تحذيرات أمريكا والناتو..وعزاء السعودية وتركيا
بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالعزيز الملكي
شهدت الأيام القليلة الماضية، تحديداً بعد إعلان أحمد العسيري مستشار وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، والناطق باسم العدوان على اليمن، أن السعودية على استعداد للتدخل العسكري البري في سوريا لمقاتلة داعش، إذا قررت قوى التحالف بقيادة أميركا التدخل العسكري البري، نقول شهدت الأيام الماضية،بعد هذا الإعلان العسيري تحركات سعودية وتركية نشطة على أكثر من صعيد،سيما على الصعد العسكرية والأمنية والسياسية.فالنظام السعودي سارع إلى الإعلان عن مناورات " رعد الشمال" وبمشاركة قوات دول عربية وإسلامية في مدينة الملك خالد العسكرية، في منطقة حفر الباطن، قرب الحدود مع العراق، وحينها جند الإعلام السعودي نفسه لتسويق هذه المناورات على أنها أقوى مناورات تشهدها المنطقة من حيث الدول المشاركة ونوعية السلاح المتطور المستخدم فيها، وذهب محللوا هذا الإعلام إلى القول بأنها رسالة إلى الروس والى الإيرانيين، ورسالة إلى أمريكا بأن السعودية وحلفائها العرب والمسلمين على جهوزية عالية للتدخل العسكري البري في سوريا إذا قررت القيادة الأمريكية ذلك، أكثر من ذلك أن هذا النشاط العسكري الذي زعم النظام السعودي أن 120ألف عسكري من الدول العربية والإسلامية سيشاركون فيها، أي في تلك المناورات،تزامن مع تصريحات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ذهب فيها إلى أبعد مما هو معقول، فقد أعلن كما كان يؤكد في كل تصريحاته، أن الأسد لابد أن يرحل، إما سلماً أو حرباً على حد زعمه وزاد على ذلك بأن أولوية التدخل العسكري، هي إسقاط الأسد،مدعياً بأنه لا يمكن القضاء على داعش، ما لم يتم القضاء على الأسد أولاً!! وظل العسيري والجبير ومعهما الإعلام السعودي الصاخب، يصرحان ويتحدثان عن التدخل العسكري البري في سوريا وكأنه سيقع في أيه لحظة...
أما في تركيا، فقد سارع المسؤولون الأتراك إلى التفاعل مع الإعلان السعودي، وابدوا استعدادهم لتسهيل هذا التدخل ولمشاركتهم فيه بحجة محاربة داعش التي مازالت بحسب التقارير الروسية تتلقى الدعم والرعاية، لحد الآن من جانب النظام التركي، ثم سارع وزير الخارجية التركي مولود چاویش اوغلو إلى الإعلان عن مستشارين سعوديين زاروا قاعدة انجرليك الأمريكية في تركيا تمهيداً لنقل طائرات سعودية إلى القاعدة للمشاركة في حرب داعش!! بعد التدخل العسكري، ثم نشط الأتراك على صعيدين بشكل لافت، الأول المطالبة بإقامة منطقة عازلة بعمق 10كم داخل الأراضي السورية لكنها تمتد من جرابلس قرب الحدود مع العراق، إلى اعزاز في ريف حلب الشمال، بمعنى تمتد هذه المنطقة على طول الحدود التركية مع سوريا.. واقترنت هذه المطالبة بتصعيد عسكري في منطقة الحدود بضرب الوحدات العسكرية التابعة لتحالف " سوريا الديمقراطية " والذي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري أكبر قواه العسكرية، حيث سيطرت هذه القوات على أكثر المدن الحدودية التي كانت تحت سيطرة داعش، أو بقية فصائل الإرهابيين..
أما الصعيد الثاني، فقد تمثل بمضاعفة الضغط التركي على حلف شمال الأطلسي، للتدخل وتقديم الدعم لتركيا أن هي أقدمت مع السعودية على التدخل العسكري في سوريا وعدم ترك تركيا لوحدها في مواجهة روسيا والقوات السورية وحلفائها.وفعلاً تحرك الحلفاء وبضغط أمريكي أيضا في بروكسل حيث حضر في هذا الاجتماع وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان لبحث وتدارس التدخل العسكري البري في سوريا.
الاندفاع السعودي التركي.. والخذلان الامريكي والأطلسي
وجد السعوديون والأتراك في التفاعل الأمريكي مع إعلان العسيري فرصة مهمة لدفع الأطراف إلى التدخل وتحقيق طموحاتها في إسقاط النظام السوري، وتوجيه ضربة كبيرة إلى محور الذي يؤيدها، وحينما أدركا أي السعودية وتركيا، أن ثمة تردد لدى الحلفاء من التدخل العسكري البري، حاول الطرف التركي وبالتنسيق مع الآخر السعودي باستدراج الأطلسيين إلى التدخل العسكري من خلال فرض الأمر الواقع، أي بتدخله هو في الحرب، وبالتالي يصبح لزاماً على أعضاء الأطلسي المشاركة في الحرب دفاعاً عن حليفهم التركي العضو في هذا الحلف..لكن جاء رد الأطلسي، تحذيرا هو الأول من نوعه لتركيا بأن الحلف لن يقف إلى جانب تركيا إذا ما استفزت صداماً عسكرياً مع موسكو، وقال وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسليبورن لمجلة دير شبيغل الألمانية، لا يجوز أن يسمح الناتو بانزلاق قدمه إلى تصعيد عسكري مع موسكو على خلفية التوترات الحالية بين الأخيرة وتركيا، مضيفاً أن حالة التضامن داخل الناتو لا تكون إلا بتعرض دولة من دوله إلى عدوان واضح وجلى واللافت أن المجلة الألمانية أشارت إلى أن رأي اسليبون يعبر عن رؤية كافة أعضاء الحلف الآخرين، وان الخبر المقضب الذي جاء على صفحتها الالكترونية جاء بعد يومين على تفجيرات أنقرة التي حاولت الحكومة التركية استثمارها للدخول في حرب داخل سوريا بحجة ملاحقة الفاعلين..وحينما وجدت الولايات المتحدة أن كل الضغوط التي مورست على الأطلسيين فشلت في إقناعهم بالتدخل العسكري في سوريا تراجعت هي الأخرى عن حماسها الذي أبدته في البداية للتدخل،وطالبت اردوغان بوقف قصفة المدفعي والصاروخي للأكراد داخل المناطق السورية الحدودية. وعلى أثر هذه المواقف وجد اردوغان أن رهانه على توريط الأطلسي في حرب مع روسيا توفر فرصة التدخل في سوريا وإسقاط الحكومة السورية، و "تأديب روسيا"،خاسر بامتياز، ما أجبره ذلك على إعلان التراجع عن التدخل، والذي جاء على لسان وزير الخارجية مولود چاويش أوغلو يوم 2016/2/22حيث أكد اوغلو أن إمكانية شن عملية برية تركية-سعودية في سوريا ليست على جدول الأعمال، مشدداً على أن أي حركة من هذا القبيل يجب أن تكون جماعية، وأوضح الوزير التركي في مؤتمر صحفي عقدة في ذلك اليوم أن كافة الدول المشاركة في التحالف المناهض لتنظيم " الدولة الإسلامية " والذي تقوده الولايات المتحدة يجب أن تشارك بشكل أو بآخر في العملية البرية المحتملة في سوريا..بدوره أكد المندوب التركي الدائم لدى الأمم المتحدة يشار خالد جويك أن بلاده لن ترسل قوات برية إلى سوريا إلا في إطار عمل جماعي عبر مجلس الأمن أو التحالف الدولي الذي تعد تركيا جزءاً منه، وهو ما يشكل تراجعاً واضحاً عن الموقف التركي خلال الأيام الماضية لجهة التدخل البري في سوريا، وقال جويك أن أنقرة تفضل حلاً سياسياً للازمة للسورية، على انه ورغم هذا التراجع التركي لم يخف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو رغبة بلاده في التدخل العسكري البري في سوريا حتى هذه اللحظة، فكان قد أكد في وقت سابق ومعه اردوغان، وداوود اوغلو رئيس الوزراء،ضرورة القيام بتدخل بري في سوريا ضمن استراتيجية معنية، واستعداد بلاده والسعودية للمشاركة فيه.
المأزق السعودي التركي وخيارات العرقنة
ما تقدم يؤشر بوضوح، إلى أن النظام السعودي والنظام التركي باتا في مأزق حقيقي،وبات الإحباط والخذلان والفشل الذريع لكل رهاناتهما فيما يخص أوهامهما بإسقاط الحكومة السورية، بات كل ذلك يسيطر على مسارهما، وانعكس ذلك في فقدانهما للتوازن،وإقدامهما على أفعال انفعالية،كما سنبين بعد قليل، لأن الضرورة تستدعي الإشارة إلى أن الاتفاق الأمريكي الروسي على وقف إطلاق النار في سوريا أو بعبارة أدق وقف العمليات العدائية اعتباراً من يوم السبت القادم، زاد من مأزق هذين النظامين، الأمر الذي دفعهما سيما النظام السعودي إلى القيام عبر دواعشه، بالتفجير الثلاثي في منطقة الزينبية الذي راح ضحيته أكثر من 80شهيداً وعشرات الجرحى، وبالتفجير المزدوج في شارع الستين في حي الزهراء بحمص وراح ضحيته أكثر من 60 شهيداً من الأبرياء وأكثر من 150 جريحاً، كل ذلك يوم 21/2/2016، في سوريا، أما في لبنان،فأوقف هبة الثلاث مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، ودفع حلفائه من جماعة 14 آذار إلى التصعيد ضد حزب الله، حيث استقال أشرف ريفي وزير العدل من الحكومة بحجة سيطرة حزب الله على القرار الحكومي وبحجة أن وزارة الخارجية تنفرد في اتخاذ المواقف ضد السعودية، في إشارة إلى عدم مشاركتها السعودية ومن وقف معها من العرب في إدانة إيران على ما حصل للسفارة السعودية في طهران، بعد إعدام سماحة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر (رض)وحينها أدانت الحكومة الإيرانية الحادث واعتقلت الفاعلين وقالت إنها ستقدمهم للقضاء وبنظري أن هذه التطورات تؤشر إلى أن النظام السعودي ومن يصطف معه انتقلوا إلى الخطط البديلة، بعد أن تعذر عليهم تزويد الإرهابيين في سوريا بالأسلحة المضادة للطائرات الروسية، والأسلحة المتطورة الأخرى، والخطط البديلة تقضى بتفجير الساحة اللبنانية للنيل من حزب الله وبقية فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولا أستبعد ضوء أخضر أمريكي في هذا الأمر، إلا بعد ثبوت العكس،كأن تبادر أمريكا إلى إسكات عملائها في السعودية،فما يجرى في لبنان إذا استمر التصعيد يؤشر إلى أن السعودية تريد تكرار ما حصل في العراق عبر تأليب حلفائها المشاركين في الحكومة ضد من تراهم من الضفة الأخرى والقصة معروفة كما أن المصاديق كثيرة والى الآن توظف السعودية هؤلاء الحلفاء في إطار سياسة تضعيف الحكومة العراقية ومحاولة فرض أجندات ليست في صالح العراق والعراقيين عليها !!
أما في سوريا، فالنظام السعودي ينوي على ما يبدو إذا استمرت هذه التفجيرات، استنساخ ما فعله في العراق أيضا في توظيف الدواعش باستهداف المدنيين من النساء والأطفال والكسبة وما إليهم من العزل، بزراعة المفخخات والأحزمة المتفجرة التي يلبسها الانتحاريون، والقنابل الموقوته، وذلك في المناطق المكتظة بالسكان،كمناطق العمل والتسوق،ومناطق التجمعات وما إليها، من اجل استنزاف الشعب السوري وحكومته، وسلبهم الاستقرار الأمني والسياسي كما حصل في العراق، أولاثارة الفتنة الطائفية..ولكن حتى لو صح هذا التحليل ونأمل ألا يكون صحيحاً،فان ذلك سيكون آخر محاولات هذين النظامين، لأن المنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة، سيكون الخاسر فيها هذان النظامان وبقية من يصطف معهما بدون شك.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق