدعيم المخطط البديل بمرتكز آخر يتمثل بتشكيل قوة إقليمية تحت قيادة الكيان الصهيوني، وهو ما تؤشر إليه التحركات الدبلوماسية الأخيرة والجارية بين بعض العواصم العربية وواشنطن، فالرئيس ترامب استدعى محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي والرجل القوى في النظام السعودي، وأمره بحسب المصادر الصهيونية لكي يعيد العلاقة فوراً مع مصر التي كانت تمر بفتور ويضخ لها الإمدادات المالية والنفطية من أجل تهيئة الظروف لأقامة ولتشكيل مثل هذا الحلف الذي يريد ترامب أن يتشكل من الدول " السنية العربية المعتدلة " بحسب التوصيف الصهيوني، وهي السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن، بالإضافة إلى الكيان الصهيوني وتقول المصادر الصهيونية، ان ملك الأردن عبدالله الثاني الذي هو أول من استدعاه ترامب إلى واشنطن يلعب الآن دوراً محورياً في الإعداد إلى هذا التكتل الجديد، الذي كان نتنياهو قد حدد أهدافه، بمواجهة إيران وقوى الحشد في العراق والحكومة السورية وحزب الله في لبنان ولعل إعلان النظام السعودي عن (ناتو) إسلامي، ووضع جنرال باكستاني على رأسه، يشكل خطوة ممهددة لهذا التكتل الجديد، الذي ظل الصهاينة يشددون ويحرضون على ضرورة تشكيله منذ سنوات، ولعل زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن ولقائه بالرئيس الجديد ترامب، وضعت الأسس العملية لتنفيذ هذا المشروع.
وفيما تواصل الإدارة الأمريكية اتصالاتها بعواصم المنطقة لتظهير هذا المشروع من خلال مظلة مؤتمر مشترك حول القضية الفلسطينية، فأن إيران وحزب الله والحكومة السورية وباقي فصائل المقاومة تدرك وتعي ما يسعى إليه الأمريكيون والصهاينة وعملائهم في المنطقة، ويقولون إنهم مثلما هم أفشلوا وأجهضوا خطط ومشاريع واشنطن السابقة، فأن مصير الخطط الجديدة سوف لا يكون أحسن من سابقاتها، بل سيكون أسوء مما انتهت إليه الخطط السابقة من نتائج بكثير.
عبدالعزيز المكي
ارسال التعليق