بين الشرقية وفلسطين، والعوامية ودير ياسين.. إجرام واحد
* جمال حسن
السيطرة على المنطقة الشرقية وغيرها من المناطق التي تتشكل منها المملكة من قبل آل سعود لا يختلف ابداً عن احتلال العصابات الصهيونية للأراضي الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي بداية من مدينة دير ياسين ليمتد الإجرام الصهيوني على طول وعرض فلسطين المحتلة بمرآى ومسمع العرب قبل غيرهم.. وما يدور في العوامية من أجرام تقترفه عصابات آل سعود ضد المواطنين أصحاب الأرض الأصليين اليوم هو الحال ذاته الذي تعيشه كل مدينة فلسطينية محتلة وأصحابها الشرعيين .
جزّأ الاستعمار البريطاني الخبيث المنطقة الشرقية مهد الحضارات العريقة والثروات الإلهية ومصدر الطاقة في العالم والتي كانت تمتد من البصرة جنوبي العراق حتى سلطنة عمان، الى دويلات وجيئ بأشر الناس وأخبثم وأکثرهم طاعة وانصياعاً وتنفيذاً لمخططات أعداء الأمة، ونهباً لمقدراتها، وشقاً لصفها ووحدتها، وخيانة لقراراتها وقضاياها؛ ليتحكموا بمقدرات شعوبها اجراما وقمعاً وقتلا وخبثاً وتشتيتاً؛ كما فعلته بريطانيا ببلاد الشام تمزيقا وتقطيعا وتقسيما للأرض وأعطت فلسطين أرض المقدسات السماوية الى الصهاينة ألد أعداء الأمة وجعلوها غدة سرطانية في قلبها منذ بداية القرن الماضي .
مرة على الأمة قبل حوالي الشهرين ذكرى النكبة الكبرى التي تعيد للأمة آلامها وأوجاعها لسبب ما عانته من غدر وخبث وخيانة من الحكام العرب وفي مقدمتهم آل سعود الذين باعوا فلسطين وشعبها الى اليهود الصهاينة منذ أن منحها عبد العزيز بكتابته على ورقة لف سيجارة الى المندوب البريطاني السامي آنذاك؛ حيث ارتكبت فيها العصابات الصهيونية من المجازر ضد الفلسطينيين ما يندى له ضمير الأنسانية الذي حنط من قبل الدول الدائمة العضوية في ما يطلق عليه جزافاً مجلس الأمن الدولي، والتي لاتفرق عما فعله آل سعود ضد أبناء المنطقة الشرقية من قتل ودمار وسلب ونهب للثروات وتهجير للسكان كما يفعل اليوم بن سلمان في العوامية ونظيره نتنياهو في المدن الفلسطينية المحتلة .
أحتل آل سعود المنطقة الشرقية وعاصمتها القطيف أول مرة خلال دويلتهم الأولى في جمادى الأولى لعام 1206هـ . ق/ كانون الثاني، 1792م، بعد أن حاصرها سعود بن عبدالعزيز وقتل في سيهات نحو 1500 من أهلها، واستولى على مافيها- كما يشير المؤرخ ابن غنام- بأنها أموال لا تعد ولا تحصى، ثم واستولى على عنك وقتل 500 من رجالها واستولى على أموالهم وممتلكاتهم، واتجه للقديح وقتل مجموعة من رجالها واستولى على مافيها من أموال، فتهاوت له بلدان المنطقة الشرقية طائعة فاستولى على مافيها من أموال.. ثم في عام 1913م تمكن جيش عبدالعزيز آل سعود من دخول المنطقة الشرقية من شمالها الى جنوبها بدأ بالأحساء بعد اتفاق بينه وبين الوالي التركي.
فكانت دويلة آل سعود الثالثة في بلاد الحجاز قبل الدويلة الصهيونية في فلسطين لتكون سندا ودعما لها على الأراضي العربية المغتصبة بخيانة ملوك الأسرة السعودية الحاكمة المتواصلة سياسياً وعسكرياً ومالياً للشعوب العربية والإسلامية خاصة أهل فلسطين وأصحابها الحقيقيين، فكان ما كان من دور فيصل بن عبد العزيز في قمع الثورات الفلسطينية وشقا للصف العربي والإسلامي الذي وقف لدحر المحتلين المجرمين وأول رئيس للكيان الصهيوني الغاصب"حاييم وايزمان" يعترف بكل ذلك في مذكراته ويكشف المستور على لسان كبير مخططي ومنظري الخبث الاستعماري في مذكراته ويقول: إن انشاء الكيان السعودي هو مشروع بريطانيا الاول... والمشروع الثاني من بعده انشاء الكيان الاسرائيلي - نقلاً عن "تشرشل" الرئيس الاسبق للحكومة البريطانية بتاريخ 11/3/1932 والذي قال له: اريدك تعلم يا وايزمان أنني وضعت مشروعا لكم ينفذ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يبدأ بحكومة ابن سعود في الحجاز, شرط ان يتفق معكم اولا, ومتى قام هذا المشروع, عليكم ان تاخذوا منه ما أمكن وسنساعدكم في ذلك...
دير ياسين قرية فلسطينية تقع غربي القدس المحتلة، دخلتها العصابات الصهيونية المسلحة في 9 أبريل 1948، وأقاموا فيها مذبحة بشعة بقيادة "مناحيم بيجن" حيث ذبحوا من أهلها مئات الأشخاص بين رجل وامرأة وشيخ وطفل، ومثلوا بجثثهم بشكل بشع بقطع للآذان وتقطيع للأعضاء وبقر لبطون النساء وألقوا بالأطفال في الأفران المشتعلة وحصد الرصاص كل الرجال ثم جمعوا جثث القتلى واضرموا النار فيها - حسب وثيقة كُتبت قبل سبعين عاما واستخرجت من أرشيف عصابة "ليحي" الصهيونية، كشهادة حول الجرائم البشعة التي أرتكبتها العصابات الصهيونية في دير ياسين، وكتب هذه الوثيقة يهودا فيدر، الذي كان أحد عناصر "ليحي" وكنيته "غيورا".
اليوم تشهد مدينة العوامية الأسلوب الإجرامي ذاته الذي حدث في دير ياسين، حيث القصف المدفعي وإحراق البيوت وقتل الأبرياء من الناس المارة منهم وغيرهم من الذين في بيوتهم الى جانب اعتقال العشرات من خيرة أبناء المدينة ونقلهم الى جهة مجهولة لا يعرف مصيرهم، والمدينة الصامدة رمز المقاومة ومقارعة الظلم والمطالبة بحرية التعبير وحقوق المواطنة المسلوبة من أبناء الشرقية برمته على أسس طائفية تكفيرية وهابية، تعيش منذ حوالي العامين أبشع أنواع القمع والظلم والإضطهاد الديني والسياسي بذرائع واهية مضحكة هزيلة حيث قطع عن أهلها خاصة حي الميسورة الكهرباء والماء وتم تدمير المنازل بالقصف العشوائي واستشهاد أكثر من عشرة مواطنين عزل واصابة عشرات آخرين، وتهجير عشرات الأسر من بيوتهم تحت وطأة السلاح والتخويف والترهيب، شأن قوات آل سعود شأن عصابات الهاغانا الصهيونية وفعلتهم في دير ياسين وغيرها من البقاع الفلسطينية الاخرى .
تعيش العوامية حالة طوارئ وبن سلمان يعلن حالة الطوارئ لقمع المطالب الشعبية وقواته الأمنية والعسكرية تجول وتصول في كل أحياء البلدة وتستهدف أي شخص أو سيارة متحركة، وأصوات الانفجارات المتتالية والرصاص المتواصل تسمع من مسافات بعيدة في البلدات المجاورة، وأظهرت الصور وتقارير الأخبار أعداد ضخمة من العوائل وهي تسرع للخروج من البلدة وهي ترفع علماً أبيض في محاولة واضحة لإذلال البلدة ، وسط انتشار أعداد كبيرة من رسائل استغاثة لعوائل محاصرة أو عوائل مع مرضى وكبار السن تريد الخروج بسبب كثافة الرصاص او وجود المدرعات وشاصات ويوكنات ومدافع بأعداد ضخمة في كل احياء وشوارع البلدة - حسب تقارير منظمات حقوق الانسان ونشطاء سعودين .
ثلاثة أشهر على إجتياح قوات آل سعود الأمنية والعسكرية للبلدة وقيامها بعملية تطهير غير مسبوقة بحق أهالي العوامية بالتواطؤ مع البعض من أبناء البلدة المقربين، بذريعة هدم “حي المسوّرة” التاريخي رغم أن القوانين السعودية تحظر هدمه باعتباره معلماً أثرياً قيماً تم تسجيله في اليونسكو وأعلن القائمين على التراث الوطني السعودي معارضتهم لهدمه مراراً؛ كشفت السلطات عن حقيقة هدفها المُبيَّت بالانتقام من أبناء العوامية ومعاقبتهم لما يمثلونه من رمز وطني وطليعة في التحدي للظلم والقمع والتمييز الطائفي ضد سياسة آل سعود الطائفية القبلية أبرزها "انتفاضة محرم 1979 وبعد أحداث البقيع عام 2009وما تلاها من احتجاجات سلمية حيث قدمت عشرات الشهداء الأبرار ومئات المعتقلين لم يعرف مصيرهم حتى الآن .
ارسال التعليق