حصاد النظام السعودي.... بعد ألف يوم من عدوانه البربري على الشعب اليمني
نتيجة لغروره وطيشه، وعدم خبرته في الشؤون العسكرية والحربية، وجهله بأمورهما، إعتقد بن سلمان وزير الدفاع وولي ولي العهد في ذلك الوقت، أن العدوان الذي شنه على الشعب اليمني بأوامر أمريكية وصهيونية، ظلماً وطغياناً، إنه مجرد نزهة عسكرية !! سيحسم- بن سلمان – الحرب لصالحه في ظرف أيام معدودة، وفي أسوء الأحوال، لا تستغرق العلميات العسكرية أكثر من ثلاثة أشهر، وسيحقق لأمريكا ما تريده من إعادة للهيمنة على اليمن، وإعادة عميلهم المنتهية صلاحيته والفار، هادي عبدربه منصور، بعد إخراج الحوثيين من العاصمة صنعاء، وإعادتهم إلى كهوفهم في صعدة "!! على حد قول المتحدث السابق بإسم العدوان أحمد العسيري.
واليوم نحن قد تجاوزنا الألف يوم الذي صادف يوم 19/12/2017، على العدوان، لم يبقِ بن سلمان سلاحاً فتاكاً إلا واستخدمه، فرض حصاراً برياً وجوياً وبحرياً خانقاً على الشعب اليمني منع دخول الأدوية والمواد الغذائية فضلاً عن الأسلحة والمعدات الحربية، جلب المرتزقة من السودان ومن الاردن والمغرب وموريتانيا بالإضافة إلى المرتزقة اليمنيين من أتباع هادي وحزب الإصلاح، وهم بعشرات الآلاف، وإضافة إلى شبكات الشركات الأمنية الأمريكية والصهيونية الفتاكة مثل شركة بلاك ووتر، كل هذه الألوف المؤلفة من الجند مضافاً إليها الجيشان السعودي والإماراتي، كما قام النظام السعودي بارتكاب مئات المجازر المروعة بحق المدنيين العزل، لدرجة أن قتل المدنيين والفتك بهم من قبل النظام السعودي وحليفه الإماراتي بات ركناً أساسياً من أركان العدوان على هذا الشعب الفقير، ثم إن سلاح الجو السعودي وحليفه الإماراتي المدعومان أمريكيا وصهيونياً، يسيطران سيطرة تامة على الأجواء اليمنية ويرصدان الشاردة والواردة هناك، وبالإضافة إلى ارتكابهما مئات المجازر كما قلنا خلال هذه الفترة، فأنهما دمرّا البنية التحتية لهذا الشعب عن بكرة أبيها فلم يتركا معلماً تاريخياً أو حديقة أو مدرسة أو مستشفى إلا ودمراه.... وعلى أثر كل هذه الممارسات الظالمة والتعسفية حلت بالشعب اليمني الكوارث الصحية والاجتماعية، فيما بات الجوع يهدد 8 ملايين إنسان يمني بالموت بسبب الحصار والحرمان ونقص الأغذية والأدوية، وكل ذلك وسط سكوت وتواطئ دولي مقيت، إلا في الآونة الأخيرة حيث رفعت بعض هذه المنظمات صوتها ضد النظام السعودي وانتصاراً لهذا الشعب المظلوم.
وبحسب المقاييس العسكرية، وطبقاً للمعادلات العسكرية الراجحة جداً للنظام السعودي وحليفه الإماراتي، فإن النتيجة سوف تكون محسومة لهذين النظامين العدوانيين بعد الألف يوم من العدوان... لكن هذه المعادلات لا تنطبق أبداً على حالات الشعوب أو المقاومة المؤمنة بعقيدتها وقيمها، حرب تموز بين حزب الله والكيان الصهيوني عام 2006، وكذلك حرب العدو مع المقاومة الفلسطينية عام 2009، قبلها حرب فيتنام مع أمريكا، وحرب أفغانستان مع السوفييت، والأمثلة كثيرة شاهد على ذلك. وعدوان السعودية والإمارات على اليمن، مثال آخر وحي يضاف إلى تلك الأمثلة المشار إليها، والتي لم نذكرها... فماذا حصد بن سلمان من هذه الحرب الظالمة بعد ألف يوم على الشعب اليمني !؟
للإجابة على هذا السؤال نذكر الحقائق التالية.
1. اعتراف الخبراء العسكريين ومن بينهم دول تدعم السعودية والإمارات كأمريكا وبريطانيا بفشل العدوان عسكرياً وإقرار هؤلاء باستحالة الحسم السعودي الإماراتي العسكري للوضع في اليمن، بناءاً على تطورات ومعطيات الميدان العسكري في كافة الجبهات، إذ أبدى الحوثيون والجيش اليمني صموداً مذهلاً بوجه زحف موجات العدوان وكبد المهاجمين المئات من القتلى وآلاف الجرحى خلال من هذه المدة، بل عشرات الآلاف من القتلى والجرحى فضلاً عن تدمير الآلة العسكرية المتطورة للعدوان، أكثر من ذلك، أن أنصارالله والجيش اليمني فتحوا جبهات داخل السعودية في نجران وجيزان وعسير ، وثمة شهادات كثيرة للخبراء في هذا الإطار نذكر منها ما يلي:
- في حوار أجرته صحيفة اليمن في 3/5/2017 مع مايكل هورتون كبير المحللين المختصين بالشأن العربي في مجموعة (جيمس تاون) الاستخبارية الأمريكية أوضح حول دخول العدوان السعودي على اليمن عامه الثالث وعدم قدرته على تحقيق الانتصار بالقول " لقد أثبت الجيش السعودي أنه جيش من ورق ويفتقر إلى الجهوزية، وغير قادر، ويخوض المعركة بشكل سيء، وأن الحرب تزيد من الانقسامات داخل السعودية نفسها. هناك الكثير من العائلة المالكة السعودية لا يدعمون الحرب ولا يدعمون محمد بن سلمان أيضاً ". وأكد هذا المحلل الأمريكي أن الجيش السعودي لم يحقق أي انتصار في حربه باليمن، ساخراً من أحاديث السعوديين حول قدرات جيشهم وانجازاته المزعومة. وقال " على الرغم من المليارات من الدولارات التي أنفقتها السعودية على أحدث الأسلحة في عام 2016، فإن المملكة العربية السعودية لديها ثالث اكبر ميزانية عسكرية في العالم، وهي غير قادرة على هزيمة عدو فقير ولكنه بعزم" في إشارة إلى اليمن.
- وكان مايكل هورتون قد كتب مقالاُ تحليلياً في 22/3/2017 نشرته مجلة The American conser rative، تضمن تقريباً نفس المضامين المشار إليها ومما جاء فيه قوله " إن عجز المملكة العربية السعودية عن تحقيق أهدافها في اليمن على الرغم من الحملة الجوية التي يبدو أنها تعرف القليل من القيود الأخلاقية يقال على جبهتين : أولاً، أظهرت الحرب أن الجيش السعودي هو نمر ورقي. ثانياً أظهرت الحرب مرة أخرى الحدود الحقيقية جداً للأسلحة المتقدمة عندما تواجه عدواً خلاقاً وحازماً يعرف كيفية الاستفادة من التضاريس المعقدة ". واستحضر هورتون تاريخ الشعب اليمني في دحر الأقوام الغازية والفتك بها مثل الرومان والعثمانيين والمصريين وغيرهم.
- وللإشارة إلى أن ما قاله هورتون حالياً، بشأن الفشل السعودي، هو تكرار لما كان قد قاله بعد عامين من العدوان، ومما قاله في ذلك الوقت في تقرير نشره موقع المحافظين الأمريكيين "إن الحرب التي تقودها السعودية، والتي بدأت قبل عامين لم تحقق شيئاً سوى قتل الآلاف من المدنيين وتدمير الكثير من البنية التحتية في اليمن، وتمكين القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ودفع الملايين من اليمنيين إلى حافة المجاعة ".
- وكمؤشر على هذا الفشل العسكري استنجد النظام السعودي بالجيش الباكستاني لحماية حدوده الجنوبية من توغل أنصارالله في العمق السعودي، هذا ما كشفه موقع ميدل إيست آي البريطاني في 13/3/2017، حيث قال الموقع أن الجيش الباكستاني أرسل قبل عام تقريباً أي بعد سنتين من العدوان كتيبة من الجنود المقاتلين استقروا في منطقة الحدود الجنوبية للسعودية لحمايتها من هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية. والأهم من ذلك، انه حتى داعمي النظام السعودي مثل الولايات المتحدة وصلوا إلى قناعة بأنه لا يوجد حل عسكري للنزاع في اليمن فخلال المؤتمر الصحفي الدوري الذي تعقده المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذرنوبرت، قالت يوم 9/12/2017 "إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء تزايد العنف في اليمن وتدعو جميع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات " وأضافت " نحن على اتصال نشط مع السلطات في المملكة العربية السعودية...إننا قلقون بشكل خاص إزاء العنف ضد المتظاهرين السلميين... ونعتقد انه لا يوجد حل عسكري للنزاع ".
2. إلى جانب الفشل العسكري للعدوان، تحول هذا العدوان إلى عبئ على النظام السعودي ومن يقف معه من العرب في الحرب على الشعب اليمني، عبئ يستنزف السعودية عسكرياً واقتصادياً ومالياً، وقد تحدث الإعلام الأمريكي والغربي مفصلاً عن هذا الموضوع وأصبح من أوضح الواضحات، وتكفي الإشارة إلى إجراءات التقشف السعودية و رفع النظام السعودي الدعم عن أسعار بعض المواد الأساسية ، ثم قرصنته الفاضحة على ما بيد الأمراء ورجال الأعمال، الذين ما يزال بعضهم تحت طائلة الاعتقال لابتزاز ملياراتهم، ونختم هذه النقطة بما أكدته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في 22/3/2017 حول أن شركة أرامكو وفي إطار الانهيار الكلي للاقتصاد السعودي جراء حرب النظام السعودي على اليمن، ستطرح صكوكا للبيع بقيمة ملياري دولار، وفعلاً قامت الشركة بهذه الخطوة وجمعت أموالاً بقيمة عشرة مليارات دولار.
3.ولأن النظام السعودي أخفق عسكرياً في عدوانه على الشعب اليمني، فهو أوغل في ارتكاب المجازر المروعة والدامية بحق المدنيين لكسر شوكة وثبات وصمود هذا الشعب، وأوغل أيضاً في الحصار الذي فرضه على اليمن منذ بداية الحرب، وتسبب في كل هذه الكوارث الإنسانية والمآسي التي يعاني منها الشعب اليمني، ولكن بدلاً من أن تساهم هذه الكوارث في تفتيت الجبهة الداخلية وتشكل ضغطاً على أنصارالله والجيش اليمني، تحولت هذه الكوارث إلى أداة ضغط وإحراج ليس للنظام السعودي وحسب بل ولداعميه، الولايات المتحدة والحكومة البريطانية والحكومة الفرنسية وما إلى ذلك، من قبل منظمات حقوق الإنسان والأوساط والإعلامية في هذه الدول، فهذه الكوارث والمجازر التي يرتكبها الطيران السعودي انتقاماً من الشعب اليمني وتغطية لهزائمه في الحرب ، باتت تحرج هذه الأوساط المتواطئة مع العدوان وتشكل رأياً عاماً ضاغطاً على تلك الحكومات، باعتبارها مشاركاً وداعماً أساسياً للعدوان السعودي على هذا الشعب المظلوم... وقد زاد هذا الضغط بشكل لافت في الآونة الأخيرة لدرجة أن الحكومتين الأمريكية والبريطانية بدأتا تنتقد النظام السعودي بشكل علني وصريح... ففي هذا السياق حذرت الحكومة البريطانية حلفائها في السعودية من الاستمرار في فرض القيود على الشاحنات الغذائية وشاحنات الوقود من الدخول إلى اليمن، ونقل تقرير نشرته صحيفة الديلي تلغراف البريطانية في 18/12/2017 عن وزيرة التنمية البريطانية بيني مورد ونت قولها " إن السعودية ليس لها أعذار لوقف شحنات المواد الغذائية إلى اليمن، ويمكن أن يكون ذلك خرقاً للقانون الإنساني الدولي إذا ما استمرت في ذلك، محذرة من تضرر العلاقة بين لندن والرياض، إذا لم تتحرك الأخيرة لتخفيف القيود التي تفرضها على اليمن ". وأضافت موردونت "ما لم يتم ذلك فنحن نعتقد أن نحو 150ألف طفل قد يموتون خلال الأشهر القليلة المقبلة. وهناك نحو أربعمئة ألف يعانون بالفعل من سوء التغذية الحاد، ومعدل الوفيات سيزداد بشكل كبير إذا لم نوصل الغذاء والوقود ". من جهته وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون وبخ بن سلمان بشكل غير مباشر على سياسته التي وصفها بالرعناء إزاء اليمن وباقي بلدان المنطقة وذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الفرنسي يوم 8/12/2017 حيث قال تيلرسون " إن خطوات المملكة السعودية يجب أن تكون مدروسة وذات حكمة لا أن تتصرف السعودية برعونة، ومن دون دراسة، وبردات فعل تؤدي إلى هز الاستقرار في الخليج أو في اليمن أو في لبنان". وأضاف قائلاً "إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعطاني توجيهات بالاتصال بالمملكة العربية السعودية والطلب منها برفع الحصار المفروض على الشعب اليمني، حيث أن هناك كارثة إنسانية على مستوى الأمراض والغذاء، وان الرئيس الأمريكي ترامب طلب مني أن أُبلغ السعودية ليس رفع الحصار فقط على الموانئ لإيصال الغذاء، بل رفع الحصار بشكل كامل كي يعود اليمنييون إلى بلادهم، وكي تجتمع العائلات اليمنية مع بعضها، خاصة وان هنالك أكثر من مليوني يمني يريدون العودة إلى اليمن ولا يستطيعون منذ أن شنت السعودية الحرب على اليمن ". ويذكر أن الرئيس الأمريكي اتصل هاتفياً بالملك سلمان وطلب منه وبلغة الأمر رفع الحصار عن ميناء الحديدة وبشكل فوري، الأمر الذي يكشف عن مقدار الضغوط التي يتعرض لها ترامب وطاقمه، ثم محاولة الأميركان والانجليز التخلص من مسؤولية المشاركة في ارتكاب المجازر والتسبب في كوارث اليمن، إذ حمّلت الكثير من المنظمات الإنسانية والأوساط الإعلامية كما أشرنا الحكومتين الأمريكية البريطانية الداعمتين لآل سعود وعدوانهم على اليمن. المسؤولية في مشاركة السعوديين في إيجاد هذه الكوارث الإنسانية.
4.وفيما ازداد النظام السعودي بعد1000يوم على العدوان ضعفاً عسكرياً وسقوطاً أخلاقياً ازداد أنصارالله والجيش اليمني قوة عدة وعديداً، ويشكل إيجادهم لمنظومة صاروخية تتطور بسرعة قوة ومديات معلماً بارزاً حتى أنها طالت العاصمة الرياض عندما قصف أنصارالله بها رمزاً سيادياً للملكة وهو قصر اليمامة الذي يمارس فيه الملك مهامه، وباعتراف أمريكي أصاب الصاروخ القصر، إذ شكل هذا الاعتراف إحراجاً للنظام السعودي، الذي ادعى بأن منظومة الباتريوت المضادة قد أسقطته !!
على أي حال المنظومة الصاروخية اليمنية التي تتطور بسرعة إلى جانب منظومات أسلحة جديدة من أنواع مختلفة تتطور هي الأخرى أو تنتجها المصانع العسكرية اليمنية الفعالة والنشطة...كل ذلك رسم معادلة جديدة للمشهد، فلأول مرة يفرض أنصارالله والجيش اليمني بهذا التطور ميزان رعب على الطرف الآخر، الذي يتباهى بقوته الجوية المتفوقة. وفي خطابه الأخير أعلن قائد أنصارالله عبدالملك الحوثي الصيغة النهائية لهذه المعادلة وهي اذا ضربتم صنعاء سنضرب الرياض وأبوظبي، واذا ضربتم منشآت حيوية فسنقصف منشآتكم ومنها النفطية وهكذا، فكل المدن السعودية والإماراتية باتت تحت مرمى المنظومة الصاروخية اليمنية. وقد لاحظنا كيف أن هذه المنظومة أدخلت الرعب والخوف في نفوس آل سعود، ودوخت الأميركان والغربيين ولم يجدوا مجالاً للتخفيف من وطأتها سوى الادعاء بأن إيران زودت أنصارالله بها، لكن عادت هذه الدوائر الأمريكية لتعترف بالحقيقة إنها يمنية خالصة وجوداً وتطويراً ما ضاعف من خوف وهلع آل سعود.
5.بعد سقوط رهان الحسم العسكري، ورهان ارتكاب المجازر بحق الشعب اليمني سقط آخر رهان للعدوان ولأمريكا، وهو علي عبدالله صالح ، وقد اعتبر الخبراء الغربيون والأمريكان، انه بالقضاء على صالح دخل اليمن مرحلة جديدة تختلف عن المرحلة السابقة اختلافاً كلياً فأصبح اليمن في المرحلة الجديدة أكثر تماسكاً وأكثر حصانة بعد ما قضي على أهم أوكاره في عمق الجبهة الداخلية، ولذلك لاحظنا أن الاميركان سارعوا إلى مغازلة أنصارالله بالقول، إنهم يضمنون لأنصارالله دوراً سياسياً في اليمن بشرط ألّا يقصفوا السعودية بالصواريخ، بل وهناك أحاديث عن تحرك دبلوماسي وراء الكواليس لإحياء المفاوضات وحل الأزمة حلاً سياسياً بعد ما سقطت كل خيارات النظام السعودي التي كان قد راهن عليها، وبعد ما وصل داعمو آل سعود الاميركان والصهاينة إلى قناعة، بأن استمرار العدوان لا يحصد منه النظام السعودي سوى الأسوأ، فكل المعطيات الميدانية باتت تؤشر إلى هزيمة العدوان وانتصار الشعب اليمني بجيشه وأنصاره.
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق