«ترامبية» محمد بن سلمان تواجه مأزقها
رجع رئيس الوزراء اللبناني إلى بيروت بغير الوجه الذي ظهر به على شاشة قناة العربية السعودية، وتراجع عن الاستقالة التي دُفع إليها في صورة «تريث» تمناه عليه رئيس الجمهورية اللبنانية، في مراجعة تبدو مغايرة للنهج السعودي الذي أراد أن يدخل لبنان في أجواء من فقدان الاستقرار، وتطيح بالتسوية الداخلية فيه، من دون أن تقدم بديلاً مقنعاً، ومن غير أن ترسم حدوداً للمغامرة الفاشلة بمستقبله ومستقبل المنطقة كلها.
رجوع الحريري وتراجعه عن الاستقالة يعبر أكثر عن أجواء إقليمية ودولية رافضة لهذا النهج السعودي المستجد، ويعبر أكثر فأكثر عن حاجة لبنانية ملحة لاستمرار استقراره الذي بني على هذه التسوية، وهي المتاح الوحيد أمام بلد يعاني من التدخلات في شؤونه الداخلية أكثر من أي بلد أخر.
الرفض الدولي والإقليمي لخطوة بن سلمان الارتجالية والانفعالية والمغامرة في الوقت نفسه إضافة إلى هذا التوحد اللبناني على رفض طريقة التعامل التي تمت مع رئيس الوزراء اجتمعا معاً ليفرضا تراجع السعودية وتريث الحريري.
السؤال الأكبر الذي يواجه حركة بن سلمان في الإقليم يتعلق بوعي ولي العهد الموعود بالعرش باللحظة التاريخية التي تمر بها منطقة تحاول، ويحاول معها العالم، للخروج بعيداً عن حواف الحرائق المشتعلة، لحظة تقبل فيها المنطقة على تسويات تاريخية للعديد من مشاكلها المزمنة.
مأزق بن سلمان «ترامبي النزعة» يتمثل في أنه أقبل على مغامرات واتخذ العديد من ردود الأفعال داخل المملكة وخارجها فيما تجري على قدم وساق التحضيرات للدخول فيما أسمي ب «صفقة القرن» المطروحة أميركياً للتعامل مع بقايا القضية الفلسطينية، وفيما تجري عملية أخرى بالتوازي لرسم خرائط جديدة في الشرق العربي تراعي مناطق النفوذ وحدوده خاصة في سوريا وما حولها.
ولا شك في أن بن سلمان على اطلاع كافٍ على الكثير من هذه التحضيرات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها «رؤية ترامب» المتعلقة بطي صفحة الصراع العربي الإسرائيلي، التي يستعد لإطلاقها قريباً كما تشير تقارير عدة من واشتطن وتل أبيب على حد سواء.
والسؤال هنا هل يتعمد ولي العهد السعودي إجراء عملية «تسخين» للأجواء في المنطقة توفر المناخ الملائم لإنضاج «الطبخة الأمريكية» أم أنه يتحرك فقط بفعل ضغوط داخلية تدفع به إلى المغامرة خارج الحدود ليكسب أبناطاً إضافية في صراعه الداخلي على الانفراد بعرش البلاد؟.
ترامبية بن سلمان تواجه تحديات جمة في الداخل السعودي بل من داخل العائلة السعودية نفسها، كما تواجه عوائق من الخارج لن تسمح له بأن يكون طليق اليد كما يفعل في الداخل، وهي بهذا كله تواجه مأزقاً مركباً، حيث يؤسس ولي العهد سياسته الجديدة على بناء جسور للتقارب مع تل أبيب بينما يهدم كل جسور المملكة مع محيطها الأقرب، سواء في اليمن وحربه الشرسة عليه، وفي قطر التي يحاصرها، بينما يخوض حرباً إعلامية مع الجارة الكبيرة إيران صاحبة النفوذ والتواجد النشط في قضايا المنطقة وأزماتها المشتعلة.
الحرب في اليمن باتت تشكّل عبئاً معنوياً واقتصادياً عليه في الداخل، كما أنها صارت تمثل عبئاً إضافياً على حلفاء بن سلمان في الخارج وسط احباطات متزايدة جراء الفشل السعودي في تحقيق أهداف المملكة بينما تزيد وتيرة الأنباء عن الانتهاكات الخطيرة لشرعة الأمم المتحدة وميثاقها التي يعاني منها أبناء الشعب اليمني وهم يعانون من حصارٍ مميت وقتل وتشريد عشرات الألاف منهم على مدار تلك الحرب المجنونة، التي باتت تمثل مأزقاً لا سبيل للخروج منه بأقل الخسائر.
وعلى صعيد التسوية تواجه «ترامبية بن سلمان» مأزقاً آخر، حيث الهدف الأمريكي الإسرائيلي هو التخلي عن «مبادرة السلام العربي» التي طرحتها وتبنتها السعودية نفسها من قبل، هذا التخلي الذي سيؤدي إلى التنازل عن ربط قضية التطبيع بإقامة سلام شامل وعادل للقضية، فلا دولة فلسطينية ولا نقاش حول وضع القدس، ولا تسوية لقضية اللاجئين، وتأتي كل هذه التنازلات مقابل تحسين طفيف في الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، والاكتفاء بإدارة ذاتيّة على نسق «كامب ديفيد» الأولى التي وقعها أنور السادات، وكانت نتائجها كارثية على المنطقة برمتها.
التطبيع المزمع بين تل أبيب والرياض قد يبدو أنه خارج أي إمكانية لردود فعل غاضبة في الداخل السعودي وسط تقهقر القضية الفلسطينية لتتذيل اهتمام الرأي العام العربي والخليجي بشكل خاص، إلا أن ترتيبات بن سلمان تغفل البعد الديني التاريخي للقضية لدى قطاعات واسعة من مواطني دولة ربطت على الدوام طبيعة النظام فيها بالهوية الإسلامية، ويتسمى مليكها بخادم الحرمين الشريفين.
«الترامبية» الأمريكية تواجه مأزقاً داخلياً، ومصير ترامب نفسه معلق على نتائج التحقيقات التي تجري على قدم وساق في قضية الانتخابات الرئاسية التي نجح فيها ترامب، كما أنها تواجه رفضاً حتى داخل حزبه الجمهوري وقطاعات واسعة في الشارع الأمريكي، و«ترامبية» بن سلمان ليست بعيدة عن مأزقها في الداخل السعودي، ومصير ولي العهد معلق بنتائج الصراع الذي يخوضه داخل العائلة الملكية ليفسح المجال أمام تغييرات حادة في المملكة نفسها.
بقلم : محمد حماد
ارسال التعليق