بنو سعود وديك الفلاح: ليتنا متنا نؤذن
بقلم: سفيان بنحسنزعموا أن صاحب دجاجات خاطب ديكه متوعدا إياه بنتف ريشه إن لم يتوقف عن الصياح، فرأى الديك أن من الحكمة التنازل لصاحب السلطان والتوقف عن الصياح أو الآذان، مرت الأيام قبل أن يعود إليه صاحبه بنفس نبرة الوعيد إن لم يرع الفراخ مع الدجاجات وينقنق مثلها، ولان الديك كان يرى الحكمة في التنازل فقد هجر ربوته حرصا على سلامته وبدأ بتقليد أصوات الدجاجات وحركاتها، لكن صاحبه لم يمهله طويلا قبل أن يعود إليه مجددا متوعدا إياه بالذبح إن لم يضع بيضة كل يوم كما تفعل الدجاجات، وهنا أدرك الديك أنه هالك لا محالة وأن سياسة الإرضاء لن تقود إلى السلامة فقال “يا ليتني مت وأنا أؤذن”.
حكاية الديك تتكرر اليوم مع حكام العرب أو مع بني سعود تحديدا مع إختلاف أن ديكة الحجاز قد نجحت فعلا في وضع الكثير من البيض في سلة العم سام، لكن يبدو أن خيار الذبح لا يزال مطروحا وأن قائمة الطلبات قد لا تنتهي حتى يعجز الديك ويقاد إلى الفناءأقتطف من كتاب ناصر السعيد المعارض السعودي الذي لا يُعرف له قبر ولا تاريخ محدد للوفاة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي هذا المقطع الذي يتحدث فيه عن شهادة الرئيس الأسبق للمخابرات السعودية سعيد الكردي في حوار له مع مشعل بن عبدالعزيز “يا بني سعود، والله لو إعتمدتم على جِمالكم وسيوفكم العتيقة لما دخلتم الحجاز وحكمتموه لحظة واحدة، لكنها مدافع الأنجليز وأسلحتهم وإرادتهم المصرة على تسليمكم عرش الحسين بعد أن رفض مطلب الأنجليز بتقسيم الوطن العربي إلى دويلات ورفض إعطاء فلسطين لليهود ووافق والدكم على ما رفضه الحسين” ( إنتهى الإقتباس من كتاب تاريخ آل سعود)، فالحكم السعودي للحجاز وعلى لسان صندوقهم الأسود سعيد الكردي ما كان ليتم لولا التعهد بتسليم فلسطين إلى اليهود وشق الصف العربي حتى لا يعقد العرب الخناصر على خيار الكفاح المسلح، فكانت القدس هي أول أثمان عرش عبدالعزيز، ولعلنا نستحضر هنا قرار مقاطعة أمين الحسيني للجنة الملكية سنة 1937 بعد إدراكه خطورة الدور القذر الذي يلعبه أصحاب العروش في سبيل دعم هجرة اليهود نحو فلسطين في تلك الفترة والدفع نحو تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ولأن البقاء على العرش يتطلب تجديدا للثقة يمنح من بريطانيا قديما ثم من وريثتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية فقد بات على حاكم الحجاز التمهيد لإسقاط عواصم أخرى بعد القدس حتى يحظى بتجديد الثقة.
لم تكن فلسطين سوى أولى حلقات سلسلة طويلة تثبّت عرش بني سعود في الحجاز، حلقة أولى تلتها مصر سنة 1962 إثر المشاركة الصهيونية في دعم قوات بني سعود في اليمن في ما سمي بعد ذلك بعملية النيص، وكانت تلك الحرب في حقيقتها تهدف أولا إلى إنهاك القوات المصرية حفاظا على التفوق الصهيوني وثانيا إلى كشف القدرات العسكرية المصرية للعدو وجديد الأسلحة السوفياتية للأمريكان، وقد نجح حكام الحجاز في مهمتهم وإنهار الجيش المصري سنة 67، ويستمر ورثة العرش السعودي واحدا تلو الآخر في تقديم فروض الولاء والطاعة ليرتقي العار من التنازل إلى التآمر ثم إلى المشاركة في العدوان وأخيرا إلى تبنيه وقيادته كما حصل في الحصار الجائر على شعب العراق ومنع الأدوية عن مرضاه والحليب عن أطفاله ثم المشاركة في إسقاطه في رحى الحرب الأهلية وتسليمه للمارد الفارسي والأمريكي.
فلسطين ومصر والعراق والجماهيرية واليمن كلها كانت قرابين قدمها بنو سعود على إمتداد حكم دولتهم الثالثة إعتقادا منهم أن الغرب لن يقلب لهم ظهر المجن إذا ما إستتب له الأمر في المنطقة وإيمانا منهم أن الحكم الذي بنته المخابرات الغربية لا يمكن إستمراره بدونها ولا نجاحها من دونه، وحقيقة الأمر اليوم أن لا موقف للمملكة من كل قضايا العالم سوى تبني الموقف الأمريكي دون تحوير أو إجتهاد وترويجه بإسم الإسلام ونضرب هنا مثلا كتابا لرجل الدين السعودي ربيع المدخلي بعنوان “صد عدوان الملحدين وحكم الإستعانة على قتالهم بغير المسلمين” وجاءت الفتوى لتبيح لفهد وملوك الخليج المشاركة في الصفوف الأولى في العدوان الثلاثيني على العراق إبان ضم الكويت، أو فتاوى إبن الباز في الدعوة إلى الجهاد في أفغانستان أيام الوجود السوفياتي فيها قبل أن تنقلب السعودية على صناعتها وتدعم الغزو الأمريكي لنفس البلد وتناصب العداء للمجاهدين العرب الذين زرعهم في ذلك الوقت الأمير سلمان بأمر من الملك خالد تحت مسمى “هيئة دعم وجمع الأموال لصالح الجهاد في أفغانستان” ونجحت المملكة في تجنيد مجموعة من رجال الدين مهمتهم تكفير من وضعته واشنطن والعصابة الصهيونية هدفا لهما لتجعل من الدين الحنيف وسيلة أخرى لتثبيت عرشٍ بلا دعائم شرعية أو إنتخابية أو ثورية.
اليوم ورغم عقود طويلة في خدمة مصالح الغرب على حساب الأمة بجانحيها العربي والإسلامي يبدو أن المملكة السعودية تمر بأسوأ مراحلها وقد ينتهي الأمر بفنائها للأسباب التالية:
إنقلاب سلمان على أشقائه وتعيينه لإبنه وليا للعهد ليضع بذلك اللبنة الأولى للدولة السلمانية على أنقاض السعودية، وفي إنقلاب سلمان على الجناح السديري من العائلة الحاكمة يكون قد شق صف العائلة الحاكمة وزرع له أعداء داخل القصر ربما ستدفعهم جيناتهم إلى السير على خطى ملوك الطوائف في الأندلس والمزايدة في الولاء لعدو الأمة ليحظوا بالدعم للإنقلاب أو على أقل تقدير بالضوء الأخضر له.
محمد إبن سلمان أثبت في أولى تجاربه في الحكم أنه لن ينجح في الظهور بمظهر الإصلاحي الحداثي وأن بقاءه في ولاية العهد قد يسبب الحرج للحاكم الأمريكي أمام الرأي العام في بلاده، ومع توتر العلاقة الأمريكية السعودية إثر عملية خاشقجي والتي قد يذكرها التاريخ كأكثر عمليات الإغتيال غباء لا يستبعد أن يظهر إلى العلن خليفة لسلمان أكثر قبولا لدى الغرب لتنتهي الدولة السلمانية حتى قبل أن تبدأ أو ربما الدولة السعودية أيضا، وتضيع كل الهدايا والرشى والصفقات الوهمية التي دفعها سلمان وإبنه إلى أبي إيفانكا طلبا للتزكية والتفويض.
ربما يتغير إسم الحاكم أو وريثه قريبا وربما يتغير إسم الدولة وقد يظهر من أبناء الحجاز من يطلب الحكم لنفسه في ظل غياب دستور وقوانين تنظم عملية الإنتقال السياسي كما قد يطالب الهاشميون في الأردن بعرش الحجاز إن تطور الوضع ليستردوا حكم الشريف حسين، كل تلك الفرضيات قد تؤكدها أو تنفيها الأيام القادمة لكن الثابت اليوم أن الأسرة السعودية التي باتت منبوذة لدى الشارع الغربي وصناع القرار العالمي قد أوجدها الغرب لخدمته وخدمة المشروع الصهيوني وأنها قد وضعت كل إمكانياتها المادية والبشرية ومكانتها الدينية لتسويق السياسة الأمريكية في المنطقة ولدعم الإقتصاد الأمريكي في أحلك ظروفه وأن سياسة لعق الأحذية لا تديم حكما متهالكا.
ارسال التعليق